هل فشلت اتفاقيات أوسلو أم نجحت؟

هل فشلت اتفاقيات أوسلو أم نجحت؟

في مقدمة وثيقة «من السلام إلى الازدهار»، التي كشف عنها «البيت الأبيض والأزرق» قبل أسبوع والتي يُفترض بها أن تشكّل أرضية لما أسماه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب «صفقة القرن»، ورد تأكيدٌ على التواصل التاريخي بين المشروع الذي صاغه جارد كوشنر، صهر ترامب الصهيوني بامتياز، واتفاقيات أوسلو. وقد أكّدت الوثيقة على ما يلي:
«إن رئيس الوزراء اسحاق رابين الذي وقّع على اتفاقيات أوسلو والذي وهب حياته لقضية السلام (كذا) قد شرح في آخر خطاب له أمام الكنيست الإسرائيلي ملامح نظرته للحلّ النهائي للنزاع. وقد رأى أن القدس سوف تبقى موحّدة تحت السيادة الإسرائيلية، وأن أقسام الضفة الغربية ذات كثافة سكانية يهودية (أي مناطق تركّز المستعمرات الصهيونية) سوف يتمّ ضمّها وغور الأردن إلى إسرائيل، وأن ما تبقّى من الضفة الغربية ومعه قطاع غزة سيقعان تحت نظام حكم ذاتي فلسطيني في إطار ما قال عنه إنه سيكون شيئاً «أقل من دولة». وكانت نظرة رابين هي الأساس الذي استندت إليه موافقة الكنيست على اتفاقيات أوسلو، ولم ترفضها القيادة الفلسطينية في حينه».
إن هذا الكلام لصحيحٌ، والحق يُقال. وقد شدّد كافة رافضي اتفاقية أوسلو المشؤومة في حينها، ومنهم كاتب هذه الأسطر، على أن الغاية الصهيونية منها هي استكمال ما حقّقته دولة إسرائيل في حرب 1967، عندما استولت على القسم المتبقّي منذ 1948 من الأراضي الفلسطينية الواقعة غربي الأردن. وقد بيّنتُ بُعيد الكشف عن اتفاقيات أوسلو والتوقيع عليها في واشنطن في أيلول/ سبتمبر 1993 كيف أنها استندت بالكامل إلى الخطة التي صاغها إيغال آلون، أحد أبرز أعضاء الحكومة التي خاضت حرب حزيران/ يونيو. والحال أن «خطة آلون» كانت تنصّ على ضمّ الدولة الصهيونية لمساحات استراتيجية في الضفة الغربية بما فيها غور الأردن، وإعادة المساحات ذات الكثافة السكانية الفلسطينية إلى إشراف عربي، كان المقصود به آنذاك إشراف المملكة الهاشمية (مقالاتي في نقد أوسلو و«خطة آلون» مجموعة في كتابي «الشرق الملتهب» الصادر في عام 2004). وقد سُئل آلون في عام 1977، وكان حتى ذلك العام وزيراً للخارجية، إذا كان يرى أنه من الممكن تعامل الدولة الصهيونية مع منظمة التحرير الفلسطينية، فأجاب: «بالطبع، إذا كفّت منظمة التحرير الفلسطينية عن أن تكون منظمة التحرير الفلسطينية، يمكننا الكفّ عن النظر إليها بهذه الصفة. بكلام آخر، إذا تحوّل النمر إلى حصان، يمكننا أن نمتطيه».

الكلام عن طعن ترامب والصهاينة باتفاقيات أوسلو، لا يعدو كونه محاولة بائسة لتبرير القبول بالاتفاقيات المشؤومة التي استطاعت الدولة الصهيونية في ظلّها مضاعفة عدد المستعمرات وقاطنيها واستكمال تحكّمها الاستراتيجي (بما فيه استكمال تشييد البنية التحتية الملائمة) بالضفة الغربية

وهو ما تمّ تاريخياً بالفعل، فقد كفّت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية عن الكفاح من أجل تحرير فلسطين، واستعاضت عن ذلك الحلم التاريخي بحلم آخر ما لبث أن استحال كابوساً، هو وهم تحقيق «الدولة الفلسطينية المستقلة» في الأراضي التي احتلتها إسرائيل في عام 1967 من خلال اتفاق مع المحتلّ وفي ظل ميزان قوى مائل لصالحه بصورة ساحقة، وهو اتفاق لم ينصّ حتى على تجميد الاستيطان الصهيوني. فقد تحوّل النمر إلى حصان، بما أتاح للدولة الصهيونية أن تركبه. وعندما استفاق أبو عمّار بعد فوات الأوان وأراد استعادة دور النمر، تخلّص منه الصهاينة سعياً منهم وراء فسح المجال أمام من هو أقل من حصان.
هي ذي الحقيقة. أما الكلام عن طعن ترامب والصهاينة باتفاقيات أوسلو، فلا يعدو كونه محاولة بائسة لتبرير القبول بالاتفاقيات المشؤومة التي استطاعت الدولة الصهيونية في ظلّها مضاعفة عدد المستعمرات وقاطنيها واستكمال تحكّمها الاستراتيجي (بما فيه استكمال تشييد البنية التحتية الملائمة) بالضفة الغربية، تمهيداً للضمّ الرسمي لما يهمّها من أراضيها، وهو لن يكون أكثر من تكريس قانوني لواقعٍ جرى تطويره وتوطيده على الأرض طوال ما يزيد عن نصف قرن.
أما إعلان أبو مازن عن قطع صلات «السلطة الفلسطينية» بالدولة الصهيونية وعرّابها الأمريكي، فقد جاء متأخراً إلى حدّ أنه لم تعد له أي قيمة على الإطلاق. وقد كان أحرى برئيس «السلطة» أن يستقيل أمام هذا الفشل الذريع للنهج الذي مثّله بعناد منذ الدور المركزي الذي قام به في مفاوضات أوسلو وتوقيعه عليها في واشنطن عن الجانب الفلسطيني، وقد تباهى بذلك في كتاب نشره عام 1995 تحت عنوان «طريق أوسلو»، حمل عنوان طبعته الإنكليزية توصيفاً للطريق بأنها مرّت «من خلال قنوات سرّية». ومن المرجّح أن أبو مازن آثر ألّا يفتخر بتلك السرّية في عنوان الطبعة العربية نظراً لكونها «سرّية» قامت بالدرجة الأولى على العمل في الخفاء عن الشعب الفلسطيني ومن وراء ظهر أغلبية أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وكذلك المفاوضين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة سنة 1967.
هذا وقد حان الوقت ليلتحق سكّان تلك الأراضي بالسيرورة الثورية الإقليمية ويقومون أجمعين، في الضفة كما في القطاع، بانتفاضة جديدة تنضاف إلى الانتفاضات المتتالية منذ تسع سنوات في منطقتنا العربية، ويستعيدون دور الطليعة الذي لعبوه بصورة نموذجية في رائدة الانتفاضات، انتفاضة 88/1987 المجيدة، فيُنشئون من جديد سلطة ديمقراطية ثورية قائمة على التمثيل المباشر للأحياء والقرى في مواجهة الاحتلال، عوضاً عن «السلطة» الحالية التي تقتصر مهمتها على ضبط الفلسطينيين الواقعين تحت حكمها وهذا بصورة سلطوية قمعية وصلت إلى حد حجب مواقع الإنترنت، بما يضاهي نمط أنظمة المحيط العربي، تلك التي أخذت شعوب المنطقة تنتفض ضدّها.

القدس العربي