عملية التفجير التي استهدفت رجال الأمن بقوات الطوارئ الخاصة بمنطقة عسير، جنوب المملكة العربية السعودية، والتي ذهب ضحيتها 12 من رجال الأمن، و3 من العمال، إضافة إلى إصابة 7 آخرين بعضهم حالتهم حرجة، لم تخرج عن أسلوب وطريقة تنفيذ “تنظيم الدولة الإسلامية”، بهدف إيقاع أكبر عدد من الضحايا في مكان التفجير.
ويعتمد التنظيم في تنفيذ عملياته على عناصر ليست مرصودة من قِبل الجهات الأمنية، ولا مطاردة، وغير معروفة، وهو ما يسهّل لها حركة الوصول إلى الهدف، وتنفيذ العملية، سواء داخل المملكة أو خارجها، كما حدث لمنفذ تفجير “مسجد الإمام الصادق” في الكويت، الذي غادر المملكة جوًا إلى مطار المنامة الدولي، ليمكث بضع ساعات بالمطار، ومنه إلى مطار الكويت، أي عبر 3 مطارات دولية خليجية دون توقيف أو إثارة انتباه، وهو الأمر الذي يعني أن مخزون البيانات عن عناصر “تنظيم الدولة” في دول الخليج بحاجة إلى “تغذية” و”تحديث”، وأن المعلومات التي يتم الحصول عليها ممن يتم القبض عليهم وتوقيفهم عن عناصر التنظيم، إما غير دقيقة خاطئة، أو أن المقبوض عليهم ليست لديهم معلومات للإدلاء بها.
وقد يكون السبب في غياب المعلومات عن عناصر “تنظيم الدولة” -“ولاية الحجاز”- حداثة عُمر التنظيم، وطبيعة التجنيد لعناصره، وعدم اعتماده على الرموز المعروفة التي يمكن اتباعها بسهولة، كما حدث مع تنظيم القاعدة والخلايا المتفرعة منه، وأن معظم من يتم تجنيدهم بطرق غير مباشرة، ولم يسافروا ويلتحقوا بالتنظيم في الخارج ليسهل رصدهم وتتبعهم، ومن ثم فإن رصد عناصر “داعش” فيه صعوبة، والتنبوء بعملياتها ليس سهلاً، ويحتاج إلى وقت طويل، كذلك اختراق التنظيم من الداخل لرصد تحركاته أمر صعب جدًا، نظرًا لأنه يعمل وفق خلايا عنقودية ضيقة جدًا، وقد لا يرتبط بعضها مع بعض، فإذا كشفت خلية فلن تُكشف الأخرى، ولعل التنظيم استفاد بقوة من إمكاناته وقدراته الكبيرة في سوريا التي يسيطر على 40% من مساحتها، والعراق التي يتحرك في أكثر من 30% من أرضها ويخضع لسيطرته، ولديه الموارد المالية، فليس بحاجة إلى تبرعات ودعم.
طريقة وأسلوب التفجير الذي حدث في مسجد قوات الطوارىء الخاصة بعسير صورة كربونية من عملية التفجير في مسجد الإمام الصادق بالكويت، “انتحاري- مسجد- مصلين- حزام ناسف”، وهي الطريقة نفسها التي تم تنفيذها في مسجد علي بن أبي طالب في القديح بمحافظة الطائف، ومسجد الحسين في حي العنود بمدينة الدمام، ولعل الاختلاف الوحيد هو أن عمليات “القديح” و”العنود” و”الإمام الصادق”، كانت أيام جمعة، والمستهدف المصلون الشيعة، أما حادث مسجد قوات الطوارىء الخاصة بعسير فوقع أثناء صلاة ظهر الخميس، والمستهدف رجال الأمن.
وطبقًا للبيان الرسمي الصادر عن وزارة الداخلية، والذي بثته وكالة الأنباء السعودية الرسمية “واس”: “صرح المتحدث الأمني بوزارة الداخلية بأنه أثناء قيام مجموعة من منسوبي قوات الطوارئ الخاصة بمنطقة عسير بأداء صلاة الظهر جماعة في مسجد مقر القوات، حدث تفجير في جموع المصلين نتج عنه استشهاد عشرة من منسوبي القوات، إضافة إلى ثلاثة من العاملين في الموقع، وإصابة تسعة آخرين، ثلاثة منهم إصاباتهم بالغة، كما عُثر في الموقع على أشلاء يُعتقد أنها ناتجة عن تفجير بأحزمة ناسفة، ولا يزال الحادث محل متابعة الجهات الأمنية المختصة”، وبعد ساعتين من وقوع الحادث، تم الإعلان عن وفاة مصابين اثنين ليرتفع عدد القتلى إلى 12 من رجال الأمن، و7 مصابين.
