جاءت زيارة كارتر في سياق المحاولات الأميركية لتطمين السعودية وإسرائيل بأنّ الاتفاق النووي مع إيران يجعلهم أكثر أمنًا، فضلًا عن محاولة واشنطن التأكيد لحلفائها في المنطقة بأنها حليف يمكن الاعتماد عليه. وقد عبّر كارتر عن ذلك في زيارته الحدود الإسرائيلية (الفلسطينية) – اللبنانية، رفقة وزير الدفاع الإسرائيلي، موشيه يعالون، إذ رآها فرصة ليعاين بنفسه ما تعدّها الإستراتيجية الأميركية تحديات راهنة ملحة في الشرق الأوسط “التأثير الضار لإيران في المنطقة، بما في ذلك عبر وكلاء، كحزب الله”، والتنظيمات المتطرفة كـ “داعش”.
لاختيار البيت الأبيض إرسال وزير الدفاع، بدلًا عن وزير الخارجية الذي أشرف على تفاصيل الاتفاق النووي مع إيران، دلالة مهمة، إذ لا ترى إدارة أوباما ضرورة لأي مناقشات إضافية مع حلفائها حول الاتفاق النووي، بما أنّ الاتفاق قد تمَّ، ولا تبدو هنالك فرص حقيقية لتعطيله في الكونغرس. ويبدو أنّ إدارة أوباما تريد أن تركّز، الآن، على الضمانات الأمنية التي ستقدمها لحلفائها في المنطقة، في مرحلة ما بعد الاتفاق، بما في ذلك مبيعات الأسلحة “اللازمة” لأمن الحلفاء. وهو ما حرص كارتر على تأكيده، قبل وصوله إلى إسرائيل، إذ قال: “لست ذاهبًا لتغيير رأي أحد في إسرائيل. هذا ليس هدف هذه الرحلة”. في حين أكد مسؤول مرافق له أنّ الهدف الرئيس للرحلة مناقشة تعزيز العلاقات الأمنية مع الحلفاء في المنطقة. وكان لافتًا إصرار كارتر على أنه “لا يوجد شيء في المائة صفحة (يقصد الاتفاق مع إيران) يضع أي قيود على الولايات المتحدة، أو ما تفعله، لحماية أصدقائها وحلفائها”.
نتائج الجولة
واجهت جولة كارتر الشرق أوسطية، والتي غلب عليها طابع التطمينات والتعهدات، صعوبات عديدة ظهر بعضها، حتى قبل أن تبدأ.
في إسرائيل
على الرغم من تأكيدات كارتر في زيارته إسرائيل أنّ “الصداقة والتحالف مع إسرائيل” من أكثر مصالح الولايات المتحدة أهمية في المنطقة، وأنّ “إسرائيل حجر الزاوية للاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط”، فإنّ ذلك لم ينجح في الحد من اعتراضات إسرائيل على الاتفاق النووي الإيراني. وقد أكد مسؤولو وزارة الدفاع الأميركية أنّ كارتر لم يحاول تغيير وجهة نظر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في الاتفاق، بقدر ما حاول أن يطمئنه على التزام الولايات المتحدة أمن إسرائيل، كما أنه ركّز، في محادثاته مع المسؤولين الإسرائيليين، على التحديات الأمنية المشتركة، وكيفية تعزيز التعاون مع إسرائيل، في مواجهة التهديدات الإقليمية، والتصدي “لأنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة”.
وقد بدا واضحًا تجهم نتنياهو لدى استقباله كارتر في القدس، ولم يدلِ الطرفان بأي تصريحات صحافية، قبل اللقاء ولا عقبه. ووفق مصادر أميركية، قدم نتنياهو اعتراضاته بالتفصيل على الاتفاق، من دون أن يغيّر ذلك في القناعة الأميركية. واكتفى كارتر بتعليق مقتضب في اليوم التالي للقاء على هامش زيارة قام بها لقاعدة عسكرية جوية في الأردن، إذ قال: “لا نتفق على كل شيء. ورئيس الوزراء (أي نتنياهو) أوضح أنه لا يتفق معنا فيما يتعلق بالاتفاق النووي.” وأضاف: “لكن الأصدقاء يختلفون”.
وبحسب كارتر، فإنه ناقش مع وزير الدفاع الإسرائيلي، يعالون، تبادل المعلومات والاستخبارات والتخطيط لسيناريوهات طارئة، بشأن الأوضاع في سورية، فضلًا عن داعش. ويبدو أنّ كارتر لم يعرض حزمة مساعدات أميركية عسكرية إضافية لإسرائيل في رحلته، وعلل مسؤولون إسرائيليون ذلك بأنه مؤجل إلى ما بعد تصويت الكونغرس الأميركي على الاتفاق. ووفق زعيمة المعارضة الإسرائيلية، تسيبي ليفني، فإنّ إسرائيل تريد “نظامًا أمنيًا جديدًا، وضمانات، وأسلحة واتفاقات دبلوماسية”، من شأنها أن تساعد إسرائيل على التعامل مع نتائج الاتفاق النووي مع إيران. ومعلوم أنّ إسرائيل تتلقى مساعدات عسكرية من الولايات المتحدة، قيمتها ثلاثة مليارات دولار سنويًا.
