كشفت ماليزيا عن أكبر خطة إنقاذ اقتصادي في تاريخ البلاد لمواجهة آثار انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19)، وتصل قيمتها إلى 250 مليار رينغيت (نحو 58 مليار دولار أميركي)، وقال رئيس الوزراء الماليزي محيي الدين ياسين لدى إعلانه ما أسماها “حزمة الحوافز الاقتصادية الخاصة بالشعب” أن أكثر من نصفها (128 مليار رينغيت) مخصص للحفاظ على رفاهية الشعب.
وحسب ما أعلنه رئيس الوزراء، فإن حزمة الحوافز الضخمة تهدف إلى مساعدة المجتمع على تحمل أعباء الإغلاق شبه الكامل في البلاد، لا سيما الأقل دخلا ومتوسطي الدخل.
لكنها قوبلت بترحيب متحفظ من خبراء الاقتصاد، باعتبارها خطة قصيرة المدى، قد ترتد على المدى البعيد على شكل ضرائب إضافية، بما يثقل عاتق المجتمع، إضافة إلى الانتقاد التقليدي في ماليزيا لتقديم معونات مباشرة تجعل المجتمع مترهلا يعتمد على المعونات الحكومية.
ويقول الدكتور دليل خيرت -الخبير الاقتصادي في مجموعة تكافل الدولية- إنها المرة الأولى التي تتدخل فيها الحكومة لمساعدة الطبقة المتوسطة (M40)، التي تشكل نحو 40% من المجتمع، في حين اعتاد الماليزيون على تقديم مساعدات نقدية للطبقة الأقل دخلا، والتي تشكل 40% أيضا (B40).
ويضيف الدكتور خيرت في حديثه للجزيرة نت أن مدى التزام الحكومة بتنفيذ الخطة هو الذي يحدد حجم ملء الفراغ الذي يصيب قطاعا عريضا من المواطنين، من حيث نقص الدخل اليومي والاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها المواد الغذائية.
ونظرا لأن أزمة كورونا وضعت الجميع على المحك، فإنه يرى أن الحوافز الحكومية وحدها غير كافية من دون تضامن شعبي، وعلى مؤسسات المجتمع المدني أن تكمل النقص الذي لن تتمكن الحكومة من استيعابه، في حين اشتكت مؤسسات غير حكومية من عوائق أمام عملها تسبب فيها الإغلاق شبه الكامل وتقييد الحركة.
ومع أنه لا يحبذ المعونات المباشرة على نطاق واسع، فإن الدكتور خيرت يرى أن الضرورة تقتضي تقديم مساعدات نقدية لمن لديهم التزامات لن يستطيعوا الوفاء بها، مثل رسوم التعليم وأجرة المنازل، في حال توقف دخلهم.
تقييد الحركة شل الحياة الاقتصادية في ماليزيا واضطر الحكومة إلى الإعلان عن حزمة حوافز بالمليارات (الجزيرة)
تقييد الحركة شل الحياة الاقتصادية في ماليزيا واضطر الحكومة إلى الإعلان عن حزمة حوافز بالمليارات (الجزيرة)
التمويل والديون
ويؤيد البروفيسور محمد نظري -عميد كلية الأعمال والمحاسبة في جامعة الملايو– وصف خطة الحوافز بقصيرة المدى، ويحذر من آثار سلبية كبيرة على المدى البعيد، وذلك بسبب اعتمادها على الاستدانة، فهو يرى أن الشعب سيكون مضطرا لدفعها على شكل ضرائب في وقت لاحق.
ويشير البروفيسور نظري إلى أن الديون العامة على الحكومة الماليزية تتجاوز تريليون رينغيت (250 مليار دولار)، وأن خطة الدعم التي أعلنتها تموّل من خلال الاقتراض من البنوك والشركات، وسدادها سيكون من جيب دافعي الضرائب.
ويضيف أن احتياطي النقد الخارجي -الذي يقدر بأكثر من 103 مليارات دولار- ملك للبنك المركزي وليس للحكومة، التي يستفيد منها لاستقرار سعر العملة المحلية، واللجوء إلى احتياطي النقد الأجنبي سيتسبب في انهيار الرينغيت وارتفاع نسبة التضخم.