“تنظيم الدولة الإسلامية” -ولاية الحجاز- أعلن في بيان له، مسؤوليته عن الحادث، البيان تم بثه على معرفات قريبة من التنظيم على موقعي التواصل الاجتماعي “فيس بوك” و”تويتر”، اللذان تناقلا صورة البيان، الذي كشف عن الاسم الحركي لمنفذ العملية، ويدعى “أبو سنان النجدي”، ومن المتوقع أن يصدر التنظيم بيانًا إلحاقيا فيه تفاصيل أوسع، أو صور للمنفذ.
التليفزيون السعودي الرسمي كان قد أشار، قبل صدور بيان وزارة الداخلية إلى أن التفجير الذي وقع في أبها أدى إلى مقتل 17 من رجال الأمن، وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية: إنه “من المبكر الحديث عمن نفذ الهجوم”، ولكن بعد بيان “ولاية الحجاز” صار من السهل الحصول على معلومات عن منفذ العملية.
ويعد هجوم الخميس الأكثر خطورة في الهجمات التي تعرضت لها قوات الأمن السعودية في الأشهر الأخيرة، وكانت السعودية قد شهدت في مايو/أيار تفجيرين انتحاريين في مسجدين للشيعة، أعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عنهما، الأول في القطيف في المنطقة الشرقية من المملكة، حيث قُتل 21 مصليًأ، وقُتل أربعة آخرون في تفجير في مسجد بالدمام بعد أسبوع من ذلك.
صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، قالت في تقرير لها عن مقتل 15 شخصًا بعد قيام انتحاري بتفجير نفسه في مسجد قوات الأمن السعودية جنوب المملكة إن “ الهجوم هو الأحدث في سلسلة من الهجمات التي تستهدف المساجد في توقيت يهدف إلى زيادة أعداد الضحايا“، وأوضحت “نيويورك تايمز” أن “داعش” يعتبر قوات الأمن والشيعة عدوين له في السعودية، مما يوحي بأن التنظيم متورط في الهجوم.
وذكرت “نيويورك تايمز”، أن الأشهر الأخيرة شهدت حملات لقوات الأمن ضد “داعش” أعلن خلالها عن اعتقال المئات في أنحاء المملكة، إلا أن تلك الحملات لم تنجح في وقف الهجمات، في ظل اعتماد التنظيم على استخدام الإنترنت لترويج أفكاره وتجنيد مسلحين، مما يصعب بشكل أكبر من منع العنف.
شبكة “بلومبيرج” الأمريكية، قالت: إن الهجمات في السعودية زادت منذ انضمام المملكة إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد “داعش” في سوريا العام الماضي، وتحدثت عن أن المملكة تقود كذلك حملة عسكرية في اليمن؛ بهدف استعادة سلطة الرئيس اليمني الحليف للمملكة عبد ربه منصور هادي التي انتزعها الحوثيون مطلع العام الجاري.
ونقلت عن “غانم نسيبة” مؤسس “كورنرستون جلوبال أسوشيتس” -الذي يقدم لعملائه النصيحة بشأن المخاطر في الشرق الأوسط- أن “تفجير الخميس له رمزية مزدوجة، وأشار إلى أن رمزية التفجير المزدوجة تكمن في أنه ضد قوات الأمن السعودية، كما أنه استهدف مسجدًا للسنة، في أول هجوم ضد مسجد سني بالمملكة منذ حصار الحرم المكي في 1979م”.
أما صحيفة “الجارديان” البريطانية فأشارت إلى أن الهجوم هو الأحدث في سلسلة من الحوادث الأمنية بالمملكة بعد تفجير مسجدين للشيعة خلال الأسابيع الماضية مما تسبب في مقتل عشرات المصلين، وذكرت أن تلك الهجمات يبدو أن هدفها إشعال التوترات الطائفية في دول الخليج التي تتواجد بها نسبة كبيرة من الشيعة، وسط مخاوف من تنامي النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، إلا أن التفجير الأخير كان موجهًا للسلطات السعودية التي اعتقلت العشرات من المشتبه في انتمائهم لـ”داعش” بالمملكة.
وتحدثت “الجارديان” عن أن “السعودية أصبحت أكثر حزمًا عسكريًا خلال الأشهر الأخيرة، وتقود حملة ضد حلفاء إيران في اليمن، وعانت المناطق الحدودية السعودية من عدد من الهجمات عبر الحدود مؤخرًا”.
عبداللطيف التركي
التقرير