في السعودية
حاول كارتر أن يطمئن المسؤولين السعوديين على التزام الولايات المتحدة أمن حلفائها في الخليج العربي، وقال إنّه سيعمل على وضع الالتزامات التي تعهدت بها بلاده لزعماء الخليج، عندما استضافهم أوباما في كامب ديفيد في مايو/أيار الماضي، محل التنفيذ. وتعهّد كارتر أيضًا بالعمل مع السعوديين على ضبط التمدد الإيراني العسكري، عبر حلفاء ووكلاء في الشرق الأوسط. وبحسب كارتر، فقد عبر الملك سلمان الذي التقاه في جدة يوم 21 يوليو/تموز الماضي عن دعمه القوي للاتفاق النووي مع إيران، مع تحفظين اثنين؛ الأول ضرورة أن يصاحب الاتفاق نظام رقابي صارم. والثاني يتعلق بضرورة وجود آليات لإعادة العقوبات، في حال انتهكت إيران التزاماتها بموجب الاتفاق. وقال كارتر إنّ مباحثاته مع المسؤولين السعوديين ركّزت على تعزيز العلاقات الأمنية، ومنها الدفاعات الصاروخية، والأمن الإلكتروني والبحري، وقوات العمليات الخاصة.
غير أنّ النبرة المتفائلة التي تحدّث بها كارتر لم تنجح في إخفاء التوتر الواضح بين الطرفين، فضلًا عن اختلاف الأولويات في الحسابات الأميركية والحسابات السعودية. فوزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، كان قد حذر من واشنطن، في السادس عشر من يوليو/تموز، من أنّ بلاده ستتصدى بقوة لأي “مغامرات” إيرانية، إذا “حاولت إحداث المشكلات في المنطقة”. وكانت زيارة كارتر قد تزامنت مع تصريحات لمرشد الثورة الإيرانية، علي خامنئي، قال فيها: “قلنا مرارًا إننا لا نتفاوض مع الولايات المتحدة في شأن الشؤون الإقليمية أو الدولية، ولا حتى القضايا الثنائية. هناك استثناءات، مثل البرنامج النووي الذي تفاوضنا عليه مع الأميركيين لخدمة مصالحنا”. وأضاف: “لن نكف مطلقًا عن دعم أصدقائنا في المنطقة وشعوب فلسطين، واليمن وسورية، والعراق، والبحرين، ولبنان”، وهي تصريحات دانتها الولايات المتحدة، على الرغم من أنها قالت إنها لن تؤثر في الاتفاق النووي.
كما بدا الخلاف واضحًا حول الملف اليمني، فعلى الرغم من اعتراف كارتر بالتأثير الإيراني في الحوثيين، فإنه شدد على ضرورة أن يكون هناك “حل سياسي” في اليمن، “يسمح بإعادة السلام”، في إشارة ضمنية إلى رغبة واشنطن في أن توقف السعودية ضرباتها الجوية للحوثيين وقوات الرئيس المخلوع، علي عبد الله صالح، المتحالفة معها. وبدل التركيز على الحوثيين في اليمن، تريد الولايات المتحدة من السعودية أن تبذل جهودًا أكبر في الحرب على داعش في العراق وسورية، فضلًا عن تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، والذي يتخذ من اليمن مقرًا له. وعلى الرغم من أنّ السعودية تعدّ داعش والقاعدة من أعدائها الشرسين، فإنّ أولويتها اليوم هي التمدد الإيراني في المنطقة، خصوصًا في اليمن عبر الحوثيين، والذين تخشى السعودية أن يتحولوا إلى حالة شبيهة بحزب الله في لبنان، أو الميليشيات الشيعية في العراق.
خلاصة
على الرغم من جهود إدارة أوباما الحثيثة لإقناع حلفائها بأنها حليف يمكن الوثوق به، فإنها تواجه، على ما يبدو، صعوبة كبيرة في ذلك. فالمتشككون في نهج هذه الإدارة يتزايدون، سواء بسبب الاتفاق النووي مع إيران، أو بسبب قضايا أخرى، تقاربها إدارة أوباما بطريقة غامضة ومترددة. ويبدو أنّ إدارة أوباما كانت تدرك أنها لن تنجح في تهدئة مخاوف حلفائها التقليديين في الشرق الأوسط، وتحديدًا السعودية وإسرائيل، جرّاء التوصل إلى اتفاق مع إيران حول برنامجها النووي. لذلك، سعت، بدلًا من كسب دعمهما الاتفاق، إلى محاولة تحييد اعتراضهما عليه، على أمل أن يتعزز موقفها أمام المعارضة الجمهورية، خصوصًا أنّ إسرائيل وحلفاءها في واشنطن بدأوا حملة ضغط كبيرة على أعضاء الكونغرس، من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، لمعارضة الاتفاق وإسقاطه قبل الموعد النهائي للتصويت عليه في السابع عشر من سبتمبر/أيلول المقبل، وحجب أي إمكانية للرئيس من استخدام حق النقض (الفيتو) عبر حشد أغلبية الثلثين في مجلسي الكونغرس ضد الاتفاق، وهي مهمة يبدو تحقيقها مستبعدًا، وفق المعطيات القائمة.