لا تزال موسكو تماطل في التوصل إلى اتفاق مع أنقرة بشأن إدلب، فاتحة الباب أمام قوات النظام لمواصلة التقدم على الأرض، وتقليص المساحة التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة السورية، المدعومة تركياً، ما سيزيد من الضغوط على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي سيضطر لتنفيذ أحد أمرين؛ إما تنفيذ تهديده، ودخول القوات التركية في معركة مع قوات النظام، المحمية بغطاء جوي روسي، أو الموافقة على الخريطة الروسية الجديدة، التي تسمح للنظام بالبقاء في المناطق التي سيطر عليها.
واستبق وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الاجتماع الذي سيعقده زعماء روسيا وتركيا وألمانيا وفرنسا، في الخامس من مارس/آذار المقبل، بالإعراب عن أمله بتوصل موسكو وأنقرة إلى اتفاق بشأن نقطة وحيدة: “لن يكون للإرهابيين مكان في إدلب”، من دون أن يشير إلى مطالب تركيا بانسحاب قوات النظام إلى ما وراء نقاط المراقبة في منطقة خفض التصعيد.
”
تحاول قوات النظام محاصرة كفرنبل من 3 جهات قبل اقتحامها
“ودافع لافروف، أمس الاثنين، عن الغارات الجوية التي يشنها الطيران الروسي على محافظة إدلب، مؤكداً إجراء استعدادات لعقد جولة جديدة من المشاورات الروسية التركية حول الوضع في منطقة خفض التصعيد. وقال لافروف، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الطاجيكي سراج الدين مهر الدين، في موسكو، “أؤكد مرة أخرى أننا سنعارض بشكل قاطع أي محاولات لتبرير وجود الإرهابيين، الذين حددهم مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. تجري الآن الاستعدادات لجولة جديدة من المشاورات، التي نأمل أنها قد تُسفر عن اتفاق، حتى تكون هذه حقاً منطقة خفض تصعيد لا يتحكم الإرهابيون فيها”. وأضاف “في إطار اتفاقات الرئيسين الروسي (فلاديمير بوتين) والتركي (أردوغان)، لم يتفق أحد يوماً على عدم شن الضربات رداً على الإرهابيين في حال حاولوا التصرف مثلما أصبحوا يتصرفون”. وتابع “لذلك، لم يكن هناك شيء مفاجئ في ذلك. وأثق في أن العسكريين الأتراك، الذين يعملون على الأرض، يرون ويتفهمون كل شيء، خصوصاً أن الإرهابيين هاجموا مراراً مواقعنا ومواقع القوات السورية والمواقع المدنية السورية من النقطة (إدلب) التي يتم فيها نشر نقاط المراقبة التركية”.
ومن المؤكد أن يزيد تصريح لافروف من تعقيدات المشهد في إدلب شمال غربي سورية، خصوصاً أن تركيا حشدت الآلاف من الجنود في نحو 40 نقطة نشرتها داخل إدلب، من دون أن يكون لها دور واضح على الأرض لجهة المبادرة بشن هجمات ضد نقاط تمركز قوات النظام، قد تؤدي إلى تغيير في خرائط السيطرة على الأرض. في هذا الوقت، تواصل قوات النظام، ومليشيات مدعومة من إيران وروسيا، تقدمها في الخاصرة الجنوبية الغربية لإدلب، باتجاه الطريق الدولي حلب – اللاذقية “أم 4″، مروراً بجبل الزاوية وقراه الـ 35. ووضعت تلك القوات، أمس الاثنين، قدمها على أول الطريق المؤدي لدخول الجبل بسيطرتها على بلدة حنتوتين غرب معرة النعمان، بانتظار ما ستفضي إليه المعارك الدائرة حول مدينة كفرنبل.
ورغم تأكيد المسؤولين الأتراك مراراً على المهلة التي حددها أردوغان، في الخامس من فبراير/شباط الحالي، أمام قوات النظام، للانسحاب إلى ما وراء النقاط التركية في “منطقة خفض التصعيد”، التي تضم كامل محافظة إدلب، وأجزاء من أرياف حماة الشمالي، وحلب الغربي والجنوبي، واللاذقية الشرقي، مع نهاية الشهر الحالي، مهدداً بشن عملية عسكرية واسعة ضدها في حال عدم تنفيذ الانسحاب مع انتهاء المهلة، فإنه من الواضح أن أنقرة ستنتظر ما ستفضي إليه القمة الرباعية بين زعماء روسيا وتركيا وألمانيا وفرنسا من نتائج، والتي ستُعقد في الخامس من مارس المقبل. ويقوم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بوساطة لإيجاد مقاربة جديدة بين الروس والأتراك حول إدلب، بعد فشل المباحثات العسكرية والسياسية لمسؤولين في البلدين بالتوصل إلى تفاهم جديد يرضي إصرار تركيا على انسحاب قوات النظام، وسط تعنت روسي باستمرار المعارك. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أبلغ أردوغان، في اتصال هاتفي، في 21 فبراير، رفضه طلبه المتعلق بانسحاب قوات النظام إلى خلف نقاط المراقبة التركية، مؤكداً استمرار العمليات العسكرية للنظام في إدلب، بدعم روسي. وربط الرئيس التركي، بعد يوم من الاتصال، قضية إدلب من حيث أهميتها لأنقرة بقدر أهمية عفرين والمنطقة التي سيطرت عليها القوات التركية خلال هجومها على “قوات سورية الديمقراطية” (قسد).
