منذ أول أيام الغزو الأميركي للعراق والمرجع علي السيستاني يتدخل في العملية السياسية، بعمق وفاعلية وقوة. ويحدد قواعدها. ويختار أشخاصها وأحزابها. ويتولى التحكم بمسارها، وحماية أحزابها وأشخاصها. ولمن ينكر هذه الحقيقة ندرج له هنا هذه الحقائق المسكوت عنها، عمدا أو جهلا، رغم كل ما نتج عن هذا التدخل من كوارث متلاحقة، بالعراقيين أجمعين، بمن فيهم المقلدون التابعون له، والذين يؤمنون بمرجعيته ويقدسونها.
وعلى هذا يصبح من مقتضيات الواجب الوطني والعدل والإنصاف، خصوصا في هذا المنعطف الخطير في حياة الوطن العراقي وأهله، أن يجري التحقق الجاد والصادق والنزيه من وجود المرجع الأعلى علي السيستاني على قيد الحياة، ومن أنه ما زال يتمتع بسلامة قواه العقلية، خصوصا بعد أن تجاوز التسعين من عمره، بقليل.
وأول ما ينبغي التأكد منه هو صحة أو عدم صحة الإشاعات التي تقول إن ابنه وثلاثة من المعممين المقربين منه يرتكبون جريمة انتحال شخصيته، ويمارسون الفعل والقول باسمه وهو بريء منها، وغير عارف بهذه الجريمة، إن كانت حقيقة واقعة.
وسواء كان حيا، ولكنه عاجز وغائب عن الوعي، أو ميتا، فينبغي تشكيل هذه اللجنة الوطنية العراقية الخالصة المستقلة والمحايدة والعادلة والتي لا تخضع لوصاية داخلية ولا خارجية، لكي تتولى مهمة التحقيق في أهم التهم الموجهة إلى المرجع السيستاني، شخصيا، أو إلى من ينوب عنه، ومن أهمها:
أولاها التهمة التي وُجّهت إليه، علنا، من قبل جهات صحافية وسياسية أميركية وبريطانية، بقبوله رشوة مالية مقدارها مئة مليون دولار ثمنا لعدم معارضته الغزو الأميركي البريطاني للعراق، ولحثه المؤمنين بمرجعيته على مسالمة قوات الغزو، والتعاون معها على حكم العراق.
والثانية تقاسمه المسؤولية مع الحاكم الأميركي بول بريمر عن فكرة تأسيس مجلس الحكم، والأسس والقواعد التي تم بموجبها اختيار أعضائه الشيعة، رغم علمه بأنهم وكلاء حقيقيون لدولة أجنبية هي إيران، وجعلهم أقوى الأعضاء والمتحكمين في قراراته وسياساته، بالتقاسم والتحاصص مع قادة الأحزاب الكردية المتحالفة معهم، وموافقته، أو صمته وعدم اعتراضه على حل الجيش العراقي بذريعة أنه جيش صدام حسين، وهو ما كان حكام إيران ووكلاؤهم والسياسيون الأكراد يزعمونه، وهو زعم غير صحيح، وغير منصف، وفيه كثير من الحقد الطائفي والعنصري، دون ريب.
والثالثة مسؤوليته الكاملة عن التفاهم والتعاون مع الحاكم الأميركي بول بريمر وقادة إدارته المدنيين والعسكريين عن كتابة الدستور الملغوم الذي أسس لحالة الاختلال والانحلال والاقتتال التي رافقت العملية السياسية على مدى خمسة عشر عاما، والتي أعادت الوطن وأهله عشرات السنين إلى الوراء.
والرابعة أوامره للناخبين المؤمنين بمرجعيته بانتخاب نواب (البيت الشيعي) التابعين للأحزاب الدينية، رغم أنه يعلم بأنهم إيرانيون بثياب عراقية، واستمراره في دعمهم ورعايتهم، حتى بعد أن ثبت له فسادهم المالي والأخلاقي والسياسي، وفشلهم، وسوء إدارتهم لشؤون الوطن والمواطنين، والدليل على ذلك تلميحاته التي يكررها في كل خطبة جمعة يلقيها، باسمه، أحد المعممين.
