باتريوت … رغبة واشنطن تصبح واقعًا في العراق

 باتريوت … رغبة واشنطن تصبح واقعًا في العراق

 

د.معمر فيصل خولي

ما إن أعلنت واشنطن في نهاية كانون الثاني/ يناير الماضي، عن رغبتها في نصب منظومة صواريخ “باتريوت” في العراق قبل ، سرعان ما أصبح واقعًا ملموسًا ففي 30 آذار/ مارس الماضي نشرت واشنطن تلك المنظومة فيه. وتتكون أنظمة باتريوت من رادارات فائقة التطور وصواريخ اعتراض قادرة على تدمير صاروخ باليستي خلال تحليقه.

وتغطي المنظومة الجديدة الأجواء العراقية بين خطوط عرض 36، وتحديداً في محافظة أربيل الحدودية مع إيران، حيث تقع قاعدة “حرير”، شرقي المحافظة، وعلى بعد نحو 110 كيلومترات من الحدود الإيرانية، ولغاية خط عرض 33 ضمن محافظة الأنبار، أقصى غرب العراق، على الحدود مع سورية والأردن والسعودية، حيث تقع قاعدة “عين الأسد”، التي تحتضن المنظومة الثانية من صواريخ “باتريوت”. وهو ما يعني أنّ الأجواء العراقية أغلقت بشكل شبه كامل تقريباً باستثناء أقصى الجنوب، حيث البصرة وذي قار، البعيدتان أصلاً عن التوتر الحالي.

ويستعمل الباتريوت في اعتراض هجمات بالصواريخ متوسطة وبعيدة المدى، بينما تستعمل منظومات دفاعية أصغر حجما في اعتراض الهجمات بالصواريخ القصيرة وقذائف الكاتيوشا، ما يعني أن الولايات المتّحدة لا تتحسّب فقط لهجمات الميليشيات، بل أيضا لهجمات محتملة من قبل إيران، على غرار الهجوم الذي ردّت به على مقتل القائد بحرسها الثوري قاسم سليماني على يد القوات الأميركية في العراق.

هذا النشر من شأنه أن يعقد المشهد العراقي أكثر في ضوء سعي قوى عراقية مختلفة، لا سيما الأحزاب والكتل الشيعية الحليفة لإيران، إلى تأمين انسحاب القوات الأميركية من العراق.

وذكرت مصادر عسكرية أميركية وعراقية لوكالة الصحافة الفرنسية أن منظومة صواريخ باتريوت للدفاع الجوي نُشرت في العراق من دون تحديد ما إذا كانت الولايات المتحدة حصلت في النهاية على موافقة الحكومة العراقية أم لا.

ومع تصاعد الجدل العراقي والإيراني بشأن الإنتشار، أن واشنطن لم تجب على ثاني استفسار قدّمته حكومة تصريف الأعمال العراقية، برئاسة عادل عبد المهدي، خلال أقل من أسبوع واحد، بشأن منظومة “باتريوت” التي دخلت الخدمة فعلياً، حيث وجهت الحكومة  استفسارين عاجلين لوزارة الخارجية الأميركية بشأن دخول منظومة “باتريوت” إلى العراق وتفعليها، معتبرةً أنّ الخطوة يجب أن يتم تأطيرها باتفاق جديد ورسمي بين البلدين، كما أنّ استناد واشنطن إلى اتفاقية الشراكة الأمنية الموقعة بين الدولتين منذ عام 2008، في إدخال منظومة “باتريوت” ومعدات حديثة أخرى تدخل ضمن الرصد والاستمكان الجوي، يجب أن يكون مقترناً بإعادة تعديل أو إضافة فقرة على نصّ الاتفاقية.

 وأنّ الإدارة الأميركية لم تجب الحكومة بهذا الشأن، وهو أسلوب انتهجته واشنطن في الفترة الأخيرة، خصوصاً بعد استقالة عبد المهدي وتحوّل الحكومة إلى تصريف الأعمال. وتحدّث عن وجود اعتقاد يرقى إلى قناعة لدى أوساط سياسية وحتى على مستوى قادة الجيش العراقي ومسؤولين في وزارة الدفاع، بأنّ المنظومة لها هدف أميركي استراتيجي يتخطى العراق. ويربطون ذلك بأنّ المنظومة ستكون قادرة على إحباط أي هجوم إيراني باليستي يستهدف الأراضي الفلسطينية المحتلة، إذ إنّ نصب “باتريوت” في الأنبار وأربيل سيمنع أي هجوم من هذا القبيل. كما أنّ المنظومة ستكون قادرة على تغطية جزء كبير من الحدود العراقية السعودية، وبالتالي هناك إمكانية أن تكون درعاً ضدّ أي هجوم صاروخي في حال حصول مواجهة أو هجمات على السعودية شبيهة بالهجوم على منشآت النفط السعودية في سبتمبر/ أيلول الماضي، الذي رصدت بعض التقارير أنه نفّذ بواسطة صواريخ آتية من العراق. وختم الموظف بالقول إنّ “العراق لم يحصل على أي رد سوى عبر مسؤولين في البنتاغون قالوا إنها إجراءات دفاعية لحماية القوات الأميركية وباقي القوات العاملة ضمن التحالف الدولي”.

