تساءل تقرير نشرته صحيفة “جيروزاليم بوست”، لسيث فرنتزمان، عن اللعبة الدبلوماسية التي يخوضها رئيس الوزراء الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط، فبعد عمان وتشاد ها هو “الساحر” نتنياهو يخرج السودان من داخل طاقيته، مضيفا كما يقول معلما جديدا لإنجازاته الدبلوماسية عندما التقى يوم الإثنين مع رئيس المجلس السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان في العاصمة الأوغندية، كمبالا.
ويرى الكاتب أن اللقاء يعد إنجازا دبلوماسيا مهما يدعم الإنجازات السابقة. ففي تشرين الأول (أكتوبر) 2018 قام نتنياهو بزيارة مفاجئة إلى العاصمة العمانية مسقط، وأعاد العلاقات في كانون الثاني (يناير) 2019 مع تشاد. وقد يكون السودان مفتاحا لبالونات اختبار أخرى في الشرق الأوسط أو قد يكون بوابة إسرائيلية للسودان قد يعيد علاقاته مع واشنطن. ولم يكن اللقاء مع المسؤول السوداني الرفيع ممكنا لولا الانتفاضة السودانية العام الماضي التي أطاحت بحكم عمر حسن البشير الذي قاد البلاد على مدى 30 عاما، حيث وصل البرهان للحكم كجزء من مجلس سيادي من المفترض أن يقود البلاد في الفترة الانتقالية.
التغير الذي شهدته البلاد هو الأول منذ عام 1989، لكن الرئيس السابق فكر هو الآخر بتغيير الموقف من إسرائيل التي لها علاقات سابقة مع السودان
ويرى الكاتب أن التغيير الذي شهدته البلاد هو الأول منذ عام 1989، لكن الرئيس السابق فكر هو الآخر بتغيير الموقف من إسرائيل التي لها علاقات سابقة مع السودان. ففي عام 1985 التقى الزعيم السوداني السابق جعفر نميري مع وزير الجيش في حينه أرييل شارون لمناقشة النقل الجوي ليهود إثيوبيا. وقال صحافي مصري إن اللقاء جاء بترتيب من الميلياردير السعودي عدنان خاشقجي.
وفي العقد الماضي أشارت تقارير صحافية إلى غارات جوية إسرائيلية على السودان. فقد زعمت صحيفة “نيويورك تايمز” حدوث غارة جوية عام 2009 وأخرى عام 2012 حسب وكالة رويترز. وفي عام 2015 قالت صحافة أجنبية إن السودان أسقط طائرة بدون طيار إسرائيلية. ويعتبر السودان دولة مهمة، فهو عضو في الجامعة العربية وكان مركزا للتنافس التركي- السعودي.
وكانت أنقرة تأمل بالاستثمار في البلد ووقعت عقدا لتطوير جزيرة هناك. ورحبت السعودية، التي قطعت علاقاتها مع قطر حليفة تركيا، بالتغيير في السودان.
ومن هنا فاستئناف العلاقات الإسرائيلية- التشادية مهم في السياق السوداني. وفي عام 2019 التقى نتنياهو مع الرئيس التشادي إدريس دبي في القصر الرئاسي بنجامنيا. وجاءت الزيارة بعد انقطاع طويل في العلاقات وعبرت عن مرحلة جديدة من الدور الإسرائيلي في إفريقيا.
ودفع نتنياهو باتجاه توسع جديد في القارة الإفريقية كما فعل وزير الجيش السابق أفيغدور ليبرمان، وهو ما عنى زيارات تاريخية أخرى وبعثات دبلوماسية جديدة. ويعتبر السودان مختلفا عن بقية دول الصحراء الإفريقية فهو واقع بين الشمال العربي والجنوب الإفريقي ومرتبط بالعالم الإسلامي، مما يجعله نقطة انطلاق كما السنغال في غرب إفريقيا التي تعتبر مركزا دبلوماسيا مهما لإسرائيل.