ويعزو البروفيسور نظري الأزمة التي تسبب فيها فيروس كورونا إلى أن الاقتصاد الماليزي كغيره من اقتصادات العالم مبني على أساس الديون، وأن شريحة ضيقة هي المستفيدة من هذا النظام، وتظهر ورطة الحكومات عند تعرض البلاد لأي هزة اقتصادية.
اعلان
ولا يستبعد الخبير الاقتصادي الماليزي أزمة اقتصادية قادمة تفضي إلى خسارة كثيرين ممتلكاتهم، تعقب الأزمة الصحية التي تمر بها ماليزيا والعالم، والتي من شأنها أن يخسر كثير من الناس أعمالهم ووظائفهم، وبالتالي عجزهم عن الوفاء بالتزاماتهم البنكية.
فهو يرى أن البنوك الدائنة لن تتسامح في ما لها من ديون على الناس والدولة، وإذا تساهلت في وقف مؤقت لأقساط بعض أنواع الديون لمدة ستة أشهر، كما طلبت الحكومة، فإن البنوك سوف تعاود المطالبة، ثم الحظر على ممتلكات المتخلفين في ظروف استثنائية يمر بها العالم اليوم، وكذلك ماليزيا.
حزمة إنقاذ سياسي
وأشار رئيس الوزراء الماليزي أثناء إعلانه حزمة الدعم الاقتصادي إلى أنه جاء في الوقت الخطأ، وأن المرحلة تقتضي إجراءات غير عادية، لا سيما أن حكومته ليست تلك التي صوّت لها الشعب في الانتخابات الأخيرة، وهو ما أعطى انطباعا لدى كثيرين بأن محيي الدين ياسين يحاول إنقاذ حكومته التي لم يمر على تسلمها السلطة سوى ثلاثة أسابيع.
ويتفق الخبيران في الاقتصاد محمد نظري ودليل خيرت على أن الحكومة الماليزية مضطرة للإعلان عن حزمة الدعم، لإنقاذها سياسيا، وذهب الدكتور خيرت إلى القول إنها حزمة إنقاذ سياسي.
ورغم أن المعارضة أيدت خطة الحوافز باعتبارها مساعدة للشعب، وأنها تتضمن مليار رينغيت (250 مليون دولار) لوزارة الصحة، فقد شككت في صرفها إلى المستحقين، وشددت على ضرورة مناقشتها في البرلمان، علما أن انعقاد البرلمان تأجل حتى 18 مايو/أيار المقبل بسبب الأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد نهاية أبريل/نيسان الماضي، وتسببت في تغيير الحكومة.
وانتقد رئيس حزب عدالة الشعب أنور إبراهيم لجوء الحكومة إلى الاقتراض، وقال إن عرض مناقشة الحزمة في البرلمان يهدف إلى معرفة كيفية صرف المبالغ وسداد الديون، وأضاف -في تصريحات بثها عبر فيسبوك- أن مصادر جميع أموال حزمة الدعم ديون لمؤسسات تابعة للشعب، منها -حسب أنور إبراهيم- مئة مليار رينغيت ديون من البنوك، وأربعون مليارا من صناديق مدخرات الموظفين، وخمسون مليارا من صندوق الموارد البشرية، وغير ذلك من مؤسسات وشركات مرتبطة بالدولة.
لكن الحكومة رفضت مناقشة الحزمة في البرلمان، بذريعة أنها ليست ميزانية جديدة أو معدلة تستدعي مصادقة البرلمان، كما أن مؤيدين للحكومة توقعوا أن تعزز حزمة المساعدات شعبيتها.
وقال المحلل السياسي عزمي حسن إن رئيس الوزراء ظهر أنه يهتم بجميع طبقات المجتمع، وأنه قادر على إدارة الأزمة، رغم أن حكومته لم تنتخب على أساس برنامج انتخابي عرض على الشعب.
المصدر : الجزيرة