نعم، فلنستعد للأسوأ مع «داعش». الحرب طويلة وشاقة وشرسة قبل هزيمة هذا التنظيم على غرار «القاعدة»، الذي لا يزال حيًا، غير أنه ليس بالقوة التي كان عليها قبل عقد. من يظن أن الحرب على «داعش» نزهة ستنتهي في وقت قصير فهو خارج عن الواقع، ومن يعتقد أن خطورته ستهدأ قريبًا فهو واهم، هذه حرب دولية ضد سرطان انتشر في أوصال العالم، فـ«داعش» تنظيم إرهابي عابر للحدود يستخدم تفسيرات دينية متطرفة، وهناك فرق بين هزيمته والقضاء عليه، كل ذلك لن يحدث في عام أو اثنين، بل أمامنا سنين طوال قبل الخلاص منه.
التفجير الإرهابي الأخير الذي استهدف مسجدًا لقوات الطوارئ السعودية، حلقة من سلسلة طويلة للعمليات الإرهابية التي يقوم بها «داعش»، وهي لا ترتبط بمكان محدد، بقدر ارتباطها بأهداف التنظيم القائمة على تعزيز فكرة الحاضنة الاجتماعية للإرهاب وسهولة انتقاله من بلد لآخر، طمعًا في جذب أكبر عدد ممكن من العناصر، التي يقوم باستخدامها في مقره الرئيسي في العراق وسوريا، فمنظرو «داعش» يعون جيدًا أن نشاطاتهم الإرهابية مهما كان حجمها، فمن الاستحالة أن تخلق لهم موقعًا على الأرض، لذا نجد عملياتهم تكون أمس في عسير، وقبله في الكويت، وقبلها في جزيرة الريم الظبيانية، ثم تعود لتستهدف الشيعة شرق السعودية، وتنتقل مرة أخرى لمحطة جديدة في أوروبا، والهدف النهائي هو استقطاب «جنود» لـ«الدولة» الإرهابية.
ولأن الأرقام لا تكذب، ووفقًا لرئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس، فإن متشددي فرنسا يتراوح عددهم بين 10 و15 ألف شخص، في حين أن 5 آلاف أوروبي يحاربون حاليًا إلى جانب المتطرفين في سوريا والعراق، وأن هذا الرقم مرشح، بحسب ما تقدره المخابرات الفرنسية، إلى أن يرتفع إلى 10 آلاف مقاتل في صفوف «داعش» مع نهاية العام الحالي. وبحسب المصادر نفسها، فنحو 475 فرنسيًا أو مقيمًا على الأراضي الفرنسية يقاتلون حاليًا في سوريا والعراق إلى جانب «داعش» و«النصرة»، هذه الأرقام المتنامية للقتال إلى جانب المجموعات المتطرفة، تؤكد أن هذه الحرب دولية وليست إقليمية أو تخص دولة بعينها، كما أنها بكل تأكيد ستكون طويلة الأمد، وعلى الجميع التعاطي معها على هذا الأساس، وتوقع ما هو أسوأ وليس فقط السيئ.
إذا كانت الحرب الأمنية على الإرهاب بلغت درجات كبرى من النجاح، كما في استراتيجية وزارة الداخلية السعودية مثلاً، فإن الحرب الفكرية على تنظيم يتبنى الحرب العقائدية ضد خصومه، تراوح مكانها، بل أحيانا تسير على استحياء. أما محاربة هذا الفكر المتطرف اجتماعيًا فهي لم تبدأ بعد.
خذ عندك، وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت وما بلغته من نطاق واسع سمح للمتطرفين بتعبئة الأفراد من أي بقعة في العالم، بالمقابل لم تقم هذه الوسائل بما يكفي لتقليل، ولا أقول منع، استفادة الإرهابيين من هذه المساحة الواسعة التي منحها لهم «تويتر» و«فيسبوك» وغيرهما، ليس منعها هو الحل بالطبع، لكن هل قامت شركة «تويتر» مثلاً، بخطوة قانونية واحدة تمنع المتطرفين من استخدام منصاتها بطريقة غير مشروعة؟ الإجابة: لا. دع عنك الإجراءات المتراخية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، على الأقل ربط الحسابات برقم هاتف حقيقي تحتفظ به «تويتر» لضمان أن هناك مسؤولية قانونية تقع على عاتق صاحبه، وبالتالي تقليل عدد الإرهابيين الذين يغامرون باستخدام حساباتهم، طالما أنهم معروفون وليسوا أشباحًا، للأسف كل ذلك لا يحدث. ثم يأتيك من يعتبر عدم اتخاذ مثل هذه الإجراءات جزءًا من الحفاظ على الحريات الشخصية!
«داعش» أقرب للوباء، لا يختلف عن الكوليرا الذي خلف في فترات متباينة من الزمن عشرات الملايين من القتلى، يقتل الناس بلا رحمة، ولا مجال لاستئصاله من بلد بينما هو ينتشر بقوة في بلد آخر. القضاء على وباء «داعش» يحتاج إلى وقت وجهد وتعاون دولي وقبلها رغبة حقيقية. ومن دون توقع الأسوأ فنحن نضع رؤوسنا في الرمال.
سلمان الدوسري
صحيفة الشرق الأوسط