العراقيون يلقون بهوياتهم السياسية والطائفية خلف مصائبهم

العراقيون يلقون بهوياتهم السياسية والطائفية خلف مصائبهم

اعتاد العراقيون على العيش فرقاء بسبب المصالح السياسية والانتماءات الطائفية، الكل يخاف من الكل ويحذرون بعضهم البعض في غياب سلطة تحمي الجميع، إلا أن جائحة مثل فايروس كورونا الذي يحصد آلاف القتلى في أنحاء العالم، تجمعهم، فيضع السني يده في يد الشيعي ليساعدا محتاجا من ضائقة أقضت مضجعه.

بغداد- رغم الهلع الذي يحدثه فايروس كورونا، إلا أنه ثمة وجه إيجابي لهذه الكارثة، يعكسه الشارع العراقي عبر حملات تكافل مجتمعي، لتخفيف الآثار الاقتصادية عن العائلات المتضررة.

ولمحاصرة الفايروس، فرضت السلطات تدابير عديدة، ولاسيما في العاصمة بغداد، منها تقييد حركة المدنيين عبر حظر التجوال، وإغلاق المحال التجارية، وإيقاف أغلب الأنشطة الاقتصادية، لذا يجد العديد من العراقيين، وخاصة العاملين بأجور يومية، صعوبة في الحصول على قوت يومهم.

هذا الوضع الإنساني الخطير، دفع أطباء وتجارا وأصحاب محال لبيع المواد الغذائية وغيرهم، إلى تبني مبادرات لمساعدة العائلات المتضررة.

جميل الركابي (55 عاما)، صاحب كشك لبيع الوجبات السريعة في منطقة الشورجة ببغداد، يقول، إنه ترك عمله منذ أكثر من أسبوع، إثر فرض حظر التجوال وانعدام حركة المدنيين.

ويضيف، “لدي عائلة من 5 أشخاص، وأنا المعيل الوحيد لهم، ويجب علي شهريا دفع أجرة السكن وفواتير الكهرباء والماء، إضافة إلى تكاليف علاج من يتعرض للمرض”.

ويوضح الركابي، أن “هذا كله توقف الآن، فلا عمل لديّ لأسدد نفقاتي الشهرية، لكنني فوجئت بأن صاحب المنزل أبلغني بأنني لست مضطرا لدفع إيجار الشهر الجاري، وذلك على سبيل المساعدة”.

وإن اختلفت المهنة، فإن حال أحمد الياسري (33 عاما)، سائق سيارة أجرة، لا تختلف عن وضع الركابي. الياسري يقول، “منذ أكثر من أسبوع وأنا جليس المنزل، ليس لدي عمل، فحظر التجوال المفروض على بغداد، جعلنا دون مدخول يومي”.

ويتابع، “أغلب سائقي سيارات الأجرة من أصحاب الدخل المحدود، أي إننا لا نستطيع تأمين قوت يومنا، إذا بقي الوضع على هذه الحال فالمفروض على الحكومة أن تتدخل، لا أعرف كيف، لكن يجب عليها أن تساعدنا”.

في ظل ما يعانيه كثيرون، مثل الركابي والياسري، أطلق أطباء وتجار وأصحاب شركات ومحال تجارية وغيرهم، حملات للتبرع بالأموال أو السلع الغذائية، لمساعدة المتضررين من الفايروس.

أحد تجار المواد الغذائية في بغداد، إيهاب الجميلي، يقول، “في الوضع الحالي يجب علينا التكافل لتجاوز الأزمة، كلنا معرضون للإصابة بالفايروس، لكن يمكننا التقليل من آثاره السلبية بالتكافل ومساعدة المقتدر للمحتاج”.

ويردف الجميلي، “جهزت سلالا غذائية لمئات العائلات المتضررة من أزمة كورونا، وقمنا عبر فريق من المتطوعين بتوزيعها على المحتاجين.. الآلاف تضرروا، ومساعدتهم على تجاوز الأزمة باتت واجبا إنسانيا ملحّا”.

محمد الصيادي (37 عاما)، صاحب مولد أهلي للتيار الكهربائي في بغداد، يقول، “خفضت قيمة سعر الأمبير إلى النصف، وطلبت من العائلات التي لا تملك الأموال الكافية عدم دفع أي مبلغ حتى زوال الأزمة”.

ويوضح الصيادي، “لست وحدي من قام بهذا الإجراء، فمئات من أصحاب المولدات الأهلية قرروا إمّا تخفيض الأسعار، وإمّا إعفاء من يعرفون أنهم غير قادرين على سداد المبالغ المالية، بسبب توقف أعمالهم”.

