رغم فضائح الفساد التي يفترض أن تؤدي إلى محاكمته وربما سجنه فقد تمكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على حد تعبير وسائل إعلام، من إنجاز «أفضل أداء لحملة انتخابية على الإطلاق»، ورغم وجود أسباب عديدة لهذا النجاح، منها حاضنته الانتخابية الموالية، والحملة «القذرة» التي شنّها (كما وصفها الرئيس الإسرائيلي رؤوف ريفلين نفسه)، فإن هذه الأسباب لا تكفي مجتمعة لتفسير الوضع الإسرائيلي، ولا لكون صيرورة إسرائيل مثالا «رائدا» في ظاهرة عالميّة.
لا يمكن، في هذا السياق، إبعاد المساهمة الأمريكية الكبيرة في تمكين نتنياهو عبر تهشيم قوانين المنظومة العالمية فيما يخصّ الشعب الفلسطيني وأراضيه المحتلة، بحيث ما عدنا نفهم إن كان إنجاح نتنياهو يتطلّب من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تدمير حقوق الفلسطينيين والعرب والمسلمين فيما يخص مدينة القدس، وكذلك القضاء على أي حلم للفلسطينيين بدولة حقيقية عبر إفراغ حلّ الدولتين من أي أس يمكن أن يرتكز عليه، أم أن تدمير كل الشرع والمبادئ والقوانين الأممية، وتشريع الإبادة وتغيير الديمغرافيا واحتقار البشر هو الشرعة الجديدة التي تريد الإدارة الأمريكية أن تؤسسها وتدعمها في كل أنحاء العالم.
الجواب البسيط على هذا التساؤل قدّمته زيارة ترامب للهند، والتي اعتبرت دعماً غير محدود لسياسات رئيس الوزراء الهندي ناربندرا مودي، الذي يصفه البعض بأنه «النسخة الآسيوية» للشعبوية التي يمثلها ترامب، وتشبه قراراته الأخيرة، وخططه الموجهة ضد المسلمين في الهند، خطط التغيير الديمغرافي التي يعمل نتنياهو على وصولها إلى ذروتها العليا ضد الفلسطينيين.
تمثل سياسة إسرائيل التي اعتمدت جذب اليهود من كل أنحاء العالم والطرد المنهجي للفلسطينيين من أصحاب البلاد مثالا ناجعا لأشخاص مثل مودي، الذي بدأ حياته السياسية برئاسة حكومة غوجارات بين 2001 و2014 في الوقت الذي أدت أعمال العنف الديني للهندوس إلى مقتل أكثر من ألفي مسلم، وقد افتتح ولايته الأخيرة كرئيس للوزراء بإقرار قانون يسمح لأقليات العالم بالحصول على الجنسية الهندية مع استثناء المسلمين، كما قام بتعميم تجربة «السجل القومي للمواطنين»، مما سيؤدي عمليا لإقصاء عشرات الملايين من المسلمين عن الجنسية الهندية، وبضم كشمير ذات الأغلبية الإسلامية.
يمكن بسهولة أيضا إضافة أعمال الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية التي مارستها حكومة زعيمة ميانمار المنتخبة أونغ سان سو تشي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام بسبب «نضالها» الديمقراطي ضد حكم الجنرالات، والتي انتهت بعد ذلك النضال الديمقراطي العتيد بدعم جرائم الجنرالات والجيش ضد مسلمي الروهينجا التي أدت لمقتل آلاف المدنيين ولجوء قرابة المليون من المسلمين الميانماريين إلى بنغلاديش وبلدان مجاورة.
تضعنا هذه الأحداث إلى رؤيتها كظاهرة عالمية هائلة تستخدم الأنظمة الديمقراطية للأغلبيات السكانية لأغراض معادية لجوهر الديمقراطية بما هي نظام لاحتواء الآخرين وللعدالة النسبية اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، وهذه ظاهرة إشكاليّة لكونها تقدّم تحالفا عابرا للأنظمة السياسية، بين نظم مستبدة كما هو الحال في الصين وروسيا، ونظم «ديمقراطية»، بحيث نصل إلى نتائج كارثيّة تشكل تحديا هائلا للبشرية غير مسبوق.
القدس العربي