كورونا يهدد الاتحاد الأوروبي: استعادة السيادة الوطنية الصارمة

كورونا يهدد الاتحاد الأوروبي: استعادة السيادة الوطنية الصارمة

يبدو أن انتشار فيروس كورونا سيؤدي إلى تغيير في هيكلية الاتحاد الأوروبي، إذ إن بعض دوله قد تحاول الحفاظ على سياستها الوطنية بعد انتهاء الوباء، خصوصاً مع خرق زعماء المبادئ الأوروبية، في محاولة لتعزيز سيطرتهم على الحكم، ما يوحي وكأن القومية تشهد نهضة في المرحلة الحالية.
ولم تُثبت الإجراءات التي أقرتها الحكومات الأوروبية نجاعتها الكاملة في حماية الشعوب من الفيروس المتفشي في القارة العجوز، التي تزعم أنها مستعدة لمواجهة الأزمة بشكل أفضل من جاراتها. وفي هذا السياق، بينت التقارير أن دول الاتحاد، ومن دون إذن من شعوبها أو المؤسسات الأوروبية في بروكسل، استعادت سيادتها، وبعض القادة باتوا يحكمون بمرسوم، وكأن الجميع في حالة حرب. حتى أن العديد منهم عمد أيضاً إلى نشر الجيش في الشوارع للمساعدة في تنفيذ سبل الوقاية من فيروس كورونا الذي بدأ يفتك بشعوبهم.


الوباء أعاد تقسيم الأدوار بين السلطات المحلية والوطنية والأوروبية


لا بل أكثر من ذلك، فإن ولايات ألمانية، مثل بافاريا وزارلاند، تفردتا بالقرارات، وعمدتا إلى تقييد حركة المواطنين إلى الحد الأقصى، فيما القرار في برلين، وبالتوافق مع أغلبية رؤساء حكومات الولايات، قضى بترك حرية التحرك مع حظر التجمعات لأكثر من شخصين.

كل ذلك يؤشر إلى أن الوباء أعاد، بعد عقود، تقسيم الأدوار بين السلطات المحلية والوطنية والأوروبية، والكل بدأ يتحرك وفق هوامش وقدرات مالية معينة، بينها تقديم الدعم اللازم للأفراد والمؤسسات التجارية والمصانع والمراكز الطبية، وذلك بعدما شعرت العديد من السلطات المحلية بعدم الرضا عن توجهات الحكومات المركزية. حتى أنه اعتبر في بعض البلدان الأوروبية أن التدابير التي قام بها الاتحاد غير كافية للتعامل مع الظروف الحالية في ظل الانفتاح الذي شهده العالم، ما يوحي بأن هناك من يتناسى العولمة التي أدت إلى تسهيل التعاملات وتزايد حركة رأس المال وسياسات خفض أسعار الفائدة. وكأن المطلوب الآن وضع العالم المعولم على أساس واقعي جديد، عبر تعزيز قومية الدول والحدود الوطنية، ما يسمح بحماية المواطنين من الصدمات ومنع أجزاء من العالم من التأثر بالأزمات والصراعات.

إلى ذلك، خرق زعماء، مثل رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، بحجة جائحة كورونا، المبادئ الأوروبية وتقويض قواعد الديمقراطية، إذ يحاول تمرير قوانين تعزز سطوته، عبر تقدم حزب “فيديس” الحاكم للبرلمان بمشروع قانون طوارئ يسمح لأوربان بالحكم بمرسوم بدون إمكانية تعديل برلماني، وكأنه انتقال إلى الديكتاتورية. هذا الأمر ترفضه المعارضة بشكل قاطع، لأن من شأن ذلك أن يلغي أو يقيد العديد من الحقوق المدنية للأفراد، عدا عن إخضاع البلد، ولأجل غير مسمى، لأهواء أوربان، وفق ما أشار إليه رئيس الحزب الاشتراكي المجري برتالان توث. علماً أن التقارير تشير إلى أنه ستكون هناك محاولة ثانية قريباً قد تفضي إلى تمرير المشروع بأغلبية الثلثين. وفي بولندا، يواصل الرئيس أندريه دودا حملته الانتخابية، على الرغم من أن منافسيه اضطروا للتخلي عن حملاتهم بسبب انتشار كورونا.

وعلى الرغم من أن العديد من النخب تعتبر الإجراءات المتخذة حالياً بمثابة أضرار جانبية مقبولة، فإن محللين لا يستبعدون أن تميل دول أوروبية للحفاظ على سيادتها الوطنية الصارمة بعد انتهاء الوباء، بالرغم من الملفات الشائكة التي تعاني منها دول الاتحاد الأوروبي، وأهمها سياسة الهجرة عبر الحدود مع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إضافة إلى تحديات المناخ والرقمنة. يتزامن هذا مع ترجيحات بأن تتقلص ميزانية الاتحاد الأوروبي التي يتم الإعداد لها للأعوام السبعة المقبلة، بعدما طبقت دول التكتل حال طوارئ اقتصادية بسبب كورونا. وأكثر المتشائمين يُلمحون إلى أن الأزمات الثلاث الأخيرة التي حصلت في عقد واحد داخل أوروبا، أي اليورو واللاجئين وكورونا، ستبرهن الفشل التام للنظام الذي اعتبر أنه سيجلب الازدهار والأمن والتعاون إلى أوروبا، وأنه يتسبب بعواقب وخيمة على الاقتصاديات وأنظمة الضمان الاجتماعي ويعطل المسار العام وصحة الملايين من الناس.


تلمح نخب إلى أن أزمات اليورو واللاجئين وكورونا ستبرهن الفشل التام للنظام الذي اعتبر أنه سيجلب الازدهار لأوروبا


في المقابل، يعتبر خبراء في الشؤون السياسية الأوروبية أن الاتحاد الأوروبي ربما يعاني من خلل وظيفي في أقسام كبيرة منه، وهذا يرجع للمصالح الخاصة لبعض دوله، لكن ومهما حصل من إجراءات وتدابير، فإن الرهان الوحيد لجميع دول التكتل يظل مرتكزاً على الحل المشترك داخل منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي، وربما داخل مجموعة السبع وصندوق النقد الدولي. وتبرز التقارير أن هناك دولاً تسعى جاهدة للتحرر من عبء السلع الصينية، الطبية والصيدلانية مثلاً، تفادياً للتسول، خلال الأزمات، على أبواب بكين.

في المحصلة، ستكون الدول الأوروبية اليوم أمام اختبار حقيقي مع الأزمة الحالية، للمشاركة مع مراكز أبحاثها لاختراع وإنتاج أحدث الأدوية وتلك المضادة للفيروسات والبكتيريا، وذلك لتعزيز الاكتفاء الذاتي وكذلك في مجال الابتكار النوعي، تفادياً لتكرار النداءات التي أطلقتها مدينة هاينسبرغ الألمانية للحصول على مساعدة من بكين، كما وتزويد الصين بلداً مثل إيطاليا بمعدات تنفس صناعي بعد انكفاء التضامن الأوروبي. وفي هذا الصدد، بينت صحيفة “دي تسايت” الألمانية أنه بصرف النظر عن إغلاق الحدود، فإن ما قامت به ولايتا زارلاند ومكلنمبورغ فوربومرن باستقبال مواطنين فرنسيين للعلاج من كورونا في مستشفيات ألمانية، واستقبال مدينة لايبزيغ مواطنين آخرين من إيطاليا يمثل رمزاً للأمل، وألا نعود إلى القومية والأنانية.

عربي جديد