في خضم تفشي فيروس كورونا (كوفيد 19) في المدن والقرى الصينية خلال الشهرين الماضيين، دفعت الصين بنظرية جديدة حول أصول الفيروس، وقررت أنه أميركي بامتياز، وأن أفرادا من الجيش الأميركي ممن زاروا مدينة ووهان الصينية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي كانوا وراء نشر الوباء بالمدينة، الذي تفشى منها إلى باقي أرجاء الصين. في وقت يصر الصينيون على أن كورونا خرج من الولايات المتحدة. وبحسب أحد العلماء الصينيين تحدث لـ”اندبندنت عربية”، “فقد خرج الوباء من مختبر للأبحاث البيولوجية بإحدى القواعد العسكرية الأميركية شرقي أوروبا، وأن السر تحمله امرأة هربت تحمل الفيروس المميت”. ورغم غياب أي دليل يدعم نظريات المؤامرة المتبادلة، بإمكاننا أن نلمس حقائق على أرض الواقع يستوجب علينا رصدها ليكون القارئ هو الحكم، ولكن ما يمكننا تأكيده هو أن “كوفيد -19” قد ركّع العالم، وشلّ الاقتصاد العالمي، وعزز مستويات الفقر والبطالة عالمياً لسنوات طويلة مقبلة، وأن عودة الحياة إلى طبيعتها، وعودة الأسواق والشركات لنشاطها المعتاد سيشوبها التعثر. الولايات المتحدة تنظر بشكوك كبيرة تجاه الصين، التي سرعان ما تغلبت على الوباء في فترة قياسية لتعود الحياة إلى طبيعتها حتى في مدينة يوهان الصينية؛ مهد فيروس كورونا، مما يثير الكثير من التساؤلات عن حقيقة الفيروس، وإن كان من صنع الصين التي تمتلك بالفعل مصلاً لعلاج هذا الوباء، وهو ما يفسر السرعة الكبيرة التي خرجت بها الصين من براثن الوباء في وقت تصدرت فيه الولايات المتحدة عالمياً في عدد الإصابات المؤكدة بالفيروس، حيث وصلت أعداد الوفيات في ولاياتها حتى اليوم إلى 5112 ألف حالة. فيما سجلت 215.344 حالة إصابة مؤكدة مع انتشار الوباء في معظم الولايات الأميركية، مما دفع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إلى إقرار أكبر حزمة مساعدات في التاريخ الأميركي بقيمة تريليوني دولار، لمواجهة العواقب الاقتصادية للفيروس. في حين ارتفع عدد الأميركيين، الذين تقدموا بطلبات للحصول على إعانة بطالة، الأربعاء الماضي، إلى مستوى قياسي بلغ 3.3 مليون شخص. نظرية المؤامرة من الجانب الصيني، فإن نظرية المؤامرة نالت موافقة رسمية من وزارة الخارجية الصينية، حيث اتهم المتحدث باسمها المسؤولين الأميركيين بعدم الكشف عما يعرفونه عن المرض، الذي سرعان ما تحول إلى وباء، وانتشر كالنار في الهشيم عابراً حدود القارات، متسبباً في مقتل وإصابة مئات الآلاف من البشر. جاء هذا التلميح في سلسلة من المنشورات على تويتر من قبل تشاو ليجيان، المتحدث باسم الخارجية الصينية، الذي استخدم بشكل جيد المنصة المحظورة في البلاد، لدفع استراتيجية دبلوماسية عدوانية ومتشددة حديثاً. من المرجح أن يكون الهدف هو صرف الانتباه عن الصين، خاصة في الأسابيع الأولى من الوباء عن طريق زرع الارتباك، أو على الأقل إثارة عدم اليقين في الداخل والخارج. أبحاث صينية بيولوجية سرية أتيحت الفرصة للعلماء خارج الصين لدراسة فيروس السارس (كوفيد-2)، وخلصوا إلى أنه لا يظهر علامات على أنه تم تصنيعه أو التلاعب به بشكل هادف في المختبر، على الرغم من أن الأصل الدقيق لا يزال غامضاً. ويجادل الخبراء ما إذا كان قد تسرب من مختبر صيني أو أميركي كان يدرسه. وطبقاً لمتخصصين في الحروب البيولوجية، فإن الفيروس المميت الذي تنقله الحيوانات ينتشر على مستوى العالم، ربما يكون قد نشأ بمختبر في مدينة ووهان مرتبط ببرنامج