تمضي الإدارة الأميركية قدما في استراتيجيتها للضغط على إيران وحزب الله وفق خارطة طريق تركز في المرحلة الراهنة على محاصرتهما في لبنان، حيث الظروف أنسب اليوم، مع تصاعد الغضب من إيران وحزب الله وأدواره في تعطيل الحياة السياسية في البلاد. وتدعم الإدارة الأميركية خطتها بتأكيدها مواصلة دعم المؤسسة العسكرية اللبنانية كما مصرف لبنان.
واشنطن – تتسم سياسة الولايات المتحدة بالتحفظ والحذر في ملفات عديدة في منطقة الشرق الأوسط، إلا أنها تبدو واضحة وحاسمة في مسألة مواجهة إيران من جهة، وفي مسألة استمرار الحصار ضد حزب الله والسعي إلى إخراج لبنان من دائرة النفوذ المباشر لطهران من جهة أخرى.
وفيما تسعى واشنطن إلى تأكيد بقاء القوات الأميركية في العراق مع اعتراف ضمني بما تملكه طهران من نفوذ داخل الطبقة السياسية الحاكمة هناك، وفيما تكرر واشنطن حالة الستاتيكو في قاعدة العديد في قطر ومهمات قواتها في سوريا وتؤكد عدم انجرارها إلى انخراط أوسع في الحرب الدائرة هناك على الرغم مما صدر عنها من مواقف داعمة لتركيا، فإن الخطط الأميركية المتعلقة بلبنان تبقى حيوية حازمة لم تتغير منذ سنوات، وحتى منذ الإدارة السابقة برئاسة باراك أوباما.
تتمسك الولايات المتحدة بسياسة تصعيد ضغوطها على حزب الله من خلال محاصرة كافة شبكاته المالية غير المشروعة في العالم، لاسيما في أميركا اللاتينية وأفريقيا وأوروبا، ومن خلال فرض قواعد وقوانين على النظام المصرفي اللبناني لطرد الحزب من كل مصارف البلد وحرمانه من الاستفادة مما تمتلكه مصارف لبنان تاريخيا من علاقات متقدمة مع السوق المالي العالمي، ومن خلال الضغط على الدول الحليفة لإدراج الحزب على لوائح الإرهاب على المنوال الذي فعلته دول عديدة مؤخرا في مقدمها بريطانيا.
وتؤكد تحركات المسؤولين الأميركيين وتصريحاتهم أن واشنطن ما زالت جادة في دعم موقع حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، لما امتلكه من كفاءة وشجاعة في حماية النظام المصرفي اللبناني من أي توجس دولي قد تسببه شبهات محتملة في تواطئه في عمليات مالية لحساب حزب الله.
لم تجرؤ قوات حزب الله يوما على اعتراض طائرات الشحن العسكرية الأميركية التي تحط في مطار رياق العسكري حاملة المساعدات العسكرية للجيش اللبناني
وأبدت الإدارة الأميركية والبنتاغون جدية واضحة في مسألة حماية موقع قائد الجيش العماد جوزيف عون بسبب جهوده لقيادة الجيش في عمليات مكافحة الإرهاب، لاسيما ضد تنظيم داعش، كما عمله على تحييد الجيش وتجهيزه ليكون القوة المسلحة للدولة اللبنانية بانتظار ظروف أخرى تنهي ظاهرة سلاح “دويلة” حزب الله داخل البلد.
ولطالما دفعت مؤسسات الدولة العميقة في الولايات المتحدة، لاسيما البنتاغون ووزارة الخارجية ومستشارية الأمن القومي وأجهزة الأمن والمخابرات، لتقديم الدعم العسكري للجيش اللبناني على الرغم من الضغوط التي مارستها إسرائيل على الإدارات الأميركية بالتوقف عن ذلك، متهمة الجيش بأنه مخترق من قبل حزب الله، ومحذرة من أن السلاح الأميركي الذي قد يقع في يد الحزب سيمثل خطرا على أمن إسرائيل.
وقد استسلم حزب الله لواقع أمر الدعم الأميركي للجيش اللبناني ولم يستطع تسويق العروض المغرية التي قدمتها طهران لتسليح الجيش. وأدرك الحزب أن حكومات لبنان لم تستطع القبول بعروض روسية في هذا الصدد (فما بالك بالإيرانية) بسبب الفيتو الأميركي، وأن لا إمكانية لتجاوز الولايات المتحدة التي تملك علاقات تاريخية قديمة مع المؤسسة العسكرية اللبنانية.
ولم تجرؤ قوات حزب الله يوما على اعتراض طائرات الشحن العسكرية الأميركية التي تحط في مطار رياق العسكري حاملة المساعدات العسكرية للجيش اللبناني، رغم أن هذا المطار يقع في قلب منطقة يفترض أنها من جغرافيا بيئة الحزب الاجتماعية والأمنية.
رصد مراقبون في لبنان أجواء مغادرة السفيرة الأميركية في لبنان إليزابيث ريتشارد لمهامها في بيروت وما أشاعته من عناوين في جولاتها على المسؤولين اللبنانيين تعبر عن المزاج العام لوزارة الخارجية الأميركية والذي لم تتغير لهجة الحزم فيه وبقي متسقا مع تلك التي عبر عنها الوزير مايك بومبيو خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان في مارس 2019.
وكانت ريتشارد قد أصدرت بيانا دقيق العبارات أشارت فيه إلى “أنها فرصة تاريخية للشعب اللبناني لقلب الصفحة، إنها فرصة لرسم مسار جديد”.
وأثارت هذه العبارات وهذه الصياغة أسئلة داخل لبنان عن المقصود من الدعوة إلى “قلب الصفحة”، وعن المسار الجديد الذي تستشرف السفيرة الأميركية ظهوره داخل خارطة المشهد الإقليمي برمته.
وتؤكد مصادر في واشنطن أن اجتماعا عقده بومبيو مؤخرا مع سفراء بلاده في العالم وضع نقاطا على حروف السياسة الخارجية الأميركية. ونقلت صحف بيروت أن بومبيو أبلغ المجتمعين عزم الإدارة الأميركية على إزالة سيطرة حزب الله على لبنان. وقالت المعلومات إن السفيرة الأميركية الجديدة، دوروثي شيا، التي ستخلف السفيرة ريتشارد في منصبها في بيروت كانت حاضرة في هذا الاجتماع، وأن توجهات جديدة للإدارة ستحملها إلى العاصمة اللبنانية التي يفترض أن تصلها أوائل مارس المقبل.
يأتي هذا متسقا مع دعوة مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شنكر، الأربعاء، إلى العودة إلى العناوين السياسية في التعامل مع الحالة اللبنانية. ولم يكتف شنكر هذه المرة بمهاجمة حزب الله، بل طالت انتقاداته الطبقة السياسية اللبنانية التي اتهمها بالهدر والفساد وتوفير بيئة حاضنة لحزب الله وأنشطته في لبنان والمنطقة. وستتعامل واشنطن مع بيروت تعاملا لا يفرق بينها وبين حزب الله حتى يثبت العكس، وأن حجب المساعدات المالية عن لبنان يندرج ضمن هذه الاستراتيجية.
العرب