وربما ستستغل تركيا زيادة مدة المهلة، في حال انتظرت ولم تبادر إلى شن عمل عسكري مع نهاية الشهر الحالي، في تكثيف الاتصالات مع الغرب والولايات المتحدة لمعرفة مدى حجم الدعم المقدم لها غربياً، في حال قررت البدء بعمل عسكري واسع داخل إدلب، لا سيما أنها تنتظر رد واشنطن على طلبها نشر منظومة “باتريوت”، ما سيمكنها من التصدي للأهداف الجوية والصواريخ البالستية، ويؤمن تحليق طيرانها الحربي في أجواء مناطق العمليات، ما سيُصعّب تقدم قوات النظام نحو مزيد من المناطق، لا سيما الطرق الاستراتيجية والمرتفعات، خصوصاً قرى جبل الزاوية، المهمة للجيش التركي، في حال قرر البدء في العملية.
وحول جدية تركيا في التعامل مع هذه التطورات، لا سيما جنوب إدلب، رأى الصحافي التركي المعارض للحكومة إسلام أوزكان أنه “سيتبين جدية تركيا في تنفيذ تهديداتها مع انقضاء المهلة التي حددها أردوغان”. وقال، لـ”العربي الجديد”، “ما يهمنا الآن هو الظروف الموضوعية المحيطة بهذه العملية. ونرى إلى الآن أنه لا يوجد إسناد جوي للقوات التركية في إدلب، وهذه مشكلة كبيرة جداً. ما دام المجال الجوي مغلقاً أمام المقاتلات التركية، فإنه لا يمكن للجنود الأتراك التقدم. من جهة أخرى، فإن التوازنات العسكرية بين الطرفين غير متكافئة، فالمقاتلات الروسية تشارك في العمليات، وهي ليست وحدها، بل تشاركها مقاتلات وقوات النظام والفصائل المدعومة من إيران وروسيا، لذلك من الصعب على تركيا أن تدخل في مواجهة مفتوحة مع النظام السوري المدعوم من روسيا وإيران، ضمن الظروف الحالية”.
”
نشر الجيش التركي مزيداً من النقاط في ريف إدلب الجنوبي
“ورأى أوزكان أنه “لا يتوجب على تركيا الدخول في مواجهة مع روسيا، بعد خمس سنوات من التحالف والتعاون الاقتصادي والعسكري، بالإضافة للتنسيق في مساري أستانة وسوتشي. يجب على تركيا التركيز على القضايا الأساسية التي تهمها. فإذا افترضنا أن قضيتنا الأساسية هي التعامل مع الوحدات الكردية شمال سورية، فإنه يجب التركيز على هذا الأمر. كل التخبط الحاصل الآن يأتي نتيجة لعدم وجود استراتيجية واضحة لدى الحكومة والجيش التركي بما يتعلق بشمال سورية”. وأشار إلى أن “المعارضة التركية لا تؤيد بالمطلق أي مواجهة لأنقرة مع أي طرف، سواء كان النظام أو روسيا، في شمال سورية. كما أن هناك معارضة لهذه العملية داخل أنصار حزب العدالة والتنمية الحاكم”.
على الأرض، تقدمت قوات النظام، خلال اليومين الماضيين، جنوب إدلب بهدف الوصول إلى مدينة كفرنبل، أولى المناطق في جبل الزاوية من سفحه الجنوبي، بعد ما سيطرت على سبع قرى في محيطها، هي الشيخ دامس، والركايا، وكفرسجنة، وتل النار، والنقير، والشيخ مصطفى من الجهة الجنوبية، وحنتوتين من الجهة الشرقية الشمالية للمدينة، بحسب ما أكد مراسل “العربي الجديد” في إدلب. ومن الواضح أن قوات النظام تحاول فرض حصار على المدينة من جهات ثلاث، الشرقية والشمالية والجنوبية، قبل الانقضاض عليها واقتحامها.
