حتى الآن من غير المعروف الأسباب الحقيقية التي حولت موقف موسكو من التنسيق والتقارب مع الرياض في دعم السوق النفطية، إلى العداء وحرب الأسعار والحصص. وقد أحدثت “الحرب” ما يشبه التسونامي في أسعار النفط يوم الاثنين، حيث دفعته من 50 دولاراً إلى نحو 33 دولاراً للبرميل وأفقدته نحو 30%.
ويرى العديد من خبراء الطاقة، أنها حرب شرسة ربما ستكبد الجميع خسائر مالية باهظة، في وقت تبدو فيه كل من موسكو والرياض في أمس الحاجة لموارد مالية من مبيعات الذهب الأسود، ويحاصر فيه فيروس كورونا السلع الأولية والصناعة والسفر التي تخلق الطلب العالمي.
وفي خطوة تعكس غضب الرياض وحجم الخلاف بين الرياض وموسكو، أعلنت شركة أرامكو النفطية السعودية في بيان أمس الثلاثاء، عزمها تزويد عملائها بـ 12.3 مليون برميل يوميا في إبريل/ نيسان المقبل، بزيادة 300 ألف برميل يوميا، عن الطاقة القصوى المستدامة البالغة 12 مليون برميل يومياً.
وتعد هذه هي المرة الأولى التي تنتج فيها السعودية بهذا المستوى، إذ إنها عادة ما تنتج فوق 10 ملايين برميل نفط يومياً وتحتفظ بالباقي كطاقة فائضة تستخدمها وقت الأزمات العالمية.
لكن بغض النظر عن مستويات الإنتاج السعودي، فإن الخطوة تعكس إصرار الرياض على المضي في الحرب الشرسة واستخدام كل الأسلحة الممكنة لتدمير الأسعار النفطية وانتزاع جزء من حصص الشركات الروسية في أسواق الطاقة الرئيسية.
وحسب الخبير أوليفر جاكوب بشركة بتروماتركس الأميركية، فإن الرياض تستخدم “استراتيجية الصدمة” في نزاعها مع موسكو، وتتجه لإيقاع أكبر الخسائر بصناعة النفط الروسية وربما انتزاع جزء من حصصها التسويقية في أوروبا.
وحول الأسباب وراء هذه الحرب النفطية الشرسة، ترى الخبيرة النفطية بوحدة الدراسات الاقتصادية، (إيكونومست إنتلجينس يونت) في لندن، كالين بيرش، أن روسيا لا ترغب في خفض الإنتاج النفطي حتى لا تدعم الأسعار وتفيد بذلك صناعة النفط الصخري الأميركية.
وربما ترى موسكو في تداعيات تفشي “فيروس كوفيد 19” الذي ضرب أسعار الخامات النفطية، فرصة للانتقام من الولايات المتحدة التي تحارب تمددها في أسواق الطاقة الأوروبية وتحظر شركاتها أملاً في انتزاع سوق الغاز منها.
وهذا التحليل أشارت إليه الخبيرة بيرش للأسباب وراء حرب الأسعار في تعليقات يوم الاثنين، لقناة “سي أن بي سي” الأميركية، حيث قالت إن “توتر العلاقات بين موسكو وواشنطن واصرار أميركا على تقويض السيطرة الروسية على صناعة الغاز الطبيعي في أوروبا، ربما يكون وراء الرفض الروسي لدعم أسعار النفط”.
وكان الرئيس فلاديمير بوتين، قد قال قبل أسبوع من اجتماع “أوبك+” في فيينا، إن سعر 40 دولاراً للبرميل سعر مقبول بالنسبة لبلاده.
ويتفق الخبير مانوشاهير تاكين، الذي كان يعمل سابقاً مع أوبك في فيينا، مع الخبيرة بيرش حيث يقول “إن رفض موسكو خفض الإنتاج يعود إلى رغبة الرئيس بوتين في الضغط على صناعة الطاقة الروسية”. ويلاحظ أن الولايات المتحدة عملت على عرقلة مد خط الغاز الروسي تحت بحر البلطيق الذي يعرف باسم “نورث ستريم 2” إلى ألمانيا، عبر مجموعة من قرارات الحظر.
وتسعى الشركات الأميركية إلى تسويق شحنات الغاز الصخري المسال إلى الدول الأوروبية منذ العام الماضي، وقد أنشئت نحو 20 محطة لتسييل وشحن الغاز في الموانئ الأميركية بغرض أخذ حصة كبيرة من سوق الغاز في الدول الأوروبية.
وبالتالي، فإن بعض خبراء الطاقة، يرون أن بوتين وضمن استراتيجية الهيمنة على أسواق الطاقة وممراتها في أوروبا وآسيا يسعى للإبقاء على أسعار النفط والغاز منخفضة لأطول فترة ممكنة حتى يتمكن من تحطيم صناعة الغاز والنفط في أميركا، وإفساح المجال لصناعة الطاقة الروسية بالتمدد في أوروبا وآسيا حتى وإن كان ذلك سيكبد الشركات النفطية الروسية بعض الخسائر على المدى المتوسط.
ومعروف أن شركات النفط والغاز الصخري في الولايات المتحدة تعاني حالياً من أزمات مالية ذات شقين، أحداهما عدم القدرة على خدمة الديون المتراكمة وسط انخفاض أسعار النفط والغاز، والثانية أزمة الحصول على تمويلات جديدة بعد هروب المستثمرين من أسهمها وسنداتها في سوق “وول ستريت” بسبب تحطيم فيروس كورونا للطلب داخل أميركا وفي آسيا.
وكانت وكالة موديز للتصنيف الائتماني قد حذرت الشهر الماضي من المخاطر المالية التي تواجه شركات الطاقة الأميركية.
وقالت الوكالة إن “هذه الشركات تعاني حالياً من أزمة في الحصول على تمويلات جديدة والقدرة على السداد”. وهو ما يعني أن العديد منها ربما ستسجل نفسها للحماية من الإفلاس إذا استمرت أسعار النفط منهارة لفترة أكثر من ستة أشهر أخرى.
لكن في مقابل هذه التفسيرات، يرى آخرون أن هناك شكوكاً عميقة في الكرملين حول أهداف السياسة النفطية السعودية وعما إذا كانت جزءا من استراتيجية الرئيس الأميركي ترامب الرامية لتحطيم الزعامات المنافسة لبلاده في العالم وخاصة المعسكر الروسي الصيني.
يُذكر أن انهيار أسعار النفط التي حدثت في الثمانينيات من القرن الماضي بسبب إغراق الرياض للأسواق بالنفط وتحطيم الأسعار إلى 10 دولارات، كانت السبب في حدوث أزمة مالية في روسيا.
وعلى الرغم من أن الرياض تنفي أنها طبقت خطة الإغراق بهدف ضرب الاقتصاد الروسي، إلا أن شكوك موسكو في الرياض لم تنته حتى بعد الزيارات ووعود تنشيط العلاقات التجارية والنفطية. ولكن المؤكد أن روسيا لم تكن تضع في حسابها انهيار أسعار النفط إلى هذه المستويات المتدنية.
العربي الجديد