تعاني عائلة اللبناني مفيد يونس من أجل تأمين احتياجاتها الأساسية، منذ تخفيض راتبه بنسبة 50%، نتيجة أزمة اقتصادية تعرضت لها الشركة التي يعمل بها، إذ لم يعد بإمكانه تأمين المستوى المعيشي اللائق لأطفاله الأربعة، خاصة مع تصاعد الغلاء في ظل الأزمة الاقتصادية التي يشهدها لبنان، بعد ما فقدت الليرة 30% من قيمتها في مقابل الدولار الأميركي.
وبلغ سعر بيع الدولار لدى الصرافين وقت إعداد التحقيق، 2200 ليرة لبنانية، بينما استقر السعر في المصارف عند 1515 ليرة، وفاقم هذا الوضع من معاناة يونس، ما اضطره إلى نقل أولاده من مدرسةٍ خاصة إلى أخرى حكومية، وتقنين شراء المواد الغذائية، وإيقاف النشاطات الأسبوعية، وبات المنزل المكان الدائم له، كما يقول لـ”العربي الجديد”.
ويتشابه حال يونس مع حال الثلاثيني ميراز الجندي، الذي عاد من غربته في السعودية قبل 3 سنوات بعد توقف الشركة التي عمل بها قبل 10 سنوات، جراء تعرضها لأزمة مالية، وبعدما كان دخله الشهري يبدأ من مبلغ 5 آلاف دولار وقد يزيد، لم يعد دخله يتجاوز ألفاً أو ألفي دولار في أحسن الأحوال عبر الأعمال الحرة التي يقوم بها، لكنها لا تغطي المصاريف العائلية التي تصل إلى 3 آلاف دولار شهريا، ما يجعله يلجأ إلى الاستدانة لتغطية نفقات عائلته المكونة من زوجة وولدين.
تصنيف حسب الدخل المالي
يقسم الدكتور جورج قرم، عضو المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات والوزير السابق للمالية في حكومة الدكتور سليم الحص نهاية عام 1998، الطبقة الوسطى في لبنان إلى 3 فئات، الطبقة الوسطى العليا، ويراوح دخل من ينتمون إليها بين 6 آلاف دولار أميركي و7 آلاف، والطبقة المتوسطة، وهؤلاء يتقاضون ما بين 3 آلاف دولار أميركي و4 آلاف شهرياً، والدنيا، لا يزيد راتب المنتمين إليها عن 2000 دولار شهريا.
ويقضي التضخم والبطالة وغياب النمو وتراجع القدرة الشرائية بسبب الغلاء المعيشي، على الطبقة الوسطى في لبنان ويؤدي لتآكلها، وهو ما يعد أحد أسباب اندلاع الانتفاضة اللبنانية في 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بحسب ما يقول وزير الاقتصاد السابق آلان حكيم، مضيفا لـ”العربي الجديد”، أن الإنفاق الاستهلاكي انخفض مع ارتفاعٍ الأسعار بنسبة 55%، بسبب إقرار مجلس النواب قانون رفع الضرائب في 9 أكتوبر 2017، والضريبة على القيمة المضافة التي ارتفعت من 10% إلى 11%، ما ساهم في ارتفاع الأسعار بنسبة من 10% إلى 15%، قبل أن يضاف اليوم سعر صرف الدولار الذي ارتفع مقابل الليرة اللبنانية، ورفع معه أسعار السلع ومختلف القطاعات، وهذه عوامل تؤثر بشكل كبير على الطبقة الوسطى وأصحاب الدخل المحدود وما دون ذلك.
وتضمّ الطبقة الوسطى أصحاب المهن الحرة، مثل المهندسين والأطباء والمحامين، الذين باتت أوضاعهم صعبة أيضاً، إذ إنّ هذه المكونات التي تعدّ أساسيّة في البنية الاجتماعية تعاني مثل بقية فئات المجتمع من خللٍ في توزيع الدخل، حتى أنّ البعض بدأ يتحدّث عن ظاهرة الطبيب الفقير، والمهندس الفقير، والمحامي الفقير، وفق ما يقوله الخبير الاقتصادي كمال حمدان، المدير التنفيذي لمؤسسة البحوث والاستشارات في لبنان (تعنى بدراسة التنمية الاجتماعية والاقتصادية).
وتابع أن الاقتصاد الريعي، الذي تم الاعتماد عليه منذ تسعينيات القرن الماضي، أدى إلى هذه الأزمة الاقتصادية الخطيرة، بعدما غابَ عنه الاستثمار والإنتاج، أو العمل على إيجاد فرص عمل للخريجين، وباتت هذه الطاقات خارج سوق العمل، وخسرها لبنان، “إذ وصل عدد اللبنانيين ممن غادروا بحثا عن فرص عمل خلال الفترة من منتصف يناير/ كانون الثاني وحتى نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، 61924 لبنانيا، مقارنة بـ41766 شخصا خلال الفترة ذاتها من العام 2018″، بحسب إحصاء للشركة الدولية للمعلوماتية (شركة دراسات وأبحاث مستقلة).
