ماذا وراء تصريحات الخارجية الأمريكية عن إدلب؟

ماذا وراء تصريحات الخارجية الأمريكية عن إدلب؟

تصريحات وزير الخارجية الأمريكي بومبيو المعارضة لهجمات النظام في إدلب، والمؤيدة لموقف الأتراك، الذي تذكرت واشنطن فجأة أنها حليفتها في الناتو، بدت وكأنها تعني أن الأدارة الأمريكية تسعى لمؤازرة أنقرة في نزاعها المتصاعد مع النظام السوري في إدلب، خصوصا مع إيفاد الخارجية الأمريكية المبعوث الخاص جيفري إلى أنقرة، وإطلاقه تصريحات مشجعة لوسائل الإعلام التركية، فور وصوله وباللغة التركية، ما رفع من سقف التوقعات بوجود نوايا أمريكية لدعم حليفهم في الناتو، في إدلب، من دون أن يتبين شكل ومدى هذا الدعم، لكن اجتماعات جيفري، لم تنتج حتى الآن ما يدعو لمزيد من التفاؤل.
وتواصلت هذه التكهنات، بإعلان المسؤولين الأتراك عن اجتماع حصل بين وزير الدفاع التركي ونظيره الأمريكي بخصوص إدلب، تحدثوا فيه عن جهود وتنسيق بين البلدين للحصول على دعم الناتو، لكن المتحدثة باسم البنتاغون نفت في تصريح لمراسلة «صوت أمريكا» في البنتاغون كارلا باب، نفت حدوث اجتماع حقيقي اصلا بين وزيري الدفاع الامريكي والتركي، وقالت «إن الحديث عن اجتماع مغلق بين وزيري الدفاع التركي والأمريكي هو أخبار غير دقيقة ومغلوطة» موضحة أنها شاهدت الاجتماع بنفسها، وهو «عبارة عن مصافحة وبضع كلمات في الممر». كما وضحت المراسلة نقلا عن المتحدثة باسم البنتاغون التي ترافقها في بروكسل أن «المتحدثة باسم البنتاغون تنفي التقارير التركية عن وجود اتفاق أمريكي تركي على تنفيذ خطوات ملموسة من الناتو وأمريكا في إدلب».
ويبدو أن الأمريكيين، وبعد أن نفضوا أيديهم من الملف السوري، وسحبوا معظم قواتهم، وبانتظار سحب ما تبقى منهم مستقبلا، يبدو انهم نفضوا ايديهم أيضا من أي تنسيق مع أنقرة بخصوص سوريا، بعد سنوات من العلاقات المتوترة بين واشنطن وأنقرة بسبب الأكراد، وفي المقابل، من المؤكد أيضا أن الأتراك لم يعودوا يثقون كثيرا بوعود واشنطن، التي ماطلت وخادعت أنقرة كثيرا، إن كان في المحادثات حول منبج، أو في التسوية الأخيرة التي عقدها نائب الرئيس بايدن مع أردوغان، لإيقاف الهجوم التركي مقابل سحب القوى الكردية المسلحة، من شريط الأربعمئة كيلومتر الحدودي، وهو ما لم ينفذ حتى اليوم، رغم أن أنقرة ذهبت لموسكو وعقدت معها اتفاقا جديدا وبالشروط نفسها، ولم تفِ أيضا موسكو بوعودها، وبشرط الاتفاقية، بسحب الأكراد جنوبا، بينما انتشرت قوات النظام السوري شمالا في معظم الشريط الحدودي، ودخلت أيضا منبج. واشنطن تدرك أيضا، أن أنقرة ستبقى أقرب للفلك الروسي في القضية السورية، بحكم النفوذ الروسي القوي في سوريا مع معظم الأطراف الفاعلة، إن كانوا الإيرانيين أو النظام السوري وحتى الأكراد، ما يمنحهم قدرة على لعب دور محوري في معظم المفاصل السياسية والعسكرية.

يبدو أن الأمريكيين، بعد أن نفضوا أيديهم من الملف السوري، نفضوا أيديهم أيضا من أي تنسيق مع أنقرة بخصوص سوريا

تصريحات الإدارة الامريكية المعارضة لهجمات نظام الأسد ليست جديدة، بل يمكن القول إن المسؤولين الأمريكيين، منذ عهد أوباما إلى اليوم، هم من أكثر المنددين بنظام الأسد وهجماته، وبالطبع، كانت تلك التصريحات مقرونة بدعم مالي وعسكري في السنوات الأولى للثورة السورية، قبل أن يتقلص تدريجيا وتبقى منه فقط أصناف محددة من الدعم غير العسكري، من خلال منظمات المجتمع المدني الطبية والإعلامية، بينما حدت واشنطن بعد 2014، من دعمها للفصائل العسكرية بهدف إسقاط النظام السوري، وحتى اليوم تنظر الإدارة الأمريكية للمسألة السورية، بعين الريية والحذر من أي محاولة جديدة للعب اي دور جديد، بعد تجربة لم تكن مشجعة كثيرا، إلا في ما يتعلق ربما بتحالفهم مع الأكراد بقتال تنظيم «الدولة» شمال البلاد، عدا عن ذلك فهي بالنسبة لواشنطن أرض موحلة ومكان لاستنزافهم مجددا بعد العراق، وهي من ضمن الأسباب التي جعلت الشرق الأوسط «لم يعد يستحق البقاء»، كما جاء في مقالة مارتن أنديك مؤخرا، وتبدو في عيون الادارة الامريكية كما سمتها هيلاري كلينتون «معضلة خبيثة».

القدس العربي