الأسلحة البيولوجية السري في الصين، الذي نفت الأخيرة امتلاكها لأي أسلحة بيولوجية هجومية. لكن تقريراً لوزارة الخارجية العام الماضي كشف عن شكوك في قيامها بعمل سري في الحرب البيولوجية. وكان قاو فو، مدير المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها، قال لوسائل الإعلام في وقت مبكر من انتشار فيروس كورونا، إن الإشارات الأولية تشير إلى أن الفيروس نشأ من حيوانات برية تباع بسوق المأكولات البحرية في ووهان. في حين قال مسؤول أميركي لصحيفة “واشنطن تايمز”، “إن إحدى الإشارات المشؤومة هي الإشاعات الكاذبة، التي تنتشر على الإنترنت الصينية، وتدعي أن الفيروس جزء من مؤامرة أميركية لنشر أسلحة جرثومية”، وقد يشير ذلك بحسب الصحيفة إلى “أن الصين تعد منافذ دعائية لمواجهة أي اتهامات بأن فيروس كورونا هرب من أحد مختبرات البحوث المدنية أو الدفاعية في ووهان”. اقرأ المزيد نظرية المؤامرة حول كورونا… لهذه الأسباب قد تصدقها عقولنا كورونا كارثة طبيعية أَم مؤامرة؟ الصين تعلن السيطرة على الوباء بعد ثمانية أسابيع أو أكثر بقليل، أعلنت الصين السيطرة على الوباء وظهور عدد محدود من الإصابات بالفيروس. وأعادت الحكومة الصينية فتح مدينة ووهان مجدداً، وصورت تجول أفراد الشعب الصيني، بمن فيهم المسنون في حدائق ووهان، حتى أن السلطات الصينية سمحت لعدد من وسائل الإعلام الأجنبية دخول المدينة والتجول فيها، وكأن شيئاً لم يكن. في وقت لا تزال دولة مثل إيطاليا تواصل دفن قتلاها من ضحايا الوباء الفتاك، الذي قتل حتى الآن 13.155 ألف شخص، وخلف أكثر من 110 آلاف مصاب بالوباء بحسب (وولد أو ميتر). ولا تزال أعداد الضحايا في ارتفاع يومي. في حين وصلت أرقام الوفيات في إسبانيا المجاورة إلى 9.387 والإصابات إلى أكثر من 104 إصابات مؤكدة. فيما الوباء آخذ في التفشي بشراسة في المملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا ودول أخرى في العالم مثل إيران وكوريا الجنوبية ليصل أميركا اللاتينية وأفريقيا، مما يثير أيضاً المزيد من شكوك العالم تجاه الصين، وجعل شعوب العالم تتساءل لماذا أخفقت حكومات العالم في محاصرة وباء فتاك في ثمانية أسابيع، بينما نجحت الصين في ذلك؟ قد يجادل البعض بسرعة تحرك الصين في محاصرة الوباء، وهو أمر بعيد عن الواقع، فالصين تأخرت كثيراً في الإعلان عن ظهور الوباء، وحاولت التكتم والتستر عليه، وبالتالي فرضية سرعة التعامل مع الوباء يمكن استبعادها. غموض اختفاء أول امرأة أُصيبت بالفيروس وفي اتصال هاتفي مع أحد العلماء الصينيين المهمين، الذي يرتبط بعلاقات وطيدة مع الحكومة الصينية، ومطّلِع على مستجدات الأبحاث الصينية لإيجاد مصل للوباء، طلب حجب اسمه، رفض جملة وتفصيلاً المزاعم القائلة بأن كورونا صناعة صينية، وقال، “الشعب الصيني بجميع أطيافه على يقين بأن فيروس كورونا صناعة أميركية، وكل ما يصدر عن الولايات المتحدة محض كذب، حتى أن الشعب الأميركي يدرك أن كورونا من صنع بلاده”. وأشار إلى “أن مصدر الفيروس قاعدة عسكرية أميركية، تحديداً، مختبر لإنتاج الأسلحة البيولوجية، عُثر فيه على أول حالة إصابة بفيروس كورونا، وكانت لسيدة”. وأضاف، “أنه سرعان ما اختفت هذه المرأة، ولم يعد لها أي أثر على الإطلاق. بعد ذلك سارعت لجنة (الحفاظ على المجتمعات آمنة) الصينية إلى الاعتراف بوجود حالة إصابة بفيروس (كوفيد-19) في عام 2019، بالتزامن مع توقيت تفشي الإنفلونزا في الولايات المتحدة الأميركية، التي