كشفت مصادر سياسية شيعية عن اجتماعات متواصلة منذ أيام يعقدها زعماء الأحزاب والكتل الشيعية في العراق، بمشاركة عدد من رجال الدين للحيلولة دون أن يفقد الشيعة منصب رئيس الوزراء الذي تقرّر لهم وفق المحاصصة الطائفية منذ عام 2003.
وذكرت المصادر في تصريح لـ”العرب” أن التجربة السياسية الشيعية في العراق تغلي على نار التناقضات والتفاعلات، بانتظار تحوّل ما، بينما يخطط بعض “ساسة المكوّن” لتنفيذ “عملية إنقاذ” قبل الوقوع في شرك “خسارة الحاكمية”، خصوصا بعد وصول التنسيق السني والكردي إلى مراحل متقدمة بهدف إنهاء احتكار الشيعة لمنصب رئيس الوزراء.
ويهتم المشروع الجديد بدفع القوى الشيعية العراقية إلى تحديد خطوط حمراء لا يسمح بتجاوزها، بغض النظر عن درجة الخلافات الداخلية بين الأحزاب والميليشيات الشيعية، وفي مقدمتها الحفاظ على حق المكون في تسمية رئيس للوزراء، واستثمار حقيقة الأغلبية الشعبية والسياسية للشيعة في العراق من أجل توسيع مساحة تأثيرهم في نهج إدارة الدولة.
وتعتقد المجموعة التي تعكف على تأسيس هذا المشروع أن الخلافات الداخلية أضرت بقوة المكون الشيعي سياسيا، وعكست فشل أحزابه عن استثمار حقيقة الأغلبية في تعاطيها مع المكونات الأخرى، لكنها تقرّ من باب آخر بأن التوصل إلى نتائج مفيدة يستلزم تجاوز العديد من العقبات الكبيرة، وفي مقدمتها عناد رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر ورغبته في الانفراد بالمشهد المحلي.
ومنذ إعلان سقوط المكلف بتشكيل الحكومة العراقية محمد توفيق علاوي في اختبار البرلمان، تنشغل أوساط قوى شيعية راديكالية بدراسة أثر الصراعات السياسية الداخلية على مستقبل المكوّن الشيعي في العراق بصفته محتكرا لمنصب رئيس الوزراء، استنادا إلى قاعدة الأغلبية في الأنظمة الدكتاتورية.
ويقول ممثلون عن هذه القوى الراديكالية إن قدرة السنة والأكراد على تقويض الرغبة الشيعية بتكليف علاوي تمثل تهديدا خطيرا لاحتكار الشيعة للحكم في العراق بعد 2003.
وباستثناء تجربة علاوي، لم يسبق أن تعرضت الخيارات السياسية للأحزاب الشيعية في إدارة الدولة إلى هذا النوع من الاختبارات العلنية القاسية، الذي يظهرها شديدة الضعف أمام جمهورها في مواجهة أحزاب المكونات الأخرى، إذ جرت العادة على تنضيج كل شيء في الكواليس، وإخبار الجمهور بالنتائج العلنية لعمليات التوافق والتحاصص المعقدة.
المشروع الشيعي الجديد
- وحدة الطائفة خط أحمر وإن حصلت خلافات بين الأحزاب
- عدم التنازل عن حق الشيعة في تسمية رئيس الوزراء
- استثمار الأغلبية الشعبية للتأثير في نهج إدارة الدولة
وكشفت تجربة علاوي عن عمق الأزمة داخل الأحزاب التي تمثل المكوّن الشيعي وافتقارها لأدنى مستويات الثقة والتقدير والاحترام لبعضها البعض، بفعل ما يقول مراقبون إنه مؤثر خارجي.
ولم يترك الإيرانيون شيئا من السياسة للأحزاب الشيعية العراقية، بل احتكروا كلّ شيء، حتى تحولت هذه الأحزاب إلى مجرد أبواق تتنافس فيما بينها على لقب “أهم عملاء طهران في بغداد”، ما سلبها احترام الجمهور وقيمتها الخاصة في المفاوضات الداخلية.
وعندما انكفأت إيران على نفسها داخليا لتواجه محنة تفشي وباء كورونا، بعد نحو شهرين فقط من خسارتها أهم أذرعها الخارجية، الجنرال ذائع الصيت قاسم سليماني، تراجع دورها السياسي في بغداد، ففضحت الأحزاب الشيعية العراقية بعضها بعضا، وتورطت في صراعات كشفت كم هي ضعيفة وعاجزة عن العمل من دون المؤثر الخارجي.
وتنقسم الأحزاب الشيعية في العراق إلى فصيلين، يضم الأول جميع الموالين لإيران وهم زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي وزعيم منظمة بدر هادي العامري وزعيم حركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي وزعيم حركة عطاء، رئيس هيئة الحشد الشعبي ومستشار الأمن الوطني، فالح الفياض، فضلا عن زعماء عدد من الميليشيات كالنجباء وكتائب الإمام علي وكتائب سيد الشهداء وسرايا الخرساني وكتائب حزب الله، فيما يضم الفصيل الثاني الأطراف ذات العلاقة المتوترة أو الملتبسة مع إيران كائتلاف النصر بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي وتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم.
وفي الوسط، يقف مترددا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي اعتاد أن يضع رجلا مع إيران وأخرى مع خصومها، وإن كان مؤخرا اختار الانخراط في المحور الإيراني كليّا وبشكل علني.
ويلوم الفصيلان الشيعيان مقتدى الصدر على مواقفه المتذبذبة.
ويعتقد الفصيل الأول أن رغبة الصدر الحديثة بالاستحواذ على أبرز أبواب النفوذ الإيراني في العراق نفّرت منه كل أصدقاء طهران، إذ بدا زعيم التيار الصدري متغطرسا، بعد مقتل سليماني وأبومهدي المهندس، في غارة أميركية قرب مطار بغداد بداية العام الجاري، حتى أنه أساء تقدير قوة الآخرين.
وكان واضحا أن هذه الأطراف، عندما تجاهلت محمد توفيق علاوي ولم توفر له الدعم الكافي داخل البرلمان، أرادت معاقبة الصدر على غطرسته وغروره، ووضعته في حجمه الطبيعي.
وقبيل جلسة التصويت على علاوي ظهر الصدر في لقاء تلفزيوني، متحديا جميع الأطراف السياسية بأنه سيمرر علاوي رغما عنها، بالرغم من أن حلفاء إيران لم تكن لديهم إشكاليات جوهرية مع المكلف بتشكيل الحكومة.
في الجهة المقابلة، يعتقد الفصيل الثاني أن انقلاب الصدر الأخير نحو الحضن الإيراني أضعف كثيرا مشروع الممانعة الشيعية العراقية لتمدد طهران السلبي داخل العراق، بعدما أوشك بسبب احتجاجات أكتوبر أن يقطف ثماره.
لذلك يبدو أن مقتدى الصدر هو نقطة المركز في الجدل الشيعي بشأن المنهاج السياسي الأمثل لتمثيل المكوّن.
وعلى هذا الأساس تعكف مجموعة من الساسة الشيعة، ممّن يمثلون الأحزاب والتيارات اليمينية الموالية لإيران، على بلورة مشروع يركّز في جوهره على التنبه للمخاطر التي تحيط بحقيقة احتكار الشيعة لمنصب رئيس الوزراء، في ظل الصعود الجديد لسياسة التنسيق السني الكردي عبر رئيس البرلمان محمد الحلبوسي الذي ينحدر من محافظة الأنبار والزعيم الكردي مسعود البارزاني في أربيل.
صحيفة العرب