كورونا يشلّ سياحة “الأعتاب المقدسة” في العراق

كورونا يشلّ سياحة “الأعتاب المقدسة” في العراق

توقف بدر الجلاوي -وهو مدير فندق عراقي- برهة كي يتذكر متى وصل آخر ضيف إلى مدينة النجف التي يقصدها ملايين الزوار الشيعة.

ومع انتشار فيروس كورونا، فرضت السلطات حظرا على الزوار الأجانب، مما شلّ صناعة كانت تترنح بالفعل تحت وطأة الاحتجاجات المناهضة للحكومة وأزمة اقتصادية في إيران (مصدر معظم الزوار الأجانب) التي يأتي منها في العادة خمسة ملايين زائر سنويا.

وصارت الفنادق خاوية في النجف التي يوجد بها ضريح الإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وفي كربلاء المجاورة التي بها ضريح الحسين بن علي -رضي الله عنهما- وهما من أقدس البقاع لدى الشيعة، في حين راحت محلات الهدايا التذكارية والمطاعم تحصي خسائرها.
وقال الجلاوي “توقف العمل.. لم يزرنا زائر أجنبي واحد منذ نحو ستة أشهر”، مضيفا “قفزت معدلات البطالة (في النجف)”، حتى إنه سرّح موظفيه الأربعين باستثناء ثلاثة منهم في مكتب الاستقبال ذي الإضاءة المنخفضة.

بطالة
وقال رئيس جمعية الفنادق والمطاعم المحلية صائب راضي أبو غانم إن نحو أربعة آلاف شخص يعملون في قطاع الضيافة، أصبحوا عاطلين عن العمل في النجف لأن معدل الإشغال في 350 فندقا تضم 40 ألف سرير، هو في واقع الأمر “صفر”.

وكان آخر ضيف زار ضريح الإمام علي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي عندما اندلعت الاحتجاجات المناهضة للحكومة وأغلقت الطرق.

وأثارت الأخبار عن مقتل 500 محتج مخاوف كثيرين من إيران ومن دول الخليج وباكستان ولبنان وغيرها فصرفتهم عن الزيارة.

وقد تؤدي زيادة البطالة إلى تأجيج الاحتجاجات التي تحركها شكاوى الكثير من العراقيين من الفساد وسوء الإدارة ونقص الخدمات الأساسية رغم ثروة العراق النفطية.
ولا يزال الزوار العراقيون يأتون ولكن في رحلات يومية غالبا، مما يعود بنفع زهيد على الاقتصاد. كما أغلقت الكثير من المتاجر في الشوارع الضيقة حول الضريح أبوابها، أما المتاجر المفتوحة فلا نشاط يذكر فيها.

يقول عمار سعدون الذي يعمل خياطا “كانت النجف دائما مقصدا للزوار، لكن لم يعد لديّ عمل يذكر أقوم به الآن”. وكان سعدون يدير متجرا من غرفة واحدة منذ 40 عاما، لكن الأعمال نادرا ما كانت سيئة مثلما هي عليه الآن.

ولا تعد السياحة صناعة رئيسية في النجف فحسب، بل أيضا في كربلاء وبغداد وسامراء التي توجد بها مزارات للشيعة.

وقال أبو غانم إن أكثر من عشرة ملايين شخص كانوا يصلون سنويا إلى النجف وحدها، نصفهم من إيران، وكان يتم حجز الفنادق عادة في هذا الوقت من العام الذي يتزامن مع عطلات مدرسية في بعض دول الخليج.

وتواجه صناعة السياحة القائمة على زيارة “العتبات المقدسة” صعوبات منذ سنوات بسبب الأزمة الاقتصادية في إيران التي انهارت عملتها عام 2018 جراء العقوبات الأميركية.

وتفاقمت الأزمة بفعل الفراغ السياسي في العراق. وقال الجلاوي إن “هذا فيروس كورونا ثان، ولا توجد دولة ولا رئيس للوزراء”، مضيفا “لدي مصاريف شهرية قدرها عشرة آلاف دولار لمصاريف الكهرباء والماء والضرائب.. يجب أن نحصل على إعفاءات”.

ولا يزال هناك فندق واحد يعمل، وهو فندق قصر “الدر” من فئة خمس نجوم، حيث يشغل الزوار الكويتيون نحو 120 من أصل 420 غرفة. ويقيم هؤلاء الزوار في الفندق إلى أن تتوصل سفارتهم إلى طريقة لإعادتهم، وهناك طبيب يفحصهم باستمرار.

وقال محمد جاسر -وهو زائر كويتي- “لم تعد هناك رحلات جوية، لذا لا نعرف متى نستطيع العودة إلى بلادنا”.

وبمجرد رحيلهم، يفكر مالك الفندق نوري نور في إغلاق أبوابه وتسريح موظفيه الستين الذين يرتدون الكمامات.

وتفحص السلطات المسافرين غير المقيمين عند حواجز الطرق المؤدية إلى النجف وكربلاء التي ألغت صلاة الجمعة لأول مرة.

لكن الكثير من زوار ضريح الإمام علي القادمين في رحلات يومية لا يردعهم رادع، فلا يرتدي الكمامات سوى عدد قليل منهم.

وقال سعيد الموسوي (67 عاما) -وهو رئيس مجموعة زوار من مدينة البصرة (جنوبي البلاد)- “جئت إلى هنا أكثر من ألف مرة”، مضيفا أن “الله يحفظنا، فلماذا أخاف”؟

المصدر : رويترز