بين تكليف محمد توفيق علاوي برئاسة الحكومة العراقية الجديدة والإعلان المنتظر للتشكيلة الوزارية ثلاثون يوما، بحسب الدستور، بنهاراتها ولياليها، ولكنها تعدّ، في حساب كثيرين عارفين بحال العراق وأهله، “وقتا ضائعا”، لأنها لا تعد باجتراح خرق في المشهد السياسي الماثل، بسبب من أن حالة الرئيس المكلف لا تفي بالاشتراطات التي وضعتها الانتفاضة/ الثورة لرئيس جديد، ولا حتى يما أوصت به “مرجعية النجف” التي تزعم الأحزاب الحاكمة أنها ملتزمة بتنفيذ وصاياها، إذ إن علاوي هو ابن “العملية السياسية” التي هندسها الأميركيون، وقد تسنّم منصب وزير أكثر من مرّة، ولم يقدّم إنجازا يحسب له، مما يدمغه بتوفر شرط “المجرّب لا يجرّب”. وسجلت ضده، في أثناء تسنمه المسؤولية، شبهات استغلال وفساد، وحكم عليه بالسجن سنوات سبعا في حينه، لكن هذا الحكم ألغي تحت تأثير اعتبارات سياسية وحزبية. وهو أيضا محسوب على حزب الدعوة، وإن كان قد تنصل عن عضويته بعد خلافه مع نوري المالكي. كل هذا وضعه في خانة الرفض المطلق من المنتفضين/ الثوار، ما حمل كثيرين على توقع أن تولد حكومته، وهي بحكم المستقيلة أو الميتة. وإزاء هذه الضبابية في المشهد السياسي ثمّة من يستغل “الوقت الضائع”، لتمرير ما يريده من أجندة، وما يسعى إلى تحقيقه من أهداف. وقد طفت على السطح عديد فتن ومكائد، ساهم فيها لاعبون رئيسيون من داخل العراق، ومن خارجه أيضا، بما يوحي أن حالة تخبط وحيرة تتملكهم، وأنهم جميعا يمنّون أنفسهم بمجيء “غودو” الذي يجيء ولا يجيء!
أبرز ما يصطدم به المراقب هنا ارتباكات زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، في تقلباته المثيرة للجدل، والتي لا يستطيع أحد أن يتنبأ بها أو حتى أن يلاحقها، وآخرها انتقالاته المفاجئة بين دعم انتفاضة الشباب والدخول فيها ثم الانسحاب منها ثم العودة إليها بدعوى حماية المنتفضين، وصولا الى التصدّي لها ومواجهتها بالسلاح، ثم التراجع والاعتذار. وجديد ذلك زعم أبوته لها، والحرص عليها بإطلاقه “ميثاق ثورة الإصلاح” اثر فشل “صولته” على ساحاتها. وقد كشف بذلك مرة أخرى عن هوسه المحموم في محاولة البروز شخصية شعبوية إشكالية في وسطٍ مشحونٍ بتناقضاتٍ وتراكماتٍ، لا حصر لها. تدعم ذلك سلسلة ألقابه التي يسبغها هو على نفسه، أو يسبغها أنصاره عليه، والتي تحمل من الزيف ما يشبع غروره وتطلعاته، فهو “زعيم المقاومة الدولية” و”خادم الشعب” و”القائد المجاهد” و”محارب الفساد” و”قائد سرايا السلام”.. إلخ. وفي
“استمرار وجود الشباب العراقي في الساحات هو الضمانة الوحيدة لمواجهة تلك الفتن والمكائد””ميثاقه” الأخير، يتواضع في إعطاء لقب جديد لنفسه، هو “خادم الإصلاح”، راسما خطة لتوجيه المتظاهرين، حملت إشارات مشبوهة، القصد منها إفراغ التظاهرات من أهدافها ثم السيطرة عليها، ومن بين ذلك التلميح إلى “تسيس التظاهرات” و”وجود جهات خارجية” و”مندسّين ومخرّبين”، والطلب من المتظاهرين “عدم التدخل في أمور سياسية كالتعيينات.. ورفض بعض السياسات من هنا وهناك”.. وثمّة من يجزم أن الخطة المذكورة جاءت على وفق توجيهات مرشد “الثورة الإسلامية” علي خامنئي الذي التقاه الصدر في مدينة قم أخيرا. وفي ظل شعور القيادة الإيرانية أن طهران فقدت الكثير من نفوذها داخل الساحة العراقية، وأنها لم تجد شخصية عراقية تمتلك من الكارزمية والشعبية ما يمكّنها من العمل معها، لترميم ما فقدته سوى الصدر الذي ما يزال يتمتع بقدر من التأثير والنفوذ يمكن استثماره، خصوصا بعد غياب قاسم سليماني الذي كان يتحكّم في الساحة على نحو فاعل شهد له به الخصوم قبل الأصدقاء.
ولأن “الوقت الضائع” عائم، يسمح بعبور عديد من مخططات مهمة، من دون إثارة ضجيج كثير حولها، فقد قفزت إلى الواجهة حكايات تأسيس “أقاليم”، تتمتع بقدر من الاستقلالية التي تضمن تحقيق تطلعات سياسيين ورجال أعمال، فقدوا تأثيرهم ونفوذهم، لهذا السبب أو ذاك، وجعلوا من أنفسهم “حصان طروادة” لقوى دولية وإقليمية، تسعى إلى تقسيم العراق وتفتيته. وقد شهدت أكثر من عاصمة اجتماعات ولقاءات سرية للتنسيق والتشاور بشأن تلك المخططات التي يرى بعضهم أن الوقت قد حان لوضعها موضع التنفيذ العملي.
وفي المحصلة، تظل غير هذه وتلك من فتن ومكائد تتقاسم المشهد السياسي العراقي في “الوقت الضائع”. وبانتظار ظهور “الدخان الأبيض” في سماء “المنطقة الخضراء”، يشعر شباب الانتفاضة/ الثورة بأن استمرار وجودهم في الساحات هو الضمانة الوحيدة لمواجهة تلك الفتن والمكائد، مهما أعطوا من تضحيات، وصولا إلى الانتصار في نهاية المطاف.
عبداللطيف السعدون
العربي الجديد