وأعلن النظام عبر وسائل إعلامه أن الهدف من المعركة هو الوصول إلى الطريق الدولي حلب – اللاذقية “إم 4″، انطلاقاً من جبل الزاوية. ونقلت صحيفة “الوطن”، عن مصدر عسكري من قوات النظام أن “الجيش السوري بعد استقدام تعزيزات عسكرية إلى بلدتي كفرروما وحيش بريف المحافظة الجنوبي، بدأ عمليته العسكرية بمد نفوذه إلى بلدة حنتوتين إلى الغرب من الأولى، والشيخ دامس إلى الغرب من الثانية. كما استعاد الركايا والنفير. وهذه القرى تشكل مدخلاً للجيش إلى جبل الزاوية، إثر اشتباكات عنيفة مع جبهة النصرة والتنظيمات الإرهابية المرتبطة بها”. وأشار المصدر إلى أنه “بات بإمكان الجيش مواصلة التقدم إلى مدينة أريحا على الطريق الذي يربطها بمعرة النعمان للوصول إلى الطريق السريع، سراقب جسر الشغور، بدل مواصلة التقدم من محور بلدة النيرب نحو أريحا، والذي يشهد منذ 3 أسابيع اشتباكات مع جيش الاحتلال التركي والإرهابيين التابعين له. كما أصبح بمقدوره التقدم إلى كفرنبل، أكبر بلدات جبل الزاوية وأهم معقل للنصرة فيه”. ولفت المصدر للصحيفة إلى أن “عملية الجيش السوري، ستقود إلى محاصرة جبل الزاوية من جهات الجنوب والغرب والشرق، للسيطرة عليه مع جبل الأربعين المطل على أريحا، لتأمين نحو 25 كيلومتراً من طريق حلب اللاذقية، ابتداء من سراقب، وبذلك يسهل عليه متابعة الزحف إلى بلدة محبل الاستراتيجية عند المدخل الشرقي لمدينة جسر الشغور، الهدف الأهم للجيش السوري، على اعتبار أنها تشكل مدخلاً لريف اللاذقية الشرقي، الذي يحاصر بلدة كبانة وجبالها الحيوية، وكذلك تأمين سهل الغاب الشمالي الغربي”.
ويبدو أن تقدم النظام، سيكون عبر محورين رئيسيين في حال السيطرة على كفرنبل وتأمين محيطها، الأول ينطلق شمالاً بخط مستقيم على الطريق الواصل بين معرة النعمان وأريحا للسيطرة على جبل الأربعين، والوصول إلى الطريق الدولي، والثاني ينطلق من كفرنبل شمالاً على شكل قوس حتى الوصول إلى محمبل على الطريق الدولي “إم 4″، عبر الالتفاف على جبل الزاوية من سفوحه الغربية، ما يعني بداية الطريق للسيطرة على جسر الشغور. وفي حال طبق النظام هذا السيناريو، فإنه سيكون حقق هدفه بالسيطرة على المدن الرئيسية الأربع في إدلب، وهي معرة النعمان، وسراقب، وأريحا، وجسر الشغور، الواقعة على الطريقين الدوليين حلب – دمشق (إم 5) وحلب – اللاذقية (إم 4)، بانتظار ما ستحمله الأيام المقبلة، في حال نفذت تركيا تهديداتها.
وقالت مصادر ميدانية، لـ”العربي الجديد”، إن الجيش التركي نشر مزيداً من النقاط في ريف إدلب الجنوبي بالقرب من الخطوط التي تدور معارك فيها حالياً، حيث ثبت نقطة في المنطقة الواصلة بين بلدتي البارة وكنصفرة، وأخرى جنوب بلدة كنصفرة، بالإضافة للانتشار قرب بلدة بسامس. وأشارت المصادر إلى أنها شاهدت دخول آليات إلى بلدتي كنصفرة وبيلون، مرجحة نية الجيش التركي إقامة مزيد من النقاط في المنطقة.
وقال مراسل “العربي الجديد” في إدلب إن القوات التركية قصفت بشكل كثيف مواقع قوات النظام في بلدة النيرب شرق إدلب بالمدفعية الثقيلة والراجمات، في حين ردت قوات النظام بقصف مواقع لقوات المعارضة. ولم يتبين ما إذا كان القصف التركي تمهيد لمعاودة الهجوم على النيرب بغية السيطرة عليها، بعد فشل محاولتين سابقتين خلال الأيام الماضية.
يأتي ذلك، في وقت يستمر فيه القصف على القرى والبلدات القريبة من محاور القتال. وأسفر القصف الجوي الروسي عن مقتل مدنيين اثنين في بلدة كوكبة، كما قتل ثلاثة آخرون بقصف مماثل طاول منازل المدنيين في بلدة الفطيرة. وتقع البلدتان في جبل الزاوية جنوبي إدلب. وتجاوز القصف في الأيام الثلاثة الماضية نحو 200 غارة جوية من قبل سلاحي الجو الروسي أو التابع للنظام، بالإضافة إلى مئات القذائف الصاروخية والمدفعية التي طاولت بلدات في جبل الزاوية.
العربي الجديد