باشرت السلطات الصينية بتدابير حظر ووقاية طارئة في مختلف مرافق البلاد الحيوية وقطاعاتها الحياتية والاقتصادية، ولا يقتصر ذلك بطبيعة الحال على المستشفيات والفنادق والمدارس والجامعات والعقارات والأنشطة الترفيهية والسياحية وأماكن العمل، بل امتد أيضاً إلى وسائل النقل، بما فيها السيارات بطبيعة الحال.
وهذا الاستنفار القومي داخل الصين في مواجهة الوباء الذي قد يكون أكبر تحدٍّ صحّي شامل تواجهه البلاد، دفع “اتحاد سيارات الركوب في الصين”، وهو أكبر اتحادات القطاع، إلى مراجعة توقعاته التي كانت سابقاً تشير إلى استقرار السوق عام 2020، بعد سنتين من التراجع، ليرجّح قبل أقل من أسبوعين أن تشهد سوق السيارات الصينية تراجعاً بأكثر من 10% في النصف الأول من العام الجاري بسبب “كورونا”، لتنحسر 5% على مدى العام الحالي بكامله، في حال احتواء الوباء بشكل فعّال قبل إبريل/نيسان المقبل.
وبنى الاتحاد توقعات على مسار السوق الذي أظهرت نتائج مبيعات التجزئة فيه أنها انحدرت بشدّة بلغت نسبتها 92% على أساس سنوي، في أول 16 يوماً من فبراير/شباط الفائت، في الوقت الذي يكبح فيه انتشار الفيروس أنشطة الشركات في مختلف القطاعات.
انهيار المبيعات وتأجيل المعرض السنوي
وفي التفاصيل، تبيّن، وفقاً لإحصاءات الاتحاد التي أوردتها “رويترز”، أن مبيعات سيارات الركوب بلغت 4909 مركبات فقط خلال 16 يوماً، انخفاضاً من 59930 سيارة في الفترة نفسها قبل عام.
هذا الواقع الاستثنائي الجديد دفع وزارة التجارة إلى إعلان أنها ستستحدث مزيداً من التدابير لدعم استهلاك المركبات، بهدف تحقيق استقرار في السوق التي بيع فيها 25 مليون سيارة عام 2019، إثر تأجيل معرض السيارات الدولي السنوي، وجمود خطوط الإنتاج التي تحاول استئناف نشاطها، فيما صالات وكلاء البيع شبه خالية من المشترين.
وفي تقرير نشرته “فايننشال تايمز” هذا الأسبوع حول الموضوع، أشارت إلى أن شركات صناعة السيارات عادة ما كانت تبدأ عامها في أكبر سوق للسيارات في العالم من خلال معرض السيارات السنوي، حيث تعرض نماذج جديدة للآلاف التي تملأ قاعات ضخمة لهذا الحدث على مدار أسبوع كامل، في حين أن العلامات التجارية العالمية ستحتاج هذا العام إلى إيجاد مكان جديد لإطلاق مئات المنتجات الجديدة بعدما قررت السلطات تأجيله حالياً.
في السياق، يقول الرئيس التنفيذي لإحدى شركات صناعة السيارات: “نحن جميعاً نضغط من أجل الحصول على الموافقات الفردية مع المورّدين الرئيسيين، وهو ما أتوقع أن نحصل عليه، لكنني متأكد من أن الفيروس ستكون له عواقب على بعض المصنعين”، فيما لا يزال كثير من العمال في الحجر الصحّي المنزلي عاجزين عن العودة إلى العمل، ومن عاد منهم إلى خطوط الإنتاج قلّة يتعيّن عليهم استخدام قناعين في اليوم خلال العمل، لكن “كيف تضمن أن يكون لديك ما يكفي من الأقنعة لجميع العمال؟”، يسأل المحلل في موقع “إل.إم.سي أوتوموتيف” LMC Automotive في شنغهاي، جون تسنغ.
“كورونا” يشدّد الخناق على السيارات الصينية (ورقي)وحتى لو توافرت لدى الشركات الصانعة أعداد كافية من العمال الذين تحتاج إليهم، ثمة أزمة أُخرى تعترض عودة النشاط إلى القطاع، هي نقص القطع المطلوبة لعملية التصنيع، وفقاً لمؤسّس الشركة الاستشارية “سينو أوتو إنسايتس” Sino Auto Insights، تو لو، علماً أن إحصاءات الجمارك الصينية تشير إلى أن شركات البلد قد صدّرت عام 2019 قطع غيار بقيمة إجمالية تجاوزت 60 مليار دولار، في حين أن نحو 80% من إنتاج السيارات حول العالم يشمل أجزاءً صينية.
ونتيجة هذا الحضور القوي للصين في أجزاء السيارات العالمية، أدى شلل القطاع داخلها إلى تعطّل سلسلة الإمداد بالفعل خارج الصين، حيث اضطُرت شركة “جاغوار لاند روفر” Jaguar Land Rover إلى نقل أجزاء من الصين في حقائب بالطائرات لضمان الإمدادات، بينما قالت شركة “فيات كرايسلر” إن أحد مصانعها الأوروبية سيُضطر إلى وقف الإنتاج، وكذلك أغلقت “هيونداي” و”نيسان” مصانع تابعة لها في كوريا الجنوبية.
الإنتاج نصف المعادلة فقط
في عملية البيع تحتاج الشركات إلى إنتاج البضاعة أولاً، لتؤمّن نصف المعادلة فقط، لكن التحدي الكبير الآن هو وجود النصف الآخر المتمثل بالاستهلاك الذي تحتاج عمليته إلى وكلاء يعرضون السيارات في الصالات الخالية حالياً من المستهلكين الصينيين المحاصرين بإجراءات الحظر.
ويعني هذا هبوطاً كبيراً متوقعاً للمبيعات قد يفوق التوقعات، وهو ما أشارت إليه وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني التي اعتبرت أن “التأثير الأكبر على القطاع من المرجح أن يأتي من انخفاض المبيعات خلال فترة انتشار الفيروس”، فيما شركة “جنرال موتورز” هي الأكثر عرضة للمخاطر، لأن نحو 40% من مبيعاتها يعتمد على الصين.
عملياً، انخفضت مبيعات الشركة في يناير/كانون الثاني 2020 بنسبة 40% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي.
وتشير حسابات “إل.إم.سي أوتوموتيف” إلى أن أكثر مناطق الصين تضرراً، التي تضم جميعها أكثر من 500 حالة فيروس، تمثل 61% من جميع مبيعات سيارات الركاب، و54% من إنتاجها، فيما تتمتع “فولكسفاغن” بأعلى حصة سوقية في هذه المناطق.
العربي الجديد