هل سيبقى ترامب وإرثه معنا «إلى الأبد»؟

هل سيبقى ترامب وإرثه معنا «إلى الأبد»؟

حسب مجلة «نيوزويك» الأمريكية فإن أعضاء مجلس الشيوخ الذين صوتوا لتبرئة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من تهمتي إساءة استخدام السلطة (52 صوتا مقابل 48) وإعاقة عمل مجلس النواب (53 صوتا مقابل 47) يمثلون 151.5 مليون أمريكي متغلبين بذلك على أعضاء مجلس الشيوخ الذين يمثلون 169.5 مليون أمريكي (الديمقراطيون والمستقلون يمثلون 168 مليونا والعضو الجمهوري ميت رومني الذي صوّت معهم لعزل ترامب يمثل 1.5 مليون ناخب)، أي أنهم أكثر من سابقيهم بـ18 مليون ناخب، وقد خسر الديمقراطيون الأغلبية في مجلس الشيوخ عام 2018 رغم أن لديهم 12 مليون صوت أكثر، والسبب هو أن الولايات الكبيرة، مثل كاليفورنيا، التي تضم قرابة 40 مليون شخص، لديها مستوى التمثيل نفسه للولايات الصغيرة مثل وايومينغ، وهي أقل الولايات الأمريكية سكانا.
هذا النظام الانتخابي الذي يستفيد منه الجمهوريون والمحافظون في أمريكا، ليس مرشحا للتغيير طبعا، بل إن بعض أعضاء مجلس الشيوخ سيستغلون أغلبيتهم لسنّ قوانين جديدة تجعل محاولات عزل الرئيس الأمريكي أصعب (كما صرح السيناتور الجمهوري تيم سكوت)، بل إن الناطقة الصحافية باسم البيت الأبيض قالت إن الديمقراطيين «يجب أن يعاقبوا» على محاولتهم عزل الرئيس، أما ترامب نفسه فاستغل الحدث لمهاجمة نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الديمقراطية، وميت رومني، السيناتور الجمهوري الوحيد الذي وافق على عزله، ولا يخلو من دلالة نشره فيديو ساخرا منطوقه إن «ترامب باق للأبد» مما يذكرنا ببعض الزعماء العرب الذين زعموا الخلود.
سبب آخر لنجاة ترامب من اتهامه بالعزل، رغم معرفة الجميع، جمهوريين وديمقراطيين، بأن التهمة «تلبس» المتهم بجدارة، هو أن التصويت في مجلس الشيوخ يتم علنيّا، وبالتالي فإن الشيوخ الجمهوريين لا يصوّتون لترامب فحسب، بل كذلك لمستقبلهم في الحزب وفي مناصبهم، وحسب أحد أعضاء المجلس فإن 35 من الجمهوريين كانوا ليصوّتون ضد ترامب لو كان التصويت خاصا وليست له تبعات سياسية مباشرة ضدهم.
إضافة إلى النظام الانتخابي والخوف الطبيعي على المناصب فإن ترامب يدين أيضا بتبرئته إلى جمهوره في الولايات الإنجيلية المحافظة وإلى قناة فوكس الإخبارية التي تمثلهم من ناحية، وتؤثر في آرائهم، من ناحية أخرى، وما يميز جمهور هذه القناة هو العرق، الأيديولوجيا والمستوى التعليمي، فنسبة 95٪ من جمهورها بيض، و93٪ «محافظون» أو «متطرفون يمينيا»، ومستواهم التعليمي أقل من غيرهم، وحسب دراسة أكاديمية فإن «جمهور فوكس نيوز أقل معرفة بالشؤون المحلّية من الناس الذين لا يتابعون أي أخبار»!
رغم ذلك فإن المحطة، هي منذ عام 2002، هي الأكثر متابعة في الولايات المتحدة الأمريكية متفوقة في ذلك على سي إن إن و«إم إس إن بي سي»، وهذا هو السبب، أكثر من أي شيء آخر، حسب تحليلات إعلامية، وراء الأجواء السامّة للوضع السياسي الأمريكي، ولتبرئة ترامب رغم أن جمهوريين كثيرين يعرفون أنه لا يستحق التبرئة.
لقد قام أشهر مذيعي المحطة بدور كبير في الدفاع المحموم عن ترامب وفي إغفال الحقائق والوقائع وتسخيفها، وهو شيء يقوم جمهور ترامب بالإيمان به وترديده وراءها.
بفضل «فوكس نيوز» تبدّل الدور التاريخي للإعلام الأمريكي الذي كان يمارس رقابة وتدقيقا على السلطة، وصار ما يقدم للجمهور الأمريكي هو بروباغاندا سطحيّة تعتبر أي معلومات تناهض الرئيس «أخبارا مزيفة»، وإذا أضفنا هذا الدور الذي تلعبه القناة، إلى الدور الذي لعبه الإعلام البريطاني في تحشيد العداء لأوروبا لتحقيق الخروج من الاتحاد الأوروبي، نشهد تبدلا خطيرا سيؤثر في مصداقية ونتائج النظم الديمقراطية في العالم.

القدس العربي