تسببت في وفاة الآلاف من البشر، وبالتالي بالإمكان أن نرى أن الولايات المتحدة أطلقت وحشاً، يدعى فيروس كورونا وليس الصين”. وأوضح، “نحن كشعب صيني نريد السلام، وأن نعيش حياة طبيعية”. وتابع، “ما تفعله الإدارة الأميركية هو محاولة تشتيت انتباه الجميع عن استراتيجياتها السياسية. وعلى الإدارة الأميركية أن تضع إنقاذ أرواح شعبها كأولوية بدلاً عن توجيه الاتهامات إلى الصين”. يذكر أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب رفض خلال العديد من الإحاطات الإعلامية المنتظمة في البيت الأبيض تسمية الفيروس بـ”كورونا”، وأصر على تسميته بالفيروس الصيني. وعلل ذلك بخروج الفيروس من الصين، وأصر على هذه التسمية رغم انتقاد بعض وسائل الإعلام الأميركية المعارضة له تسميته للفيروس، خشية من تعرض صينيين إلى عمليات انتقام أشبه بتلك التي تعرض لها العرب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عقب هجوم البرجين في نيويورك. الانتشار السريع لنظرية المؤامرة يرى متخصصون أميركيون أن الانتشار المتعمد لنظرية المؤامرة التي بثتها الصين، وأعيد تداولها على الإنترنت الخاضع لسيطرة مشددة من قِبلها لا أساس لها، وتجعلهم يتساءلون عن الدوافع الصينية للترويج لهذه النظرية انطلاقاً من مقولة أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم. وتعزز التساؤل بشأن هوية فيروس كورونا إن كان هو الآخر (صناعة صينية) مثل مئات الملايين من المنتجات والسلع التي أغرقت بها الصين أسواق العالم لأكثر من عقدين من الزمان. يقول البعض الآخر، ربما أرادت الصين من ذلك معاقبة الولايات المتحدة على حرب رسوم امتدت لأكثر من عام وكلفتها مليارات الدولارات، وأجبرتها على الجلوس لطاولة المفاوضات والقبول بـالإملاءات الأميركية وتوقيع المرحلة الأولى من المفاوضات التجارية بين البلدين، التي تلزم الصين بإنفاق مئات الملايين على شراء المنتجات الأميركية وعلى رأسها الزراعية. لسنا بصدد الخوض في نظريات المؤامرات، فما يهمنا هو الحقائق وسردها للقارئ لتحديد إن كان فيروس كورونا صناعة صينية أم أميركية؟ أم أنها بداية حقبة لحرب بيولوجية بدأت بالفعل؟ بعد تفشي فيروس كورونا أتيحت الفرصة للعلماء خارج الصين لدراسة فيروس السارس (كوفيد-2)، وخلصوا إلى أن هذا الفيروس لا يظهر علامات على أنه تم تصنيعه أو التلاعب به بشكل هادف في المختبر، على الرغم من أن الأصل الدقيق لا يزال غامضاً، ويجادل المتخصصون ما إذا كان قد تسرب من مختبر صيني كان يدرسه؟ “الاثنين الأسود” وموجة الشراء الصينية في يوم الاثنين الموافق 9 مارس (آذار) الماضي، شهدت الأسهم في جميع أنحاء العالم أسوأ يوم لها منذ اندلاع الأزمة المالية عام 2007 و2008، حيث دفعت الانخفاضات الكبيرة في أسواق المال إلى تسميته بـ”الاثنين الأسود”. وأُغلقت المؤشرات المالية الرئيسة بالولايات المتحدة منخفضة أكثر من 7 في المئة، في حين أنهى مؤشر لندن لأهم الأسهم في ذلك اليوم بانخفاض 8 في المئة تقريباً. كما حدثت انخفاضات مماثلة في جميع أنحاء أوروبا وآسيا في وقت احتدم فيه الخلاف بين روسيا والسعودية على خلفية انخفاض أسعار النفط. ووصف المتخصصون رد فعل الأسوق في ذلك اليوم بأنه “مذبحة مطلقة”، حيث تراجعت مؤشرات الأسهم الرئيسة بالولايات المتحدة بشكل حاد للغاية في بداية التداول، بحيث تم إيقاف بيع وشراء الأسهم لمدة 15 دقيقة، حيث بدأ تنفيذ ما يسمى بـ”قاطع الدائرة” الذي يهدف إلى كبح بيع