التعويل على طبقة سياسية عراقية أنهكها الفشل في إدارة شؤون الدولة وشوّهها الفساد وجعلها في مرمى غضب الشارع، لن يكون مجزيا لإيران خلال المرحلة القادمة بعد تصاعد معركتها على النفوذ في العراق ضدّ الولايات المتّحدة. ولذلك أصبحت طهران تراهن بشكل متزايد على الميليشيات الأشدّ تطرّفا والأكثر ولاء لها، وهو الأمر الذي يجعل قادة تلك الميليشيات في مرمى الاستهداف الأميركي.
واشنطن – شملت الولايات المتّحدة بسلسلة العقوبات التي شرعت في فرضها على شخصيات وفصائل عراقية ضالعة في الإرهاب، أمين عام كتائب حزب الله العراقي.
ويأتي ذلك ضمن عملية محاصرة تدريجية لمجموعة من الفصائل الشيعية المسلّحة، تقول مصادر عراقية مطّلعة إنّ إيران تثق فيها أكثر من غيرها، وتعوّل عليها بشكل استثنائي لخوض “معركة” إخراج القوات الأميركية من العراق، وأيضا لمواصلة تثبيت سيطرة طهران على القرار السياسي العراقي في المرحلة القادمة بعد حالة الوهن التي أصابت الطبقة السياسية العراقية التي راهن عليها الإيرانيون خلال المرحلة الماضية لكنّها أصبحت في مرمى غضب الشارع بفعل فسادها وفشلها المزمن.
واعتبرت وزارة الخارجية الأميركية الأمين العام لكتائب حزب الله أحمد الحميداوي الملقّب بأبوحسين، وأيضا بأحمد محسن فرج “إرهابيا عالميا محدّدا بشكل خاص” وجمّدت أي أصول قد يكون يمتلكها في الولايات المتحدة وجرّمت أي تعاملات أميركية معه.
وقال رئيس قسم مكافحة الإرهاب في الوزارة نايثن سيلز “نكثف ضغوطنا على هذه المجموعة الإرهابية العاملة على تحقيق هدف النظام الإيراني لتحويل العراق إلى دولة تابعة”.
كما أشارت الخارجية الأميركية إلى شن كتائب حزب الله العراق سلسلة من الهجمات الصاروخية في ديسمبر الماضي على قاعدة عراقية يتمركز فيها جنود أميركيون ما أدى إلى مقتل متعاقد مدني أميركي. وأكّدت وجود مؤشرات تدل على أنّ الكتائب تقف وراء عمليات قنص دامية استهدفت متظاهرين في أكتوبر الماضي ببغداد.
وتقول مصادر سياسية عراقية مطلعة إنّ كلّا من كتائب حزب الله بقيادة الحميداوي، وعصائب أهل الحقّ بقيادة قيس الخزعلي، وحركة النجباء بزعامة أكرم الكعبي ستشكل رأس الحربة في المشروع العسكري الإيراني للعراق في حال فشلت الترتيبات السياسية، وخسرت إيران نفوذها الناعم الذي زعزعته التظاهرات الشعبية الواسعة.
ووفقا لذات المصادر، فقد تحدثت قيادات شيعية وسنية وكردية مع الإدارة الأميركية ودول أخرى في المنطقة والعالم بشأن هذه النوايا الإيرانية.
وتضيف إن أطرافا عراقية عديدة تدرك أن النفوذ الإيراني في العراق هو مسألة حياة أو موت لطهران، لذلك فإن القيادة الإيرانية لا يمكن أن تسمح بصعود قوى غير حليفة لها في هذا البلد. وفي حال حدث هذا، فإن على كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق والنجباء أن تتصرف.
وتتداول الأوساط السياسية العراقية على نطاق واسع معلومات عن مدى الضعف الشديد الذي أصاب الطبقة السياسية التي شاركت في حكم العراق طيلة الـ17 سنة الماضية وعن تعرّضها لضغوط شديدة من طهران من بوابة فشلها في الحفاظ على النظام الذي ساهمت إيران بشكل أساسي في إرسائه.
وقال نائب سابق بالبرلمان العراقي طالبا عدم الكشف عن اسمه، إنّ الطبقة السياسية العراقية بمن فيها كبار قادة الأحزاب الشيعية، باتت أسيرة لزعماء ميليشيات موالية لإيران يملون على أكبر الزعماء السياسيين ما عليهم أن يفعلوه.
