على غير عادته في معظم الهجمات المماثلة السابقة، سارع جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى إعلان المسؤولية عن الغارات التي شُنت على جنوب العاصمة السورية ومحيط مطار دمشق مساء الأحد الماضي، موضحاً أنها استهدفت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، بالتزامن مع هجمات على قواعد للحركة في قطاع غزة. وفي مقابل تأكيد الحركة استشهاد اثنين من كوادرها في الغارات جنوب دمشق، أفادت مصادر أخرى أن العدد قد يكون أكبر بالنظر إلى أن نطاق الضربات كان واسعاً وحجم القوة الصاروخية كثيفاً.
من جانبه لم يفوّت رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو فرصة استثمار هذه الغارات سياسياً وعلى صعيد شخصي فكشف النقاب عن معلومة لوجستية يحرص جنرالات الجيش الإسرائيلي على التكتم حولها، وهي أن الغارة على جنوب دمشق استهدفت اغتيال قيادي كبير في الجهاد الإسلامي ولكنه نجا. وفي أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي كانت غارات إسرائيلية قد استهدفت ضواحي العاصمة السورية أيضاً، وتردد يومذاك أن أحد الأهداف كان منزل القيادي في الحركة أكرم العجوري، مما أسفر عن استشهاد ابنه ومقاتل آخر.
وليس خافياً أن نتنياهو يدرك قيمة استعراضات القوة من هذا النوع إجمالاً، ولكن في هذا التوقيت تحديداً وقبل أسبوع من انتخابات الكنيست الثالثة خلال أقل من عام، والتي تضع على المحك مجدداً ليس مستقبله السياسي كرئيس للحكومة وزعيم لليكود فحسب، بل كذلك مآزقه مع القضاء الإسرائيلي وتهم الفساد التي تلاحقه وسوف تؤذيه بشدة إذا لم يحتفظ بموقع رئاسة الحكومة. ولهذا فإن تهديداته بصدد الغارات الأخيرة شملت التلويح بحرب ضد قطاع غزة سوف تكون أشد شراسة هذه المرة، بالإضافة إلى إبلاغ رسائل جديدة إلى إيران عبر الاستمرار في استهداف فيلق القدس وميليشيات طهران الأخرى على الأراضي السورية.
كذلك يدرك نتنياهو أن سياسة الغارات في سوريا وضد القطاع تعزف على وتر شعبوي لدى الجمهور الإسرائيلي بصفة عامة، ولكنها تكتسب طابعاً تحريضياً خاصاً قبيل الانتخابات من زاوية استكمال «انتصارات» نتنياهو الدبلوماسية بعد إعلان «صفقة القرن» والعزم على ضمّ المستوطنات وأراض في الغور والضفة. ولم تكن مصادفة أن تصريحاته حول الغارة على دمشق وتهديد القطاع بحرب جديدة تزامنت مع زيارة إلى مستوطنة أريل في الضفة، بصحبة السفير الأمريكي دافيد فردمان واللجنة الإسرائيلية ــ الأمريكية المكلفة برسم خرائط الضم.
وليس مدهشاً أن طيران دولة الاحتلال يسرح ويمرح في أجواء دمشق، فلا تتصدى له سوى صواريخ قديمة عاطلة عن الفعل. وليس غريباً ولا جديداً أن الرادارات الروسية، التي تغطي شبكاتها كامل المنطقة وليس سماء سوريا وحدها، بقيت كالعادة متعامية عن الطيران الحربي الإسرائيلي، وغاب عنها حتى الشجب اللفظي المعتاد. ذلك لأنها، مثل نيران النظام السوري وطيرانه وبراميله المتفجرة، منهمكة بقصف أبناء الشعب السوري في قرى وبلدات ومدن إدلب، ومنشغلة بقذف مئات الآلاف من النازحين نحو العراء والمجهول والصقيع.
وكما في المثل الشهير، أسد على السوريين العزل في إدلب، وأصم أبكم أعمى أمام الإسرائيليين في سماء دمشق.
القدس العربي