الذعر. في ذلك اليوم انخفض مؤشر داو جونز الصناعي 7.8 في المئة، أو أكثر من 2000 نقطة؛ أكبر انخفاض في التاريخ وأكبر انخفاض من حيث النسبة المئوية منذ الأزمة المالية. وانخفض مؤشر S&P 500 7.6 في المئة ، بينما انخفض مؤشر ناسداك بنحو 7.3 في المئة. وأدى الانخفاض أيضاً في لندن إلى محو 125 مليار جنيه إسترليني من قيمة الشركات البريطانية الكبرى. وانعكست انخفاضات المملكة المتحدة والولايات المتحدة على انخفاضات مماثلة في أوروبا، حيث أغلقت مؤشرات أسواق الأسهم الرئيسة في فرنسا وألمانيا وإسبانيا على انخفاض 7 في المئة. وانخفض مؤشر نيكاي 225 الياباني 5 في المئة وانخفض مؤشر ASX 200 الأسترالي 7.3 في المئة، وهو أكبر انخفاض يومي له منذ عام 2008. ورغم الانخفاضات التي وصفت بالتاريخية، لم يتجاوز هبوط السوق الصينية سوى 1.5 في المئة مما يثير أيضاً مزيداً من الشكوك، لماذا لم تهبط أسواق المال لدولة تفشى منها الوباء؟، في وقت كشفت عمليات الهبوط هذه عن عمليات شراء كبيرة لحصص في كبرى شركات التكنولوجيا العالمية التي نزفت بسبب تداعيات كورونا. ولا حاجة للتساؤل عن هوية المشترين، بطبيعة الحال كانوا مستثمرين صينيين بامتياز. أضف إلى ذلك، كان أداء الأسهم الصينية أفضل من نظيراتها في العالم حتى مع انسحاب المستثمرين الأجانب من السوق، في حين تم إغراق الصناديق الصينية التي تسهل الاستثمار المحلي في أسواق الأسهم والسندات الخارجية من قبل المستثمرين الحريصين على الشراء بسعر رخيص، مما أدمى أسواق الأسهم الأخرى في العالم ودفعها لمزيد من الهبوط. عودة النشاط الصيني سريعاً تثير التساؤلات فيروس كورونا أسهم في ازدهار السندات في الصين مع اندفاع المؤسسات المالية والشركات لبيع الديون بأسعار فائدة منخفضة. ومنذ أوائل فبراير (شباط)، جمعت أكثر من 150 شركة صينية، بما في ذلك الشركات المصنعة وشركات الطيران ومطورو العقارات، أكثر من 237 مليار يوان (34 مليار دولار) بشكل جماعي من خلال بيع ما يسمى بـ”سندات فيروس كورونا”، التي خُصص جزء من عائداتها لـ”الوقاية من الوباء والسيطرة على المرض” داخل الصين. بعد مرور ستة أسابيع فقط من تفشي المرض، دخلت الصين في المراحل الأولى من التعافي بحسب مسح لـ”هارفرد بزنس ريفيو”، الذي يشير إلى استئناف حركة الأشخاص والبضائع. وبالمثل يبدو أن استهلاك الفحم يتعافى من أدنى مستوياته بنسبة 43 في المئة إلى 75 في المئة حالياً من مستويات 2019، مما يشير إلى استئناف بعض الإنتاج. ويبدو أن الثقة عادت كما نشاهد في المعاملات العقارية، التي انخفضت إلى 1 في المئة من مستويات 2019، لكنها ارتدت منذ ذلك الحين إلى 47 في المئة. كما انخفضت مبيعات التجزئة عبر الإنترنت بنسبة 3 في المئة فقط في يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط). وهو انخفاض يوصف بالصغير مع التوقعات بارتداد اتجاه مبيعات التجزئة مرة أخرى. وسيعود نمو مبيعات التجزئة عبر الإنترنت إلى الزيادة بنسبة 15 في المئة، وسيعود نشاط التجارة الإلكترونية لشركة “علي بابا” إلى المسار الصحيح. وقالت شركة التجارة الإلكترونية الصينية JD.com، إنها لا تزال تتوقع نمو إيرادات الشركة بنسبة 10 في المئة أو أكثر في الربع الأول من عام العام الحالي. ويثير التعافي السريع للمؤسسات والشركات والمصانع الصينية مزيداً من الشكوك لدى الكثير من حكومات العالم ومحللي الأسواق العالمية، في وقت شل فيه كورونا مصانع وأسواق العالم.
كفاية أولير
اندبندت عربي