قالت فورين بوليسي الأميركية إن الرئيس دونالد ترامب سيحاول -من خلال تطبيق قاعدة جديدة للعملة- إصلاح الضرر الناجم عن التعريفة الجمركية التي فرضها، لكن قد ينتهي به الأمر إلى إيقاع المزيد من الخراب الناتج عن سياساته التجارية الحمائية.
وترى المجلة أنه -إلى جانب استخدام الرسوم الجمركية لشن الحروب التجارية- لطالما كان ترامب مهووسا بفكرة أن الدول الأجنبية تمارس الغش ضد الولايات المتحدة من خلال خفض أسعار صرف عملاتها الوطنية بشكل مصطنع.
لقد نجح ترامب الآن في توحيد “هذين الهوسين” في قاعدة جديدة تشكل خطرا كامنا يمكن أن يثير المزيد من التوترات التجارية، وربما المزيد من تكدير العلاقات مع الصين واليابان والاتحاد الأوروبي.
وبحسب فورين بوليسي فقد وضعت وزارة التجارة هذا الأسبوع اللمسات الأخيرة على قاعدة جديدة تسمح لواشنطن بفرض رسوم على البلدان التي تعتقد أنها تقلل من قيمة عملاتها، مما يجعل صادراتها نظريا أقل سعرا، ويمنحها ميزة تفضيلية في منافسة السلع الأميركية الصنع.
وستمكن القاعدة الجديدة من فرض رسوم تعويضية بالولايات المتحدة، تُخصص عادة للاستخدام ضد واردات معينة إذا ثبت أنها معروضة بأسعار أقل من أسعار السوق، كما ستفرض رسوما على الواردات من أي بلد تقرر وزارة التجارة أنها تقلل من قيمة العملة الوطنية.
يشير تقرير فورين بوليسي إلى تصريح لوزير التجارة ويلبور روس قال فيه “إن القاعدة الجديدة تشكل خطوة هامة لضمان تصحيح الممارسات التجارية غير العادلة”.
وأضاف التقرير أن القطاعات المعرضة للحروب التجارية، مثل الزراعة والصناعات التحويلية، درجت على التخلي عن التوظيف وإعلان إفلاسها. أما المزارعون الذين فقدوا أكبر سوق لصادراتهم بسبب الحرب التجارية مع الصين، فقد اضطر ترامب لدفع عشرات المليارات من الدولارات لتعويضهم.
وعلى الرغم من الوعود الصينية لطلب مشتريات زراعية كبيرة، فإن الوقت لم يحن بعد لأسواق التصدير هذه لتعود كما كانت.
وأوضح التقرير أنه خلال الشهر الماضي فقط، وسعت الإدارة فجأة التعرفة الجمركية على الصلب المستورد لتشمل المنتجات المصنوعة من الصلب، لأن الواردات ذات الأسعار الأعلى من الصلب الخام تجعل البضائع التي تستخدم الفولاذ أعلى تكلفة (وبالتالي أقل تنافسية) للمصنعين بالولايات المتحدة.
وبحسب المجلة الأميركية فإن تعرفة الصلب والألمنيوم قد كلفت قطاع الصناعة فقدان 75 ألف وظيفة.
وهذه “التعريفات المتتالية” الجديدة اعتراف ضمني بأن التعريفات المفروضة على الفولاذ -كما هو متوقع- قد تسببت في الكثير من الألم، لكنها لم تقدم سوى القليل من النفع للشركات الأميركية.
وأورد التقرير أنه في يناير/كانون الثاني، وعلى الرغم من النمو الإجمالي في إحصاءات التوظيف، اختفت 12 ألف وظيفة في قطاع التصنيع، مما يؤكد الصعوبات التي تواجه ترامب في تحويل سياساته الحمائية إلى منشأ للوظائف بالولايات التي تعهد بمساعدتها.
ويضيف أن “قاعدة العملة الجديدة” تبشر بوجه جديد لمشكلة قديمة هي جزء من صنيع ترامب، فقد ظل السياسيون وصانعو السياسة بواشنطن لعقود من الزمان يشعرون بالقلق إزاء البلدان التي تكتسب ميزة تصدير بفضل عملاتها التي تبدو مقومة بأقل من قيمتها مقارنة بالدولار الأميركي.
ففي الثمانينيات، استخدمت اليابان الين ذا القيمة المخفضة نسبيا لتصبح قوة تصديرية هائلة، وبعد عقدين من الزمن، استخدمت الصين اليوان الرخيص لفعل الشيء ذاته.
وفي كلتا الحالتين، وعلى حساب بعض الصناعات الأميركية، كان ذلك يعود بالنفع على المستهلكين الأميركيين، وقد حاول السناتور تشاك شومر، وهو ديمقراطي من نيويورك، خلال سنوات عديدة، تمرير قانون عملات مماثل عبر الكونغرس.
هل تفشل القاعدة الجديدة؟
بحسب تقرير المجلة فإن الفكرة لم تحظَ بالنجاح لسببين: من الصعب جدا تحديد ما إذا كانت أي عملة معينة قد انخفضت بأقل من قيمتها ومقدارها، حيث يتم تداول معظمها بحرية في السوق وتتعرض للتقلبات لكافة أنواع الأسباب، كما يفرض القانون الأميركي أن الرسوم التعويضية والتعريفة الجمركية على الواردات الرخيصة المصطنعة يجب أن تقتصرا على السلع التي تستفيد من دعم حكومي محدد، وليس فقط العملة الرخيصة.
لكن -كما عرف الاقتصاديون منذ ستين عاما- هناك مفارقة أكبر في الحملة التي قام بها ترامب ضد ما يشعر أنه مقوم بأقل من قيمته من العملات الأجنبية، مثل اليوان أو اليورو أو الين.
فإذا كان الدولار أقوى مقابل هذه العملات هذه الأيام، فذلك يعزى جزئيا إلى سياساته التجارية، لا سيما التعريفات.
أما التعريفة -كتلك التي طبقها ترامب على الصلب الأجنبي والألمنيوم والألواح الشمسية وغسالات الملابس ومعظم السلع من الصين- فهي تؤدى لرفع أسعار السلع للمستهلكين الأميركيين.
وإذا كان هناك الكثير من الناس عاطلين والكثير من المصانع لا تعمل، فإن التعريفات قد تحفز فقط المزيد من الإنتاج المحلي وتحقق بعض المنافع، إلا أن هذا ليس هو الحال بالولايات المتحدة اليوم، حيث كانت مستويات البطالة منخفضة على مدى تاريخ البلاد.
المصدر : فورين بوليسي