ويبدو أن الولايات المتحدة، تستجيب جزئيا لهذه المخاوف، من خلال محاولتها محاصرة حلفاء إيران في العراق، والتضييق على مساحات تحركهم، أملا في دفعهم إلى ارتكاب أخطاء قد تجيز تصفيتهم.
وشهد العام الجاري تصنيف زعماء من أبرز هذه المجموعات على لائحة المنظمات الإرهابية الدولية. وأعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الشهر الماضي، عزم واشنطن وضع قيس الخزعلي وشقيقه ليث على لائحة زعماء المنظمات الإرهابية.
وتأتي هذه الإجراءات في سياق سياسة الضغط الأقصى التي تتبعها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في التعامل مع إيران إذ تسعى إلى تضييق الخناق على أذرعها في الخارج لمنعها من التأثير. وتعد كتائب حزب الله من أشرس المجموعات العراقية الموالية لإيران. وقد ارتبطت منذ تأسيسها على يد أبومهدي المهندس بالحرس الثوري الإيراني على مستوى التدريب والتجهيز والقيادة العملياتية.
وأوردت وسائل إعلام أميركية، نقلا عن مصادر وصفتها بالمطّلعة تفاصيل اجتماع ليلي حضره الحميداوي مع أبومهدي المهندس آخر شهر ديسمبر الماضي للتخطيط للهجوم الذي استهدف السفارة الأميركية في بغداد.
وأوضحت المصادر أن الاجتماع السري الذي عقد في منزل خاص بمنطقة الجادرية قرب دائرة أمن الحشد الشعبي حضره ضابط في فيلق القدس الإيراني يدعى الحاج حامد وهو اسم حركي له.
وخلال الاجتماع طلب الحميداوي من المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي آنذاك منح إجازة لـ3500 عنصر من أفراد الحشد الشعبي التابعين لكتائب حزب الله ضمن لواء 45 و46 وأفواج سرايا الدفاع الوطني لمدة شهر واحد، وذلك بهدف تفريغهم لمهام أخرى.
واستخدم المهندس، وقاسم سليماني الجنرال البارز في الحرس الثوري الإيراني اللذين قتلا مطلع العام الجاري في غارة أميركية قرب مطار بغداد كتائب حزب الله في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد منذ العام 2011.
وتتيح اللوائح الأميركية مطاردة المطلوبين بسبب تهم إرهابية وتجميد أصولهم المالية، ومعاقبة الجهات التي تتعامل معهم، ما يفرض على السلطات العراقية تحديات كبيرة في ما يتعلق بشرعيتها الدولية.
وأعلنت كتائب حزب الله أن أي رئيس وزراء يخلف المستقيل عادل عبدالمهدي عليه أن يلتزم بإخراج القوات الأميركية من العراق.
ويترجم هذا الموقف الرغبة الإيرانية في إنهاء الوجود العسكري الأميركي على الأراضي العراقية. ويقول أبوعلي العسكري الذي يشغل خطّة المتحدث باسم الكتائب، إن رئيس الوزراء الجديد يجب “ألا يكون متماهيا مع إدارة الشر الأميركية، وإملاءاتها ويتعهد بإتمام قرار إخراج القوات الأجنبية، مشيرا إلى أن كل ما يحدث بخلاف ذلك يعد “خيانة كبرى”.
وكثيرا ما تستخدم كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق مصطلحات من قبيل الخيانة والمقاومة، عندما تتحدث عن القوى المناهضة للمشروع الإيراني في العراق.
وخلال التظاهرات الشعبية التي اندلعت في العراق مطلع أكتوبر من العام الماضي، وتستمر للشهر الخامس على التوالي، لعبت كتائب حزب الله دورا حاسما في عملية القمع الدموي التي مورست ضد المحتجين.
وأشرف مؤسسها أبومهدي المهندس، قبل مقتله، على عمليات واسعة في أنحاء العراق شملت اغتيال واختطاف وتغييب وترويع نشطاء بارزين، بهدف التأثير على محركات الاحتجاج.
وفي بعض الأحيان، هاجم عناصر الكتائب مواقع يتجمع فيها نشطاء باستخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، على غرار ما حدث في مجزرة السنّة ببغداد، في يناير الماضي.
ويروي ساسة عراقيون قصصا مفصّلة عن كيفية تحول كتائب حزب الله إلى جهاز أمني قمعي تستخدمه إيران ضد جميع أشكال معارضة مشروعها في العراق.
العر ب