يعيد السودان ذكريات الرحلة العمانية لنتنياهو والزيارات الهامة التي قام بها مسؤولون للإمارات والتعليقات الإيجابية من البحرين
ويعيد السودان ذكريات الرحلة العمانية لنتنياهو والزيارات الهامة التي قام بها مسؤولون للإمارات والتعليقات الإيجابية من البحرين. وتعطي صورة أن هناك جهدا إسرائيليا هادئا لتطوير العلاقات مع عدد من الدول. ولطالما تحدث نتنياهو عن العلاقات المتطورة مع دول عربية وإسلامية، لكن لم يكن لديه ما يقدمه على صعيد التطبيع. وكان من المتوقع أن تؤدي “صفقة القرن” التي لم يحضرها سوى ثلاثة سفراء عرب فرصة لإظهار التطور في العلاقات العربية لكن الجامعة العربية رفضتها.
وهذا يعطي رسائل مزيجة، فالدول العربية لا تزال ملتزمة بمبادرة السلام عام 2002، ولن يكون هناك أي تطبيع بدون أي تطور على الملف الفلسطيني. ومن جهة أخرى هناك التهديد الإيراني والخلافات السعودية- القطرية والمواقف المتناقضة بين مصر وتركيا بشأن ليبيا وعدد آخر من القضايا التي تجعل إسرائيل في صف واحد مع دول عربية. وعليه فالسودان ليس سوى بالون اختبار لعلاقات أوسع مع العالم العربي.
والمفارقة في زيارة عمان الهامة والآن السودان أن إسرائيل لم تعقد لقاءات على مستوى عال مع مصر أو الأردن، الدولتين العربيتين الوحيدتين الملتزمتين بمعاهدات معها. ولدى إسرائيل علاقات دبلوماسية مع تركيا ولكن أنقرة تعتبر من أشد الناقدين لها وتلتقي بوفود من حماس. وعندما كان البشير في الحكم كان أول زعيم عربي يخرق المقاطعة العربية لنظام دمشق. وكان لقاؤه نهاية عام 2018 مع بشار الأسد في دمشق بمثابة بالون اختبار للدول العربية الأخرى مثل مصر والسعودية لتطبيع العلاقات معه وإعادة سوريا لمقعدها في الجامعة العربية.
ولكن زيارة السودان يمكن أن تظل رمزية إلا في حالة ظهرت منها ثمار؛ لأن إسرائيل تحاول الدخول إلى لغز الشرق الأوسط المكون من كتل ومعسكرات وخلافات، فعلى جانب هناك كتلة السعودية والإمارات والبحرين، وعلى الجانب الآخر هناك كتلة تركيا وقطر. وما بين هذه الكتل دول منقسمة مثل العراق التي يحكم فيها الشيعة ومقربون من سوريا وإيران وحزب الله والحوثيين في اليمن. أما قطر وتركيا فتدعمان حكومة الوفاق في ليبيا. فيما يحظى خليفة حفتر بدعم من الإمارات والسعودية ومصر واليونان. وتقيم الكويت والأردن علاقات مع دول الخليج لكنهما محايدتان في موضوع قطر.
ويرتبط المسلحون السوريون في الشمال مع تركيا وليبيا. وترغب سلطنة عمان بأن تكون صديقة الجميع. وتعمل حكومة اليمن مع الإمارات والسعودية ضد الحوثيين، أما دول شمال إفريقيا، الجزائر وتونس والمغرب، فتريد الحياد. وذكر الكاتب أن عمان قالت أشياء إيجابية عن إسرائيل في لقاءات بالبحرين ما بين 2018- 2019 ثم بردت الأمور. وتعمل عمان الآن مع إيران والولايات المتحدة لتخفيف التوتر بينهما. وفي الإمارات والبحرين هناك انشغال بالتوتر مع طهران ودور الولايات المتحدة في منطقة الخليج.
القدس العربي