بغداد ـ لأشهر طويلة، تظاهر مناصرو الزعيم الشيعي مقتدى الصدر ضد الحكومة العراقية، لكنهم اليوم انتقلوا الى المعسكر الآخر، متخلين عن رفاق الأمس في الساحات والشوارع الذين يشعرون بالمرارة والخيانة ويخشون خصما جديدا كان بالأمس حليفا حاميا لهم.
وتشارك منى في تنظيم التظاهرات المناهضة للسلطة والمنددة بالفساد منذ أكتوبر الماضي في العاصمة العراقية. في ساحة التحرير في وسط بغداد، تقول المسعفة لوكالة فرانس برس “كنا نوزّع الطعام على خيمهم في الأيام الأولى من التظاهرات، فكيف يمكن أن يعاملونا هكذا”، في إشارة إلى أنصار الصدر.
وتضيف الناشطة الشابة “قلت منذ الأيام الأولى إنهم سيتخلّون عنا”.
وغيّر الزعيم الشيعي النافذ موقفه مؤخّرا معلنا دعمه لرئيس الوزراء المكلّف محمد علاوي. وكان ندّد في السابق بفساد السلطة، ودعا الى التظاهر بكثافة ضدها.
ويرفض المتظاهرون المناهضون للسلطة تكليف علاوي الذي كان وزيراً مرتين في السابق، ويطالبون بتغييره. ويواصل المحتجون تحركاتهم في مناطق عراقية عدة، وتخللت التحرك مواجهات دامية أسفرت حتى الآن عن مقتل قرابة 490 شخصاً وإصابة ثلاثين ألفاً بجروح غالبيتهم من المتظاهرين.
وبعد انقلاب مؤيدي الصدر المفاجىء على المحتجين الذين تظاهروا معهم جنبا إلى جنب لأكثر من أربعة أشهر، وقعت هذا الأسبوع مواجهات بين الجانبين قتل فيها ثمانية أشخاص في النجف والحلة جنوب بغداد.
في ساحة التحرير، معقل المتظاهرين منذ بداية احتجاجهم، استخدم مناصرو الصدر المعروفون باسم “القبعات الزرق” العصي خلال مهاجمة متظاهرين مناهضين للحكومة ووجهوا تهديدات إلى آخرين. وقامت مجموعة من مؤيدي الصدر بحراسة مداخل مبنى “المطعم التركي” الفارغ، المقر السابق للمحتجين، بعدما كانوا طردوا المتظاهرين منه الأسبوع الماضي وأزالوا من على جدران طوابقه الـ15 صورا لأشخاص قتلوا في التظاهرات.
وتقول منى إنّ الوضع في ساحة التحرير “تغيّر تماما عمّا كان عليه” في السابق حين دأبت الناشطة على توزيع الطعام يوميا على المتظاهرين وتقديم الإسعافات للمصابين في العيادات المؤقتة. ولم تعد المسعفة تزور الساحة إلاّ مرة كل ثلاثة أو أربعة أيام، وتتنقل فيها بحذر، متحدثة بهدوء خشية أن تصل انتقاداتها إلى مسامع مناصري الصدر.
كان التحالف بين الطرفين مثيرا للجدل منذ البداية، إذ إنه كان يقوم على محاولة خلق تناغم بين متظاهرين لا انتماءات سياسية لهم، ومناصرين لنجل رجل الدين الشيعي محمد صادق الصدر الذي اغتيل في النجف عام 1999.
وشارك مؤيدو الصدر في التظاهرات المناهضة للحكومة بقوة وهاجموا النخبة الحاكمة في العراق المتهمة بالفساد. وقاموا في بداية الاحتجاجات بتأمين عملية تدفّق الإمدادات الى ساحة التحرير، وبينها الغذاء ومراتب الأسرّة ومواد أخرى.
كما أن التيار الصدري الذي يملك أكبر كتلة نيابية في البرلمان، لعب دورا مهما في منح المتظاهرين غطاء سياسيا شكّل سدا أمام محاولات شن حملة قمع شاملة ضدهم.
وشعر بعض المتظاهرين بالربية من التحالف مع تيار سياسي، على اعتبار أنّ احتجاجاتهم موجّهة ضد الطبقة السياسية برمّتها، إلى أن تعرّض موقع للمتظاهرين قرب ساحة التحرير لهجوم في ديسمبر الماضي قتل فيه 20 متظاهرا، وتصدّى الصدريون للمهاجمين بالخناجر، حسبما أفاد نشطاء كانوا متواجدين في موقع الهجوم.
ويقول حكيم الذي يشارك في التظاهرات منذ بدايتها، وهو معارض شرس للتيار الصدري، “أدرك أنّ الأمر عجيب لكن كان عليّ أن أشكرهم على موقفهم هناك”، مضيفا “لقد أنقذنا” رد فعلهم.
وأصاب تغيير الصدر لموقفه المتظاهرين بالخيبة والحيرة.
فقبل أسبوع من إعلانه تأييد لعلاوي، نظّم تياره تظاهرة طالب فيها بخروج القوات الأميركية من العراق، قائلا إنّه لن يواصل دعم التظاهرات المناهضة للحكومة. لكنه دعا بعد أيام قليلة عبر “تويتر” مؤيّديه الى التظاهر مجددا، قبل أن يعود ويطلب منهم مساندة قوات الأمن في عملية إعادة فتح المدارس والطرق التي أغلقتها الاحتجاجات.
وتقول منى “تغريدة تأتي بهم إلى هنا، وتغريدة أخرى تجعلهم يغادرون”
في تظاهرة طلابية مؤخرا في بغداد، رفع متظاهر شاب لافتة كتب عليها “شتريد (ماذا تريد) لخاطر الله؟”، بينها كُتب على أخرى “القنابل والرصاص من الغريب تهون، وتوثية (العصي) المنّي وبيَّه تكتلني (من هم معي يضربونني)”، في إشارة إلى قيام مناصري الصدر بالاعتداء على المحتجين.
ويروي علي الضخم البنية الذي يشارك في التظاهرات، أن مؤيدين للصدر ساروا في الأيام الأخيرة قرب ساحة التحرير وهم يحملون العصي ويهدّدون المحتجّين الذين رددوا شعارات رافضة لعلاوي.
ويقول رفيقه محمد داخل خيمة زرقاء برفقة آخرين إنهم باتوا يقضون الليل بالقرب من خيمتهم “لضمان عدم تعرّضنا لهجوم من أحد”.
خلف خيمتهم، موقف سيارات ساحة التحرير، مكان التجمع الرئيسي لمؤيدي الصدر.
ويقول مصطفى الطالب في قسم التاريخ “نحن محاصرون من كل جهة”.
ويعدّد الشاب الذي توقف عن الدراسة منذ أكتوير للمشاركة في التظاهرات الأطراف التي تتعرض لهم “هناك الحكومة، والأحزاب السياسية، والآن الصدريون”.
العرب