تُجمع المؤسسات الدولية بشكل غير رسمي، وكثير من المحللين والاقتصاديين بشكل شبه حاسم، على أن الاقتصاد العالمي دخل بالفعل في مرحلة ركود نتيجة الآثار السلبية عليه من وباء فيروس كورونا (كوفيد- 19).
ويأخذ كل هؤلاء في الاعتبار أكبر اقتصاد في العالم، أي الاقتصاد الأميركي، والذي يساوي حجمه ما يقرب من ربع الناتج المحليّ الإجماليّ العالميّ عند 22 تريليون دولار. وبعده مباشرة، يُنظر إلى الاقتصاد البريطاني – الذي يعد مختلفاً قليلاً عن اقتصاد منطقة اليورو- والذي دخل في ركود بالفعل كان على وشك الانزلاق إليه حتى قبل أزمة وباء كورونا.
وبينما يرى قطاع كبير من المحللين الاقتصاديين، حتى في مؤسسات التصنيف الرئيسة في العالم وفروع الاستثمار بالبنوك الكبرى، أن هذا الركود مُرشّح بقوة لأن يصبح كساداً؛ أي ركود عميق طويل الأمد، وليس ركوداً يعقبه انتعاش، كما في الدورات الاقتصادية التقليدية، فإن هناك من يرى أن العالم دخل في مرحلة كساد بالفعل.
وتعتمد دقة تلك التوقعات على المدى الزمني لاستمرار الأوضاع الحالية لمواجهة تفشي وباء كورونا، والتي تعني إغلاقاً لأغلب قطاعات الاقتصاد في كثير من الدول.
ويظل هناك مجموعة من الاقتصاديين المرموقين ترى أن التراجع الاقتصادي العالمي الحالي يختلف عن كل نماذج نظريات الاقتصاد التقليدية، وأنه ليس ركوداً أو كساداً، كما تقول الكتب، وإنما تراجع غير معهود، حيث إن الاقتصاد “أغلق” بفعل فاعل (كأنه تم إدخاله في غيبوبة طبية مقصودة حتى تتم إفاقته منها بعد هدوء أزمة الوباء).
الكساد الكبير
يقارن من يرون أن العالم دخل في كساد بالفعل بأزمة الكساد الكبير (1929-1932) خلال القرن الماضي. والعامل الأهم في مؤشرات المقارنة هو نسبة البطالة، مع الزيادة المطّردة في أعداد العاطلين عن العمل نتيجة إغلاق قطاعات اقتصادية للحدّ من انتشار الوباء.
ففي الفترة من 1929 إلى 1932، ارتفع معدل البطالة في الولايات المتحدة من 3.2 في المئة إلى 24.9 في المئة، أي زاد عدد العاطلين عن العمل من 1.2 مليون أميركي إلى 12.8 مليون في ذلك الوقت.
أما في بريطانيا، فتضاعف معدل البطالة من 7.2 في المئة في بداية سنوات الكساد الأربع إلى 15.4 في المئة، ليضاف ما يقارب مليوني عاطل (1.9 مليون) بريطاني لأعداد العاطلين عن العمل. وفي ظل استمرار القيود الحالية بسبب وباء كورونا لأسابيع عدة أخرى، ستصبح أرقام العاطلين عن العمل، أخذاً في الاعتبار عدد السكان الآن مقارنة بقبل قرن، مساوية لتلك النسب في وقت الكساد الكبير، وربما أكبر.
ويستند المتشائمون إلى نسب تصدر عن مسؤولين أو مؤسسات كبرى للمقارنة والخلوص إلى أن هذا الكساد سيكون “أعظم” من كساد ثلاثينيات القرن الماضي. فرئيس بنك الاحتياطي في سانت لويس الأميركية، جيمس بولارد، يقدّر أن يصل معدل البطالة في غضون أسابيع إلى 30 في المئة، ويتوقع انكماش الاقتصاد الأميركي بما يصل إلى 50 في المئة.
وربما لا يأخذ هذا في الاعتبار طرح الحكومة نحو 6 تريليونات دولار في شكل حزم تحفيز اقتصادي ودعم مباشر للأعمال والعاملين، لكن حتى التي تأخذ هذا في الاعتبار، فتقديراتها عالية أيضاً. فبنك “غولدمان ساكس” الاستثماري يتوقع معدل بطالة متحفظاً بنسبة 13.2 في المئة وانكماشاً اقتصادياً بنسبة 34 في المئة، بينما دويتش بنك، الأكثر تحفظاً، يتوقع وصول البطالة في أميركا إلى 12 في المئة وانكماش الاقتصاد بنسبة 33 في المئة.
بالطبع لا يمكن مقارنة تلك النسب والأرقام بما حدث في الركود الاقتصادي العالمي السابق في 2008- 2009. ففي تلك الفترة، ارتفع معدل البطالة بالولايات المتحدة 5 في المئة فقط، وسرعان ما بدأ الاقتصاد في 2012 بالتحسن. أما في بريطانيا فارتفع معدل البطالة من 5.2 في المئة في أكتوبر (تشرين الأول) 2008 إلى 8 في المئة مطلع 2010.
وضع استثنائي
وبعيداً عن تقديرات المتشائمين بكساد عظيم، والمتفائلين بركود كبير يعقبه انتعاش، هناك من يرى أن ما يشهده الاقتصاد العالمي لا ينطبق عليه أي من ذلك. فالاقتصاد لم يشهد تراجعاً سريعاً كما في نهاية أي دورة اقتصادية، مما يقود إلى ركود. وإنما توقف الاقتصاد فجأة، أي بانحراف حاد لمنحنى النمو ليصل إلى نقطة توقف.
وفي حال تمت السيطرة على الوباء بسرعة، وفي ظل استعداد الحكومات لدعم الاقتصاد ليعاود النشاط، فإن القطاعات المتوقفة كافّة ستعاود النشاط بوتيرة أكبر مما سبق وتستوعب أرقام البطالة، ويعاود النمو الارتفاع بالمنحنى، بالحدّة نفسها تقريباً. ويسمي البعض ذلك بأنه أشبه بنموذج حرف (V)، بينما الركود التقليدي يشبه حرف (U). وبالطبع فإن الكساد هو (U) مقطوعة، أي من دون عودة النمو لفترة طويلة، أو ما يشبه حرف (L) تقريباً.
وكما أنه من الصعب التنبؤ بمستقبل تفشي الوباء والقدرة على احتوائه الآن، كذلك يصعب توقع وضع الاقتصاد العالمي برأي هؤلاء الاقتصاديين. ويعتمد الأمر على طول مدة إجراءات الوقاية الحالية من الجائحة، ومدى قدرة الاقتصادات الرئيسة على الصمود “عند نقطة الصفر”، قبل معاودة الانطلاق.
أحمد مصطفى
اندبندت عربي