والخامسة إصداره فتوى الجهاد الكفائي التي تأسس بموجبها الحشد الشعبي لمحاربة داعش وتحرير المناطق العراقية المحتلة، وغضه النظر وصمته عن المسبب الحقيقي لهذا الاحتلال، وعن جرائم فصائل تابعة للحشد الشعبي بحق أهالي المناطق المحررة، وسرقاتها وحملات التهجير الطائفي التي قامت بها، ثم عدم إصداره فتوى جديدة لحله، بعد انتهاء المهمة التي قام من أجلها، خصوصا بعد أن تحول هذا الحشد إلى ما يشبه الحرس الثوري الإيراني، وأصبح أداة تتحكم بها إيران لفرض هينتها على العراق، وبعد أن افتضح أمر ما اقترفه وما زال يقترفه من جرائم القمع والظلم والتهجير والسرقة والاختلاس. وبعد أن راح يتعالى على الحكومة، ويتسلط عليها، وعلى رئاسة الجمهورية والقضاء، ويستهتر بسلطة القانون، وهو الأمر الذي أشعل غضب الطائفة الشيعية العربية العراقية، ذاتها، فضلا عن نقمة جماهير المحافظات الأخرى وانتفاضاتها المتكررة التي قمعها الحشد الشعبي خدمة لأهداف ومصالح وسياسة دولة أجنبية هي إيران.
والسادسة خطاباته الأسبوعية التي كان، في جميعها، ضبابيا وغير صريح ولا يسمي الجهات التي يعلم بأنها هي التي تعتدي بكل أنواع الأسلحة على المتظاهرين السلميين، ولا يفتي، صراحة، بأن تلك الجهات هي التي أخرجت الجماهير الغاضبة، بظلمها وفسادها وخيانتها، إلى الشوارع والميادين، مطالبة بالحرية والكرامة ولقمة العيش.
وهنا ندخل إلى فكرة هذه المقالة. فإن كان المرجع السيستاني عارفا بأن العراق، واقعا وعمليا، محتل من قبل دولة أو دول أجنبية، ولكنه عاجز عن المواجهة، خوفا على حياته وحياة ولده وباقي أسرته، وبالتالي فهو، إذن، مغلوب على أمره، يمكن عذره كغيره من أحزاب وعشائر وشخصيات أخرى مجبرة على الصمت، وعلى مجاراة الاحتلال، خوفا منه، ومن أحزابه التي لا ترحم.
ولكنه، إذا كان متعمدا الصمت عن الاحتلال الإيراني، وحماية وكلائه، بوعي كامل وإرادة كاملة وعن قصد وتصميم، فهو، إذن، مشارك في الاحتلال، وفي سياسة الإفقار والتجهيل والظلم والقهر وكل الجرائم التي ارتكبها الإيرانيون ووكلاؤهم بحق الوطن العراقي وأهله، أجمعين.
وهو في هذه الحالة يصبح مدانا بالكذب والغش وخيانة الأمانة.
وحتى بعد كل الدم الذي سال في مدن الوطن وقراه، وفي شوارعه وميادينه، لم يستفق ويعرف مدى الضرر الذي شارك في إلحاقه بعراقيين ويكفر عن ذنبه، ويسمي الأشياء بأسمائها، رغم أنه يعرف جيدا، قبل غيره، وأكثر من غيره، من الذي قتل، ومن الذي اختطف، ومن الذي اعتقل، ومن الذي يجر العراق إلى حرب ليست كالحروب التي عرفتها المنطقة، وإلى كارثة ليست كالكوارث التي دمرت سوريا.
ابراهيم الزبيدي
العرب