استيقظ العالم فجر الاثنين التاسع من مارس 2020 على «زلزال اقتصادي» حيث انهارت أسعار النفط بصورة لم يسبق أن تم تسجيلها من قبل مطلقا في تاريخنا الحديث، فقد تراجعت الأسعار خلال دقائق معدودة بأكثر من 30%، وذلك بعد عدة أيام من الخسائر المتواصلة التي أدت به إلى أن يهوي إلى مستويات لم نعرفها منذ سنوات.
ما حدث في الأسواق يشكل انهيارا وليس هبوطا عاديا أو منطقيا، هو انهيار بكل معنى الكلمة، إذ لا توجد سلعة تفقد ثلث قيمتها خلال دقائق معدودة، ناهيك من أننا نتحدث عن السلعة التي كان يُطلق عليها الناس طيلة العقود الماضية اسم «الذهب الأسود»، وهو السلعة التي نقلت العرب من الفقر والحاجة إلى الثراء طيلة العقود الماضية، ليبرز اليوم السؤال الأهم، وهو: ما أسباب هذا الانهيار؟
واقع الحال أن ثمة ثلاثة أسباب لا رابع لها أدت إلى هذا الانهيار في أسعار النفط، والحقيقة أنه كان من الممكن توقع وقراءة هذا الهبوط، وإن كان من المستحيل التنبؤ بأن يحدث بهذه الدرجة من السرعة التي تشكل سقوطا حرا للمؤشرات.
*السبب الأول وراء الانهيار هو انتشار فيروس كورونا، والقلق العالمي غير المسبوق من الوباء، ما يعني بالضرورة أن العام الحالي سوف يشهد هبوطا حادا في الطلب على النفط ومشتقاته بسبب أن أغلب دول العالم اتخذت إجراءات للحد من السفر والتنقل، فضلا عن أن الصين هي مركز الوباء، وهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ودخولها في الركود يعني بالضرورة انخفاض طلبها على النفط والوقود بكل أنواعه.
تبدو المنطقة العربية أمام أزمة اقتصادية مقبلة، وملامح هذه الأزمة تتضح شيئاً فشيئاً
*أما السبب الثاني للانهيار فهو فشل التوصل إلى اتفاق لخفض الإنتاج بين منظمة «أوبك» وروسيا، وفشل الاتفاق مرده سياسي بكل تأكيد وليس اقتصاديا، حيث أن التوازن الذي كان متحققا في الأسواق طيلة السنوات الثلاث الماضية، كان يصب في مصلحة الجميع. وبمجرد فشل التوصل إلى اتفاق تراجعت أسعار النفط بنسبة 10%، وفي يوم التداول التالي، أي يوم الانهيار، هوت الأسعار بنحو 30%، وفقد النفط ثلث قيمته خلال دقائق معدودة.
*السبب الثالث، وهو الذي ربما يكون القشة التي قصمت ظهر السوق، كان القرار الصادر عن السعودية، وهي أكبر منتج للنفط في العالم، والقاضي بخفض أسعار بيع نفطها لشهر إبريل 2020، ليصبح أقل بستة دولارات للبرميل الواحد عن أسعار البيع في مارس، وهو القرار الذي أدى إلى هبوط الأسعار في السوق، بأكثر من عشرة دولارات، فضلا عن أن القرار أعطى إشارة واضحة إلى أن «حرب أسعار» أو «حربا نفطية» قد اشتعلت بين السعودية وروسيا، ما أدى على الفور إلى الفوضى في السوق وفقدان السيطرة وانهيار الأسعار الفوري.
انهيار أسواق النفط أدى إلى فوضى شاملة في أسواق العالم، فبورصات الخليج منيت بخسائر لم تشهد لها مثيلا منذ سنوات، وشركة «أرامكو» السعودية فقدت أكثر من 300 مليار دولار من قيمتها السوقية، خلال ساعات معدودة، هذا فضلا عن ارتفاع قياسي للذهب والعملات الآمنة، وخسائر متلاحقة ومتفاقمة في أسواق الأسهم العالمية. لم يعد اليوم مهما جدا أسباب الانهيار في أسواق النفط، لكن الأهم من الأسباب هو، إلى متى سيتستمر هذا الهبوط، وحتى متى ستظل الأسعار عند هذه المستويات المتدنية؟ وفي حال استمرت الأسعار المتدنية فما مصير منطقتنا العربية واقتصاداتها التي تعتمد في إيراداتها المالية على مبيعات النفط منذ سنوات طويلة؟
تبدو المنطقة العربية أمام أزمة اقتصادية مقبلة، وملامح هذه الأزمة تتضح شيئاً فشيئاً، فسعر البرميل الواحد من خام «برنت» وصل 72 دولاراً في بداية العام الحالي 2020، لكنه يتجه اليوم إلى 30 دولاراً، وسط تحذيرات بأن يهوي نحو الـ20 دولاراً، أي تعود الأسعار إلى المستويات التي كانت عليها في ثمانينيات القرن الماضي، ويومها كان العالم العربي يعاني أصلاً من ركود، فكيف به اليوم لو عادت الأسعار إلى تلك المستويات؟
محمد عايش
القدس العربي