تصاعدت أخيراً حدة المناوشات الكلامية بين المسؤولين الأميركيين من جهة، ومسؤولين إيرانيين وفصائل عراقية مسلحة مدعومة من طهران من جهة أخرى، بشأن الوجود الأميركي في العراق، في ظل توالي الهجمات الصاروخية التي تستهدف قواعد عراقية تستضيف قوات أجنبية بينها أميركية، وهو أمر اعتبره مراقبون حرباً بالنيابة تخوضها إيران ضد الأميركيين، مستعينة بحلفائها في العراق، ويُعدّ ذلك من أبرز التحديات التي ستواجه الحكومة العراقية المقبلة التي يدور جدل سياسي كبير بشأن تشكيلها.
وقالت مصادر سياسية مقربة من حوارات القوى العراقية المعارضة لتكليف عدنان الزرفي بتشكيل الحكومة، لـ”العربي الجديد”، إن من أهم أسباب رفض الزرفي هو الاتهامات التي يواجهها بقربه من الجانب الأميركي، والخشية من تأثير ذلك على العلاقة مع إيران، مشيرة إلى استمرار الإصرار على تغييره، لا سيما بعد زيارة الوفد الإيراني إلى العراق أخيراً.
”
أي حكومة تأتي، سواء كانت برئاسة الزرفي أم غيره، ستجد نفسها أمام حرب بالنيابة في العراق
“وبحسب رئيس مركز دجلة للتخطيط الاستراتيجي خالد المعيني، فإن أي حكومة تأتي، سواء كانت برئاسة الزرفي أم غيره، ستجد نفسها أمام حرب بالنيابة في العراق لأسباب عدة، أبرزها أن إيران تنظر إلى العراق على أنه مجالها الحيوي، والرئة التي يمكن أن تتنفس منها للتخلص من أزماتها الاقتصادية التي سببها الحصار، في وقت ترفض فيه الولايات المتحدة الأميركية التخلي عن مصالحها في العراق، مؤكداً لـ”العربي الجديد” أن طهران تسعى من خلال الفصائل المسلحة التي تنوب عنها في العراق إلى خوض حرب بالنيابة، مستغلة أذرعها العسكرية في البلاد ودول أخرى.
ولفت إلى أن الإيرانيين يحاولون استدراج الأميركيين إلى مواجهة على الأراضي العراقية التي أصبحت مكاناً للثأر وتصفية الحسابات، مبيناً أن الحكومة (حكومة تصريف الاعمال) لم تكن قادرة على وقف الهجمات ضد المصالح الأميركية. وأوضح أن القوى السياسية والفصائل المسلحة المقربة من إيران تصرّ على أن يكون رئيس الوزراء المقبل مدعوماً من قبلها، إلا أن ذلك يصطدم بعقبة رئيس الجمهورية.
يُشار إلى أن رئيس الجمهورية سبق أن رفض عدداً من المرشحين لرئاسة الوزراء الذين طرحهم تحالف “البناء” الذي يضم قوى سياسية مقربة من إيران، التي أرسلت الثلاثاء وفداً إلى العراق برئاسة قائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني، لحث حلفاء طهران السياسيين على تجاوز الخلافات والإسراع في تشكيل الحكومة الجديدة.
وقالت عضو البرلمان العراقي السابق سروة عبد الواحد، إن الرسائل الإيرانية التي جاء بها الوفد الإيراني تضمنت أموراً عدة، أبرزها طرد القوات الأميركية من العراق، والإبقاء على “الحشد الشعبي”، والحفاظ على حجم التبادل التجاري بين بغداد وطهران، مضيفة في تغريدة على موقع “تويتر”: “شنو رأيكم أنا شخصياً اعتبر كل هذه النقاط أمور عراقية داخلية، والحكومة العراقية هي الوحيدة تقرر بشأنها”.
في غضون ذلك، اتهم نواب رئيس الوزراء المكلف بإطلاق تصريحات مطمئنة لإيران، في محاولة لتحييدها عن الصراع السياسي المحتدم في العراق لتشكيل الحكومة.
وقال عضو تحالف “الفتح”، حامد الموسوي، إن الزرفي استخدم جيوشه الإلكترونية من أجل مغازلة إيران بهدف الوصول إلى السلطة، مبيناً في تصريح صحافي أنه لن يفلح في ذلك. وتابع أن “الزرفي يستخدم الترغيب تارة، والترهيب مرة أخرى، بهدف التقرب من الكتل الشيعية عبر مغازلة إيران، في حين أنه لا يعلم أن الكتل لا تأتمر بأوامر الدول”، موضحاً أن ما يفعله الزرفي من خلال جيوشه الالكترونية يمثل رسائل سلبية للشعب العراقي، لا سيما وأن الجميع يبحث الآن عن رئيس وزراء يسير باتجاه تهدئة الوضع الراهن.
ورأى أستاذ الدراسات الاستراتيجية في جامعة النهرين علي البدري، أن المعادلة الاميركية – الإيرانية ستكون حاضرة في حوارات تشكيل الحكومة، مشيراً، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى وجود فريقين، الأول معارض للزرفي وبشكل نهائي، وهذا المعسكر لا مانع لديه من استمرار الحرب بالنيابة في العراق المتمثلة في قيام فصائل مسلحة مدعومة من طهران باستهداف المصالح الأميركية في العراق بين الحين والآخر. وأضاف: “أما الفريق الآخر الرافض لتنامي النفوذ الإيراني، فهو يبحث عن دور أكبر للعراق على المستوى الإقليمي والدولي، بعد أن تراجع هذا الدور خلال حقبة عادل عبد المهدي (بدأت عام 2018)”، موضحاً أن المواجهة الأميركية – الإيرانية على الأراضي العراقية ستكون من أخطر الملفات التي تواجه الحكومة الجديدة، أياً كان الذي يترأسها.
براء الشمري
العربي الجديد