في الوقت الذي ينتشر فيه وباء كورونا المستجد في كافة أنحاء العالم ويزداد حدة وتأثيرا حاصدا مئات القتلى يوميا في بلدان مثل إيطاليا واسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية وإيران، واتساع رقعة انتشاره في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وأستراليا، فقد قدمت بعض البلدان نماذج معاكسة أثمرت نجاحا كبيرا في احتوائه، كما حصل في الصين وكوريا الجنوبية.
السياسات الناجحة التي اتبعتها بعض الدول اعتمدت على عناصر منها تجميع قدرات الدولة السياسية والعسكرية والمالية والصحية واعتبار ما يحصل أولوية كبرى، كما فعلت الصين، التي تمكنت من حصار ما يقرب من 66 مليون شخص وتأمين متطلباتهم الصحية والغذائية، وساهم في ذلك بالطبع، المركزية السياسية الهائلة شديدة القسوة بالارتباط مع قدرات مالية وبشرية لا تنفد، وهو مثال لا يمكن انطباقه على باقي دول العالم.
الطريقة الثانية الناجحة في احتواء الجائحة اتبعتها دول مثل كوريا الجنوبية واليابان وتايوان وألمانيا (إلى حد كبير)، واعتمدت على التصرف بسرعة لاحتواء احتمالات المرض وتطبيق اختبارات الكشف عنه على عدد كبير من السكان للتشخيص المبكر، فتمكنت كوريا الجنوبية، على سبيل المثال، من اختبار عدد أشخاص خلال يومين أكثر ممن اختبرتهم الولايات المتحدة الأمريكية خلال شهر.
إضافة إلى ذلك اعتمدت الدول الناجحة على سياسة الاستعداد المبكر، كما فعلت تايوان، وهو عكس ما فعلته إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أغلق مركزا وطنيا لمكافحة الأوبئة عام 2018، وعزل المصابين، والتباعد الاجتماعي، وتعزيز تدابير النظافة الشخصية.
نشرت الدول الناجحة في معالجة الوباء محطات فيها مواد مضادة للبكتيريا في الشوارع، وأضحى الاستخدام المنتظم لأقنعة الوجه منتشرا على نطاق واسع، وحصل تفاعل واسع النطاق بين مقررات حكومات هذه البلدان وشعوبها، فلم تحصل حمى شراء الأغذية بالقدر الذي حصل في بقع أخرى من العالم، كما اتبع المواطنون إرشادات العزل المنزلي والتباعد الاجتماعي.
وصل الرعب الذي اجتاح العالم إلى مواطني البلدان العربية التي بدأت حكوماتها بإعلان إصابات مواطنيها بعد صمت وتجاهل وتكذيبات، وخرج بعض رؤسائها أو مسؤوليها الكبار لإعلان السياسات العامة الصحية كما فعلت حكومات المغرب والجزائر وتونس ومصر ولبنان وقطر والسعودية والإمارات وغيرها، وشاعت، كما هي العادة، اتهامات لخصوم سياسيين بالمساهمة في نشر الوباء، كما فعلت الرياض والمنامة باتهام طهران، وفعل مسؤولون مصريون باتهام الإخوان، وفي المقابل فقد قامت دول خليجية أخرى، بتقديم مساعدات طبية وإنسانية عاجلة لإيران، فيما استمر القتال العسكري في اليمن وليبيا، ولم يغيّر أي نظام عربيّ سياساته نحو مواطنيه.
وإذا كان من غير المتوقع أن تغيّر أنظمة عربية غارقة في غيّها سياساتها الداخلية أو الخارجية، فأقل المطلوب هو أن تعتبر بما جرى في كل أنحاء العالم وتحاول، ولو من باب الاضطرار، أن تحافظ على رأسها بمحاولة احتواء الجائحة التي لن تفرق بين حاكم ومحكوم.
قدس عربي