مؤشرات اقتصادية كارثية
يعيش 30% من اللبنانيين بأقلّ من 4 دولارات في اليوم، بينما يعتمد حوالي 300 ألف شخص على أقل من 2.5 دولار في اليوم، وهو مبلغ غير كافٍ لتلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية، وفق تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2018. وهنا يضيف محمد شمس الدين، الباحث في الدولية للمعلومات، أن اللبنانيين حاليًا يتوزعون بين 25% دون خطِّ الفقر، و30% على خطّ الفقر (1.5 مليون شخص)، و35% من متوسّطي الحال، و10% من الأغنياء والأثرياء، بحسب دراسة أجرتها شركته في عام 2018، كما يقول.
”
25% من اللبنانيين دون خطِّ الفقر، و30% على خطّ الفقر (1.5 مليون شخص)
“وبلغ معدل البطالة في لبنان 11.4%، وهي النسبة المئوية لمجموع العاطلين من العمل قياسا إلى مجموع القوة العاملة التي تساوي الأشخاص العاملين والباحثين عن وظائف، وفق مسحٍ حول القوى العاملة والأحوال المعيشيّة للأسر في لبنان نفّذته الإدارة العامة للإحصاء المركزي برئاسة مجلس الوزراء خلال الفترة من إبريل/ نيسان 2018 وحتى مارس/ آذار 2019.
وفي ظل الوضع السابق، تقدمت 70 مؤسسة وشركة بطلبات تسريح لـ1500 عامل لبناني، فضلا عن تقدم عمال بشكاوى صرف تعسفي أو تخفيض أجورهم أو إنهاء عقود عملهم بشكل انفرادي من قبل أصحاب العمل، وفق ما جاء في الكتاب رقم 3163/2 الذي وجهه وزير العمل السابق كميل أبو سليمان إلى وزير العدل ألبرت سرحان، في العاشر من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بهدف تفعيل مجالس العمل التحكيمية انطلاقاً من الأوضاع الاقتصادية والمالية الصعبة التي تمرّ بها البلاد.
لكن معدّل البطالة عند فئة الشباب بين عمر 15 و24 سنة، يزيد على المستوى الوطني، إذ بلغ 23.3%، وهي النسبة الأعلى منذ عام 2004، رغم أنه سبق أن فقد العديد من الشباب أعمالهم بسبب عدوان يوليو/ تموز 2006، وفق مسح القوى العاملة والأحوال المعيشيّة للأسر في لبنان.
من يتحمل المسؤولية؟
يشير النائب السابق لحاكم مصرف لبنان سعد العنداري، إلى أنّ المشكلة التي تعاني منها الطبقة الوسطى كغيرها هي البطالة وتراجع الفرص نتيجة إقفال عددٍ من المؤسسات، وخاصة في أواخر عام 2017، مضيفا لـ”العربي الجديد”، أنّ الضرائب التي فُرِضَت لتمويل سلسلة الرتب والرواتب التي أقرها مجلس النواب في أغسطس/ آب عام 2017، طاولت الجميع، وبالأخص موظفي القطاع الخاص الذين بقيت رواتبهم كما هي، فضلا عن هاجس خسارة الوظيفة والراتب، في ظلّ غياب الاستقرار الوظيفي.
لكن الدكتور قرم يحمل البنك المركزي المسؤولية، قائلا إنه هو المسؤول الأوّل عن الأزمة التي يعاني منها لبنان نظراً لسياساته الخاطئة التي جاءت على حساب الاقتصاد اللبناني، مشيرا إلى أنّ البنك المركزي بات خارج المساءلة. وهنا رد النائب السابق لحاكم مصرف لبنان قائلا لـ”العربي الجديد”، إن البنك المركزي عملَ جاهداً على استمرار سياسة نقدية تقوم على تسليفات تدعم الطبقة الوسطى، مثل القروض السكنية التي استفاد منها أكثر من 600 ألف نسمةٍ، وتأمين القروض عن طريق شركات كفالات تساعد على توفير رأس المال لتأسيس مشروعِات عملٍ جديدة أو تطوير مشاريع حاليّة، مضيفا أن هذا يأتي في إطار برامج دعم القروضِ الصغيرة والمتوسطة بهدف توسيع دائرة الطبقة الوسطى في لبنان، فضلا عن مساهمة المصرف في تأمين قروضٍ بيئية، وتعليمية، وقروضٍ شخصية، وأخرى مدعومة من مصرف لبنان لتمويل مؤسسات سياحية وزراعية وصناعية وغيرها.
وأشار إلى أن الحكومات المتعاقبة هي المسؤولة عن إقرار الموازنات التي أنتجت عجزاً هائلاً وصلت نسبته عام 2019 إلى 6170 مليون دولار، وهذا العجز كان يحتاج إلى تمويل، وبالتالي، فإنّ الدولة استأثرت بالأموال التي يُفترَض أن تضخَّ من البنوك إلى القطاع الخاص لتطوير وزيادة النمو، ما أثر على قدرة الأخير على الاستثمار والتوظيف. فيما يحمل آلان حكيم المسؤولة للطبقة الحاكمة والسلطة التي تتحكم بالبلد منذ ثلاثين عاماً، والتي لم تهتمّ بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية، ما أدى إلى أن يصل البلد إلى ما هو عليه اليوم بسبب عدم التخطيط، كما يقول. ويتفق الخبير حمدان مع الرأي السابق، مشددا على ضرورة تحويل الاقتصاد اللبناني من ريعي إلى إنتاجي متوازن ومستدام حتى يستجيب لمصالح الأكثرية في كل مناطق لبنان.
العربي الجديد