أما إيمان البهادلي، طبيبة أمراض نسائية في بغداد، فتقول “قررت تخفيض أجور الفحص للمرضى في عيادتي، وإعفاء غير القادرين على دفع المبلغ المخفض، استجابة للنداء الإنساني الذي يفرض علينا التكاتف كعائلة واحدة لمواجهة الخطر”.

يذكر أن جاسب الحجامي، مسؤول صحة الكرخ ببغداد، كتب على صفحته في الفيسبوك،”نصيحتي لكل سيدة بألّا تفكر في الحمل في هذه الأوقات العصيبة”. وأوضح، أن تلك النصيحة تأتي على “خلفية معاناة امرأة حامل (مصابة بكورونا) ومعاناة الأطباء معها في مستشفى الفرات” ببغداد.

وتوضح البهادلي، “أتلقى يوميا الثناء والتقدير من المرضى للخطوة التي قمت بها، وأشعر بأنني قدمت شيئا للمجتمع عبر المساعدة في الحد من انتشار كورونا.. خلال الأزمات لا بد أن تتضافر الجهود، وإلا فإن الكارثة ستصيب الجميع”.

حملة التكافل الاجتماعي التي جمعت العراقيين بأطيافهم لمواجهة كورونا، دفعت المرجع الديني الشيعي البارز علي السيستاني، إلى إطلاق فتوى مطلع الأسبوع الجاري جاء فيها، “على التجار ممن تتوفر لديهم المواد الغذائية أن يعرضوها للبيع، ولا يرفعوا من أسعارها، بل ينبغي أن تكون مدعومة”. ودعا إلى أن “تتولى مجاميع من الشباب المتطوعين التعرف على العائلات المتعففة، وإيصال المواد الغذائية لها، بعد التنسيق مع الجهات الرسمية في ظل فرض حظر التجوال”.

ورغم موجة التكافل التي يشترك فيها أغلب العراقيين، يرفض بعض القائمين على المقابر بالإضافة إلى المدنيين دفن ضحايا كورونا خوفا من تفشي الفايروس، وانتقاله إلى المناطق السكنية وفق اعتقادهم.

وقال جاسب الحجامي، مدير عام صحة الكرخ في بغداد، في بيان الأربعاء، “إن جثة لمتوفى بالفايروس لم يسمح بدفنها منذ أكثر من أسبوع”.

وأوضح، أنه “تم إغلاق مدافن المسلمين أمامهم، وحتى الصحراء تم منع دفنهم فيها (..) الجثة يتم دفنها بطريقة علمية، فمن غير الممكن نشرها للعدوى”، دون أن يحدّد المسؤول عن ذلك.

وكشف مواطنون من منطقة النهروان جنوب شرق بغداد عن رفضهم دفن متوفين بفايروس كورونا في مواقع من أطراف المدينة.

وقال مصطفى ريسان أحد سكان المنطقة، إن “الأهالي منعوا فرق وزارة الصحة من دفن جثامين ثلاثة متوفين بالفايروس، لأن المكان الذي أرادت الفرق الصحية دفن الجثث فيها قريب من المنطقة السكنية، ونحن لدينا أطفال وكبار في السن ونخشى إصابتهم بالمرض”.

وأوضح ريسان أن “منطقتنا خالية من أي مركز صحي أو بنى تحتية صحية، وبالتالي لا نريد جلب الأمراض إلى المنطقة، فبإمكانهم دفن ضحايا كورونا في مناطق أخرى أو في الصحراء جنوبي البلاد أو على الحدود، لكن ليس بالقرب من المناطق السكنية”.

وقررت السلطات المركزية في بغداد، الأسبوع الماضي، تمديد حظر التجوال وتعليق الدراسة والرحلات الجوية الداخلية والخارجية في عموم البلاد حتى 28 مارس الجاري، كما دعت العائدين من إيران والصين وكوريا الجنوبية وإيطاليا واليابان وتايلاند وسنغافورة والكويت والبحرين إلى عزل أنفسهم في منازلهم لمدة 14 يوما.

وأعلنت السلطات الصحية العراقية، الخميس، تسجيل 5 إصابات جديدة بفايروس كورونا خلال منتصف النهار الأول، وبذلك، يرتفع عدد الإصابات في عموم البلاد إلى 363، بينها 31 وفاة، و89 حالة شفاء. وحتى صباح الخميس، أصاب كورونا أكثر من 471 ألف شخص في العالم، توفي منهم ما يزيد على 21 ألفا، فيما تعافى أكثر من 114 ألفا.

وأجبر انتشار الفايروس دولا عديدة على إغلاق الحدود، وتعليق الرحلات الجوية، وفرض حظر التجوال، وتعطيل الدراسة، وإلغاء فعاليات عدة، ومنع التجمعات العامة، وإغلاق المساجد والكنائس.

العرب