قد يستطيع النظام الإيراني حشد جمهوره للمشاركة في الانتخابات البرلمانية يوم الجمعة في الواحد والعشرين من فبراير (شباط) الحالي 2020، ما يعني أنه يراهن على مشاركة شعبية تبدأ من رقم يصل إلى 16 مليون مقترع، بناء على حجم الأصوات التي حصل عليها مرشحه لرئاسة الجمهورية إبراهيم رئيسي قبل نحو عامين ونصف العام في مواجهة حسن روحاني الذي حصل على نحو 23 مليون صوت. وإذا ما سلمنا جدلاً بأن الانتخابات البرلمانية تختلف عن الانتخابات البرلمانية لجهة الدوافع والأبعاد التي تدفع الجمهور إلى المشاركة، فإن الرقم المحتمل لحجم المشاركة المؤيدة لمرشحي النظام في كل إيران من المرجح أن ترتفع وتلامس العشرين مليون مشارك من مجموع نحو 58 مليون إيراني يحق لهم المشاركة في الاقتراع ويستوفون شروط المشاركة. أي أن النسبة ستكون حوالى 30 في المئة، وإذا ما أضيفت إليها نسبة الجمهور الذي سيدلي بأصواته لصالح مرشحي المعارضة إذا جاز التعبير- أي الإصلاحيين والمستقلين والمعتدلين- ومع التقديرات التي تتحدث بقوة عن عزوف واضح وواسع داخل هذه الشريحة عن المشاركة فإن النسبة المتوقعة لجحم المشاركين قد لا تتعدى 50 في المئة. ما يعني بالتالي أن هذه النتيجة في حال صحت هذه التقديرات، ستكون النسبة الأقل في تاريخ الانتخابات الإيرانية بكل أنواعها، وستكون على العكس من كل الجهود التي يبذلها النظام من جهة والقوى الإصلاحية والمعتدلة والمستقلة المشاركة في الانتخابات من جهة أخرى لرفع مستوى المشاركة لتجاوز 60 في المئة، لكي يكون الإصلاحيون بكل أطيافهم قادرين على تحقيق خرق واضح في النتائج لصالحهم يعيد خلط الأوراق ووضعهم في دائرة القرار، ولكي يستطيع النظام توظيف هذه النسبة العالية من المشاركة في تعزيز شرعيته وشعبيته من خلال تحويل هذه الانتخابات إلى ما يشبه الاقتراع على شرعية النظام والمؤسسة الحاكمة.
من هنا يمكن فهم الكلام الأخير لمرشد النظام آية الله علي خامنئي في لقائه مع مؤيدين من أبناء محافظة آذربايجان شرق الأذريين، القومية التركية التي ينتمي إليها المرشد نفسه، الكلام الذي أكد اعتبار الانتخابات البرلمانية “وظيفة شرعية ووطنية وثورية وحقاً مدنياً لكل فرد” داعياً في الوقت نفسه إلى “مشاركة واسعة واختيار الجيد” انطلاقاً من كون الانتخابات بمثابة “جهاد عام ونعمة وامتحان إلهي” يفترض أن تتم في ظل مشاركة واسعة وكبيرة من الشعب لأنها ستكون أساس “الحفاظ على ماء وجه النظام الإسلامي وحيثيته وتصليب البلاد وصونها أمام المؤامرات وتؤسس لإيران القوية”.
وعلى الرغم من الأجواء الإيجابية التي وفرتها التسريبات التي تحدثت عن تغيير في قرارات مجلس صيانة الدستور وموافقته على أهلية نحو 30 نائباً حالياً والسماح لهم بالمشاركة في الترشح للانتخابات ومن بينهم علي مطهري المحافظ المنتقد قبل أن يعمد هذا المجلس للمسارعة في تكذيبها، فلو صحت فإنها ستحمل على الاعتقاد بأن مراكز القرار في النظام قد لمست حجم التحديات التي ستخرج بها نتائج الانتخابات على حجم المشاركة والتأييد الشعبي، وأن النظام قد يكون في موقع القبول بالنتائج التي قد يحصل عليها هؤلاء على حساب مرشحيه مقابل رفع نسبة المشاركة خصوصاً في العاصمة طهران التي تعتبر الساحة التي ينافس عليها مطهري بوجه مرشحي التيار المحافظ، ولا شك في أن المسؤولين لا تغادر ذاكرتهم المقارنة بين نتائج انتخابات عام 1998 عندما حصل مرشح الإصلاحيين رضا خاتمي شقيق الرئيس الأسبق على أكثر من 2.2 مليون صوت، في حين لم تصل أصوات مرشح التيار المحافظ في انتخابات عام 2005 الأول في طهران غلام رضا حداد عادل إلى مليون صوت.
إصرار مراكز القرار في النظام على حصر التنافس بين مرشحي التيار المحافظ بجناحيه المتشدد والأصولي وتحويل المعركة إلى ساحة مفتوحة بين أقطاب هذا التيار للتنافس في الوصول إلى الندوة البرلمانية وقدرة أي من الطرفين على تحقيق تفوق على خصمه من داخل البيت الواحد من أجل تثبيت حقه وأحقيته في الإمساك برئاسة السلطة التشريعية، تعني أن هذه الجهات المقررة والتيار الذي يمثلها غير معنية بالمخاطر التي تهدد “الوحدة الوطنية والداخلية” التي تتمسك بها القوى والأحزاب الإصلاحية وترفع شعارها باعتبارها “الخط الأحمر” الذي يحفظ وحدة البلاد واستقرارها ويعزز قدراتها على مواجهة التحديات التي تتعرض لها إيران داخلياً وخارجياً.
وهنا تبدو مسألة “الوحدة الوطنية” التي شدد عليها المرشد الأعلى وتتمسك بها القوى الإصلاحية بمثابة “وجهة نظر”، ففي حين يعتبر الإصلاحيون أن أحد أوجه هذه الوحدة هو التخلي عن سياسة إقصاء الآخرين عن المشاركة في إدارة البلاد وتحمل مسؤولية القرارات المصيرية، وتعزيز التعددية السياسية والفكرية تحت سقف الدستور والالتزام به، وإن المشاركة الشعبية الواسعة في الانتخابات تشكل الضامن لهذه الوحدة من خلال إيصال مرشحين يمثلون جميع أطياف المجتمع الإيراني. فإن القوى والأحزاب المحافظة تعتقد أن “الوحدة الوطنية” تتحقق من خلال استبعاد الأصوات التي لا تنسجم مع التوجهات السياسية والفكرية التي يتمسك بها النظام، وأن السماح بأي خلل في هذا السياق والذي قد يسمح لأطراف وأشخاص بالوصول إلى مراكز القرار أو المشاركة فيه سيشكل تهديداً لاستقرار النظام ومدخلاً لنفوذ قوى خارجية تتربص بالثورة والنظام وتتآمر عليهما تمهيداً للإطاحة بهما. من هنا تأتي المواصفات التي وضعها المرشد للمرشحين بأن يكونوا من الأشخاص “المؤمنين والشجعان والمنتجين والمسؤولين والمندفعين والأوفياء للإسلام والشعب والثورة والبلاد، وأن يكون الذي سينتخب من الثابتين في وجه الأعداء وغير متعلق بالدنيا والأطماع المالية”.
حسن فحص
اندبندت عربي