رحلات جوية ألغيت، سفن بحرية حجزت، مدارس أقفلت، اقتصادات عالمية على شفير الانهيار، طرقات شبه مهجورة، محلات تجارية فارغة… والكلمة الأكثر تداولاً بين الناس هي «كورونا»، والكلمة الأكثر بحثاً على محرك «غوغل» هي أيضاً «كورونا».
لن أدخل في تفاصيل هذا الفيروس لأن الجميع يعرف أنه بدأ في الصين، في مدينة ووهان تحديداً، لينتشر حول العالم، ويحصد نحو 3 آلاف من الناس في غالبية بقاع العالم.
لطالما كانت الأمراض موجودة منذ بدء الخليقة، إلا أن انتشارها اليوم أسرع مع تقدم وسائل السفر والتنقل، فأصبح العالم صغيراً. ومع وجود منصات كثيرة للتواصل الاجتماعي الافتراضي، أصبحت الأخبار بمتناول الجميع، في أي وقت، ومن دون رقابة.
فيروس «كورونا» وباء عالمي تكتنفه الأسرار والأقاويل والتهويلات والتخويف والترهيب. فعندما تسمع نشرات الأخبار، أو تبحث عن أصل المرض وأعراضه، تشعر وكأن العالم على وشك الانتهاء، وسنموت جميعاً إذا ما عطس أحدهم بجانبنا. هناك من يظن أن «كورونا» أخطر مرض عرفه التاريخ، في وقت تقول فيه الحقيقة العلمية إن الإنفلونزا تقتل بنسبة ستين مرة أكثر في العام الواحد. وهناك من يعتقد أن كل شخص تنتقل إليه العدوى سيموت حتماً، والحقيقة تقول إن نسبة 2 في المائة فقط من حالات الوفاة التي تم تسجيلها كانت لها علاقة بجهاز المناعة أو السن أو الأمراض الأخرى التي كان يعاني منها الشخص قبل الإصابة.
وبما أن مصائب قوم عند بعض الأقوام فوائد وأرباح مادية، من خلال بيع الأقنعة الواقية للحماية من الفيروس، فالطريقة الأفضل تكمن في غسل اليدين والعطس في منديل يرمى على الفور.
والأسوأ في مسألة الفيروس الفورة العنصرية التي رافقته، فأصبحت الملامح الصينية مصدر رعب، وأصبح التلاميذ الآسيويون عرضة للضحك والنكات، وفي بعض الأحيان الضرب.
وبصراحة، ما نقرأه من حوادث عنصرية، وتقديم معلومات مغلوطة لنشر الذعر وشل الاقتصاد وبث الخوف في صفوف الناس، أخطر من الفيروس عينه.
أنا لا أقلل من خطر «كورونا»، ولا أقول إنه لا يوجد، ولا يؤدي إلى الموت، وإنه لن يقتل أحداً. فالأرقام والإحصائيات لا تكذب بهذا الخصوص، ولكن هناك حملة ترهيبية منظمة. والمضحك المبكي هنا أن الفيروس بدأ في الصين، ذلك العملاق الاقتصادي الذي بإمكانه بناء مستشفى في أقل من أسبوع، واليوم تحولت الأنظار من الصين إلى العالم. وهناك رأي يقول إن أميركا كانت من أبرز المخرجين لفيلم الرعب الصيني وجوداً على الساحة بهذه الحملة الترهيبية لضرب اقتصاد الصين، وهناك من يرى أن الصين تريد أن تثبت أنها بفيروس واحد يصدر منها يمكنها أن تشل اقتصاد العالم، ومن شأنها أن تحول مدن العالم إلى مدن أشباح.
في لندن، على سبيل المثال، الحركة شبه معدومة في الحي الصيني، وفي شوارع التسوق، منظر بعضهم وهم يغطون أنوفهم وأفواههم بالقناع مريب فعلاً. وهناك خوف حقيقي من هذا الفيروس اللعين. وكيف لا وكل الأخبار تتكلم عن خطورته وارتباطه بالموت؟
أميركا كانت أول قائد أوركسترا للتطبيل للمرض، ناسية أن عدد الذين يموتون فيها كل عام من الإنفلونزا يتعدى 650 ألف شخص، في حين يصل عدد المصابين بالإنفلونزا الحادة سنوياً إلى 5 ملايين. ولتهدئة رعب الأميركيين، غردت «سيلف ماغازين» برسالة إليهم، مفادها: «الإنفلونزا تشكل خطراً أكبر على أميركا».
كما أن هذه ليست المرة الأولى التي يحتل فيها وباء المسرح الإخباري. فبين الفينة والأخرى، تطفو على السطح أزمة صحية عالمية، مثل إيبولا وإنفلونزا الخنازير وسارس، وغيرها من الأوبئة التي نالت نصيبها من الإضاءة الإعلامية التي نسجت منها أفلام رعب.
ولكن يبقى فيروس «كورونا» فيلم الرعب الأكثر تأثيراً، وله وقع قوي على المشاهد، فيعشش في الذهن، ويجعلنا نموت من التهويل أكثر منه من المرض. ولا يسعنا أن نتمنى غير أن تكون النهاية سعيدة، وتعود حياتنا إلى هواجسها المعهودة، بعيداً عن الرعب والقلق الإضافيين. فالحياة أصلاً صعبة حتى من دون «كورونا». ندعو من الله الرحمة.
جوسلين إيليا
الشرق الاوسط