من جهته، قال النائب عن تحالف “الفتح”، الجناح السياسي لفصائل “الحشد الشعبي”، محمد البلداوي، في حديث لـ”العربي الجديد”، إنّ “منظومة باتريوت التي نصبت رغماً عن الحكومة، وبمخالفة لقرار البرلمان القاضي بإخراج القوات الأميركية، هي بالأساس نقطة أمن أخرى للكيان الصهيوني في دولة فلسطين المحتلة”. وأضاف “نعتقد أنّ المنظومة ستكون جزءاً من منظومة درع الكيان الصهيوني ومن أجل حمايته وخدمة مصالح أميركية في المنطقة، ولا علاقة لها بمزاعم الولايات المتحدة” حول حماية القوات الأميركية.

وقال نائب الأمين العام لحركة «الأبدال»، إن «قيام القوات الأميركية بنشر منظومة صواريخ (باتريوت) يعطي الشرعية لفصائل المقاومة من أجل مقاومة هذه القوات كونها قوات محتلة، فهذا خرق لسيادة العراق، وخطوة أعطت كامل الشرعية لاستهداف تلك القوات».

إيرانيًا، حذرت وزارة الخارجية الإيرانية في بيان الأربعاء الفائت، إن نشر باتريوت في العراق يتعارض مع الموقف الرسمي للحكومة العراقية وبرلمانه وشعبه”. واعتبرت الوزارة أن الأنشطة العسكرية الأميركية “قد تجرّ المنطقة إلى حالة عدم استقرار” وإلى “وضع كارثي”، داعيةً إلى تجنّب “التسبب بتوترات (…) أثناء أزمة كورونا المستجدّ”. وقالت الخارجية الإيرانية، إنه ينبغي على واشنطن “أن تحترم رغبة الشعب العراقي وحكومته ومغادرة البلاد”.

وحذر «الحرس الثوري» من أن أي «خطأ ومغامرة من الأعداء ضد إيران في أي مكان، ستكون آخر أخطائهم»، وذلك في إشارة إلى الولايات المتحدة. كما توعد «الحرس» في بيان استراتيجية الولايات المتحدة التي تمارس ضغوطاً على طهران بتأكيده مواصلة ما سماه «مسار صناعة الحضارة الإسلامية الحديثة»، في إشارة ضمنية إلى استراتيجية «تصدير الثورة».

بدوره، قال سكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام والقيادي في {الحرس} محسن رضائي، إن «أي خطوة عسكرية أميركية ستكون مثل هجوم (داعش)، الإرهاب والاعتداء لا يختلف بين دولة وجماعة». وأضاف: «إذا لم تخرج أميركا من العراق، سيخرجها الشعب العراقي». فإيران تنظر إلى هذا النشر على أنه تصعيد وتهديد.

 أن هذا النشر يمهد لمرحلة أمريكية جديدة في العراق بمعنى أنها مرحلة تتجاوز الجغرافية العراقية ، وقد تكون مرتبطة أي مواجهة إيرانية مع الاحتلال الإسرائيلي، فضلاً عن إمكانية أن تدخل المنظومة في تأمين الحدود الشمالية للسعودية مع العراق، لمنع سيناريو هجمات صاروخية من داخل العراق أو عبره آتية من إيران، على غرار الهجمات على منشآت “أرامكو” السعودية، العام الماضي، والتي رجحت تقارير وتحقيقات أنها نفّذت عبر العراق.

 أن إعادة التموضع الأمريكي ونشر منظومة الدفاع “باتريوت” ضمن خط افتراضي في العراق تأسيس لوجود عسكري طويل الأمد وآمن يتيح لها مراقبة إيران عن قرب وخصوصا تحرّكاتها على محور طهران دمشق بيروت مرورا بالأراضي العراقية، حيث يمكن لعدد محدود من قوات النخبة موجود في قاعدتين محصّنتين ومحميتين من صواريخ الميليشيات الشيعية، أن تواصل فرض هيمنتها على الأجواء العراقية، وتوجيه ضربات دقيقة للفصائل المسلّحة الموالية لإيران بهدف تحجيمها ومنع تغوّلها، من دون تقديم أي أثمان مقابل ذلك.

وإنّ أهم دلالات نصب منظومات “باتريوت” “تحجيم خطر تهديد الصواريخ البالستية الإيرانية لكل من السعودية وإسرائيل، وبالتالي أصبحت الأجواء العراقية تحت السيطرة والنفوذ الأميركي بشكل كامل، فلا تستطيع إيران المغامرة باستخدام أجواء العراق لعمليات عسكرية ضدّ أهداف إسرائيلية أو سعودية”.

التغييرات المسجّلة في خارطة تواجد القوات الأميركية على الأراضي العراقية، وأيضا في مستوى حمايتها وتحصينها من شتى أنواع الهجمات الصاروخية، مظهر لتكتيك أميركي جديد يهدف للتأسيس لتواجد عسكري أميركي في العراق يكون ناجعا في مراقبة إيران وحلفائها عن قرب، ويكون في الوقت نفسه آمنا من عملية استنزاف محتملة لا تستطيع إدارة ترامب احتمالها في سنة الانتخابات الرئاسية.

وأن الفوز بولاية رئاسية ثانية، يقتضي الكثير من الحذر لتجنّب وقوع خسائر في صفوف القوات الأميركية بالعراق، وهو ما يعكسه تكتيك تجميع تلك القوات في عدد محدود من القواعد تسهل حمايتها والدفاع عنها على عكس القواعد الصغيرة المتناثرة التي يمكن أن تمثّل صيدا سهلا للميليشيات الشيعية في حال أعطتها إيران الأمر بضربها.

خلاصة القول سواء كان نشر باتريوت في العراق يعود إلى اعتبارات تتعلق بالانتخابات الأمريكية أو لمواجهة ايران ومليشاتها في العراق، هذا يعني  أن رغبتها تصبح واقعًا في العراق.

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية