تحديات متعددة:التداعيات الاقتصادية المحتملة لسيطرة الحوثيين على مضيق باب المندب

تحديات متعددة:التداعيات الاقتصادية المحتملة لسيطرة الحوثيين على مضيق باب المندب

2761

تطرح سيطرة جماعة الحوثيين في اليمن على ميناء “الحديدة” على البحر الأحمر في منتصف أكتوبر 2014، بعد نجاحها في إحكام قبضتها على المؤسسات الحكومية الرئيسية في العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014 وتوقيع اتفاق “السلم والشراكة الوطنية”، تساؤلات عديدة حول تأثيرات ذلك على حركة التجارة العالمية عبر مضيق باب المندب، وهو الممر الاستراتيجي الذي يمر من خلاله نحو 3.4 مليون برميل نفط يوميًا، لا سيما أنها ربما تتسبب في ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية، في ظل تكهنات عديدة تشير إلى أن الجماعة تسعى إلى السيطرة على المضيق.

تهديدات قوية:

تعرض باب المندب لتهديدات قوية خلال الأعوام الماضية، ففي أكتوبر 2002، هاجم تنظيم “القاعدة” ناقلة نفط فرنسية قبالة اليمن، وكنتيجة للهجوم، ارتفعت أقساط التأمين على ناقلات النفط التي تمر عبر المياه اليمنية ثلاث مرات تمامًا، فيما تعرضت خلال السنوات التالية سفن تركية (2008) ويونانية (2012) وأخرى تنتمي لجزر المارشال (2013) لعمليات القرصنة قبالة السواحل اليمنية، وهو ما زاد من المخاوف العالمية من الإبحار في السواحل اليمنية.

وترجع الأهمية الاستراتيجية لمضيق باب المندب إلى كونه يربط خليج عدن المتصل بدوره بالمحيط الهندي مع البحر الأحمر والبحر المتوسط عبر قناة السويس، وتعبر معظم الصادرات الواردة من الخليج العربي إلى قناة السويس وخط “السوميد” لنقل النفط عبر باب المندب، وتقدر كمية النفط العابرة في مضيق باب المندب بنحو 3.4 مليون برميل نفط يوميًا في عام 2013 بحسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، بما يوازي 6.1% من تجارة النفط عالميًا خلال العام نفسه، ومع الوضع في الاعتبار أن المضيق يربط بين خليج عدن والبحر الأحمر المتصل بدوره بالبحر المتوسط عبر قناة السويس، حيث يعبر من خلالها ما بين 8 إلى 10% من حجم التجارة العالمية، حسب بعض التقديرات، فإن ذلك معناه أن أية تهديدات تواجه المضيق تنتج بالتبعية تداعيات سلبية على حركة التجارة العالمية عبر قناة السويس.

وقد فرضت التطورات السياسية الجديدة في اليمن تهديدات خاصة بمضيق باب المندب، ففي ضوء التوترات الأمنية والسياسية المتصاعدة فيما بعد اندلاع الثورة اليمنية عام 2011، نجحت جماعة الحوثيين، في سبتمبر 2014، في السيطرة على مقرات الجيش وبعض الوزارات والمؤسسات في العاصمة صنعاء، وتمكنت، في منتصف أكتوبر، من السيطرة على مدينة “الحديدة” في شمال غرب اليمن المطلة على البحر الأحمر، بما يزيد من احتمالات توغلها جنوبًا، والسيطرة على المضيق.

اضطراب أسواق النفط:

يمثل التهديد الأمني للمضيق خطرًا حقيقيًا على تدفقات حركة التجارة العالمية، ولا سيما التجارة النفطية، إذ أن إغلاق المضيق يمكن أن يعيق وصول ناقلات النفط من الخليج العربي إلى قناة السويس أو خط أنابيب “السوميد”، ما يزيد من احتمالات تعطيل إمدادات النفط القادمة من الدول الخليجية، ولكونها الدول الرئيسية المصدرة للنفط عالميًا، فمن المحتمل بالطبع أن تشهد أسعار النفط ارتفاعات حادة في هذه الحالة، وتشير التقديرات الدولية إلى أن كل انقطاع للإمدادات العالمية من النفط بنحو مليون برميل يوميًا، يزيد أسعار النفط بنحو 5.2 دولار للبرميل، وهو ما يهدد في النهاية نمو الاقتصاد العالمي، الذي تشير توقعات صندوق النقد الدولي مؤخرًا إلى أنه سيصل إلى 3.3% خلال عام 2014، بانخفاض 0.1% عن التقديرات السابقة.

أثر إغلاق الممرات المائية على أسعار النفط (*)

111111

تعتمد تقديرات ارتفاعات أسعار النفط على ثلاثة سيناريوهات: عدم نقل ما نسبته 20%، أو 50%، أو 100% من كميات النفط المارة عبر المضايق المائية.

Source: Komiss ,William and LaVar Huntzinger, The Economic Implications of Disruptions to Maritime Oil Chokepoints, CNA analysis and solutions, http://www.cna.org/sites/default/files/research,2011.

أما في حالة بحث الدول المصدرة للنفط عن بدائل لطرق أخرى، فإن ذلك سوف يتسبب أيضًا في ارتفاع تكلفة الشحن بسبب الحاجة إلى استخدام طرق بديلة كطريق رأس الرجاء الصالح بدلا من قناة السويس، والذي من شأنه أن يضيف 6000 ميل بحري أخرى لكى تتمكن ناقلة النفط من الإبحار من موانيء الشرق الأوسط إلى أوروبا الغربية، وهو ما يعني أن الناقلة سوف تستهلك مزيدًا من الوقود خلال رحلتها، ما يرفع أسعار النفط في النهاية بنحو 0.3%، بحسب بعض التقديرات.

فضلا عن ذلك، فإن غلق الممرات البحرية مثل مضيق باب المندب، سيؤدي إلى الازدحام في الممرات البحرية الأخرى، وارتفاع تكلفة التأمين البحري. وتشير تقديرات كلية الدراسات البحرية الأمريكية العليا في مونتري إلى أن تكلفة النقل الإضافية العالمية جراء غلق باب المندب ستبلغ نحو 45.6 مليون دولار يوميًا.

على جانب آخر، تمثل سيطرة الحوثيين على مضيق باب المندب تهديدًا محتملا لمنطقة السويس بأكملها، لأنها، وفقًا لاتجاهات عديدة، يمكن أن تؤثر على الإيرادات المتوقعة لمشروع محور تنمية قناة السويس، الذي يكتسب ميزته التنافسية من موقعه الاستراتيجي وقربه من الأسواق العالمية، الأوروبية والآسيوية، والتي تقدرها بعض الاتجاهات بنحو 100 مليار دولار سنويًا، وستعرض إيرادات قناة السويس من رسوم العبور للتدهور، والتي تتوقع وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري المصرية زيادتها إلى نحو 5.2 مليار دولار، خلال العام المالي 2014/2015.

خلاصة القول، تفرض احتمالات سيطرة الحوثيين على باب المندب تهديدًا قويًا لحركة التجارة العالمية، لا سيما أنها يمكن أن تتسبب في إعاقة حركة الملاحة البحرية، الأمر الذي سوف يؤثر على نمو الاقتصاد العالمي، وهو ما يتطلب من المجتمع الدولي، التنسيق مع الأطراف الفاعلة في منطقة الشرق الأسط، للحيلولة دون امتداد الخطر الحوثي إلى باب المندب.

وحدة الدراسات الاقتصادية : المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية
http://goo.gl/FXgyv3