تصاعدت وتيرة العمليات العسكرية شمال وشمال غرب سوريا في آخر مواقع سيطرة المعارضة السورية، مع استمرار الحملة العسكرية للنظام السوري مدعوما بقوات روسية خاصة ومليشيات أجنبية.
وأسفرت العمليات العسكرية عن مقتل وإصابة عشرات المدنيين نتيجة قصف عشوائي لمناطق سكنية، كما أدت لنزوح أكثر من نصف مليون مدني من مناطق مختلفة، خاصة بعد سيطرة النظام السوري على معرة النعمان.
ورغم اتفاقيات خفض التصعيد ووقف إطلاق النار، فإن الواقع الذي تحاول روسيا والنظام فرضه مغاير تماما، حيث استغلت تلك الاتفاقيات لتوسيع سيطرتها على حساب تردد تركيا في الحسم، وهو ما نتج عنه مقتل خمسة جنود أتراك بقصف لقوات النظام وروسيا على نقطة مراقبة أنشئت حديثا.
وشهدت الساعات الأولى من فجر الاثنين أعنف العمليات العسكرية بعد مقتل الجنود الأتراك، حيث شنت تركيا قصفا مكثفا لأكثر من أربعين هدفا لقوات النظام أدى لمقتل العشرات وفقا لتصريحات تركية.
كما دفعت تركيا خلال اليومين الماضيين بمئات الجنود والمدرعات وأنظمة دفاع جوية وبرية، كما أنشأت على عجل ثلاث نقاط مراقبة حول مدينة سراقب.
اعلان
يذكر أن قوات النظام تقترب من السيطرة على سراقب حيث تعتبر المدينة ذات موقع إستراتيجي وعقدة ربط الطرق الدولية التي تسعى روسيا للسيطرة عليها منذ تدخلها عسكريا في سوريا.
روسيا والحسم العسكري
ويرى مراقبون أن الوضع يدل على خلاف واسع بدأ يظهر للعلن بين الدولتين الحليفتين في سوريا، مما يجعل مستقبل الصراع العسكري في شمال سوريا يتطور بشكل كبير ويبلغ أعلى درجات التعقيد، خاصة مع استمرار روسيا بفرض الحل العسكري وفق رؤيتها.
وفي السياق، يقول المحلل والخبير بالشأن الروسي رائد جبر إن خيار الحسم العسكري الذي اتخذ منذ وقت طويل دخل حاليا مرحلة التنفيذ العملي، مضيفا للجزيرة نت أنه ستكون هناك صعوبات كبرى تعترض استكمال عملية إدلب، بينها الموقف التركي والتصعيد الحاصل حاليا بعد قصف الموقع التركي وتعزيزات أنقرة في المنطقة.
ويعتبر جبر أن روسيا لا تريد تقويض العلاقة مع أنقرة لأن هذه “الشراكة” مهمة للروس في مجالات عدة، ومساحة الاتفاق مع الأتراك أوسع من مساحة الخلافات حول إدلب، لذلك تسعى موسكو إلى تجنب انزلاق الوضع نحو مواجهة تركية واسعة مع النظام، لكن في الوقت ذاته ستواصل دعم عملية الحسم العسكري وإن أبطأت من قوة اندفاعها بعض الشيء.
خلافات تهدد المنطقة الآمنة
ومن الواضح حسب مراقبين، أن موسكو تسعى لترتيب خرائط نفوذ جديدة في المنطقة يتسع فيها حضور النظام في غالبية مناطق محافظة إدلب، من دون أن يهدد ذلك “المنطقة الآمنة” التي أقامتها تركيا بالتعاون مع موسكو في المنطقة الحدودية، لكن ذلك مرهون بنزوح نحو مليون شخص باتجاه الحدود التي تتحمل تركيا عبئا كبيرا في مساعدتهم.
ويرى محللون أن كل الاتفاقات الروسية التركية بقيت على المحك خاصة مع ضوء أخضر تركي لشن هجوم واسع على أحياء حلب من قبل المعارضة والتقدم بمناطق إستراتيجية، وكذلك بوجود أسلحة نوعية كالصواريخ المضادة للدروع المتطورة، مما نتج عنه مقتل مجموعة ضباط روس يتبعون لفرقة خاصة تقاتل في سوريا
وتقول مصادر عسكرية تركية للجزيرة نت إن اجتماعات مكثفة عقدت خلال الأيام الماضية في قاعدة “إنجرليك” في مدينة أضنة التركية، بين الولايات المتحدة الأميركية ومسؤولين أتراك ومسؤولين من دول أوروبية لم يسمها، جرى خلالها التوافق على أحقية تركيا في التحرك شمال سوريا لضمان إنشاء منطقة آمنة بدعم ضمني من تلك الدول، حتى لو تصادمت مع روسيا.
وتضيف المصادر أن بنوك أهداف عسكرية إستراتيجية للنظام السوري والمليشيات الأجنبية خاصة الإيرانية، وضعت على الطاولة لتكون أهدافا متاحة للقصف الجوي والمدفعي، وهو ما حصل بعد مقتل الجنود الأتراك، فقد جرى قصف تلك الأهداف مباشرة.
فقدان الثقة بين الحلفاء
ويبدو أن فقدان الثقة بين أميركا وتركيا -حسب مراقبين- دفعت الأخيرة للتحالف مع روسيا، لكن نقض روسيا بتعهداتها وعودة الثقة بين المحورين التركي والأميركي بعد عملية نبع السلام، يؤكد أن بوادر الخلاف متجهة نحو التصعيد في إدلب، خاصة بعد إدخال تركيا لقوات كبيرة.
من جهته، يقول الصحفي التركي محمد مستو “إذا ما أخذنا بالحسبان عودة روسيا للاعتماد على المليشيات الشيعية التابعة لإيران في معارك إدلب، فإن ذلك عزز المخاوف الأميركية”.
ويضيف للجزيرة نت أن “دخول القوات التركية بهذا الحجم إلى إدلب لا يمكن تفسيره على أنه قرار تركي منفرد دون التنسيق مع الولايات المتحدة، معتبرا أن تركيا في الواقع غير قادرة لوحدها على مواجهة روسيا وإيران”.
ويتابع “لذلك فإن ما سيحدث في الأيام القادمة سيحدده ما تفاهم عليه الجانبان الأميركي والتركي” متسائلا “هل سيكون فقط لوقف تقدم قوات النظام وحلفائه أم أن الأمر سيمتد إلى أكثر من ذلك؟”.
من جهته، يعتقد العقيد أحمد حمادي المنشق عن النظام السوري أن تركيا مجبورة اليوم على إيجاد حل يمنع تردي الأوضاع أكثر من ذلك، وهي تعمل بجد على وقف هجمات النظام وروسيا وبطرق مختلفة.
ويقول في حديثه للجزيرة نت إن نشر نقاط تركية من كل الجهات يعني أن تركيا ستجبر النظام على التوقف، وأن على الروس والنظام الالتزام بما هو متفق عليه، خاصة بعد التأييد الأميركي والأوروبي لحق تركيا بالرد على نظام الأسد في سوريا.
المصدر : الجزيرة