توحي صور التعزيزات التركية المتوجهة يومياً نحو الحدود التركية-السورية، وإلى داخل إدلب والنقاط التركية هناك، والتصريحات النارية للمسؤولين الأتراك حول إدلب، بجدية أنقرة في الوقوف عند مسؤولياتها كضامن للمعارضة في اتفاق “منطقة خفض التصعيد”، التي تضم كامل محافظة إدلب وأجزاء من أرياف في حماة وحلب واللاذقية حولها. هذه الاستفاقة التركية وإن جاءت متأخرة، إلا أنها في حال اتسمت بالجدية ستعني الكثير بالنسبة لمئات الآلاف من النازحين الذين شردتهم الحملات البرية والجوية الهمجية لقوات النظام السوري وحلفائه الروس على إدلب وريف حماة، إذ بات معظمهم بلا مأوى، ولم يعد أمامهم من خيار سوى اجتياز الحدود إلى تركيا عنوة، أو إيجاد حل بضغط من الضامن التركي يعيدهم إلى مدنهم وقراهم.
فبعد قضم النظام معظم منطقة خفض التصعيد الرابعة (إدلب وما حولها)، جاء الموقف التركي مطالباً بإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل سبتمبر/أيلول 2018 حين وقّع الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين اتفاق سوتشي لتثبيت اتفاق خفض التصعيد حول إدلب وإنشاء منطقة منزوعة السلاح في محيطها. واتسمت جدية التصعيد التركي بنوعية الأسلحة والعتاد التي تم الدفع به نحو إدلب والحدود، والتي تضمّنت أسلحة هجومية كالدبابات وراجمات الصواريخ، وأخيراً الزج بوحدات من الكوماندوس (القوات الخاصة)، ما يشير إلى أن تركيا رفعت السقف بعد البرود في حدة مواقفها خلال العامين الماضيين من عمر الاتفاقية، ولا سيما بعد تعرّض نقاطها للقصف ما أودى بحياة جنود لها. يضاف إلى ذلك ما تعرّضت له سمعة وهيبة تركيا كدولة إقليمية فاعلة، بسبب ضعفها في التعامل مع ملف إدلب، في ظل عنجهية روسية، ما يجعل حتى الداخل التركي المعارض للتدخّل في سورية، يوجه أصابع اللوم نحو الحكومة للوقوف عند مسؤولياتها حفاظاً على هيبة أنقرة كفاعل إقليمي ودولي، ولا سيما بعد تعرض تسع نقاط للجيش التركي للحصار في منطقة خفض التصعيد.
قد تختلف المقاربات في ملف إدلب بالنسبة لتركيا عن غيره من الملفات، ولا سيما في شرق سورية أو مناطق “درع الفرات” و”غصن الزيتون”، في حال قررت زيادة التصعيد تجاه النظام الذي تدعمه روسيا بشكل كبير وفاعل، وذلك في حال وضعت تركيا علاقاتها المتعددة وفي مقدمتها الاقتصادية مع روسيا في كفة الميزان السياسي والعسكري، مقابل الحفاظ على هيبتها ومصالحها في سورية وإدلب، خصوصاً إذا علمنا أن الاتفاق رقم واحد بين موسكو وأنقرة هو الوصول إلى 100 مليار دولار كحجم تبادل تجاري بين البلدين. هذا ما يعني أن التفاهم على الملف السوري، وإدلب تحديداً، قد يبدو أمراً ثانوياً مقابل مصالح استراتيجية واقتصادية أكثر أهمية بالنسبة للبلدين. إلا أن هذه المصالح المشتركة، هي نفسها ربما تدفع موسكو لإجبار النظام على التراجع وتطبيق اتفاقية سوتشي حفاظاً على مصالحها في حال استمرت أنقرة بتصعيدها.
عيسى سميسم
العربي الجدبد