كحدث متكرر، سقط فجر يوم الإثنين، عددا من صواريخ الكاتيوشا ، على مقارّ شركة هالبرتون الأميركية التي تعمل في حقول نفطية ببلدة الزبير غربي البصرة، وسقطت صواريخ أخرى في ذات الوقت قرب بئر نفطية بمنطقة البرجسية، وأخرى قرب مكاتب مدينة الطاقة iec ومجمع للأعمال.
ويأتي ذلك بعد يومين من بيان حمل توقيع ثماني مليشيات عراقية، مرتبطة بإيران، قالت إنها قررت اعتبار القوات الأميركية قوات احتلال، وهددت باستهداف مصالح أميركية، بسبب رفض تجاوب الولايات المتحدة مع قرار مجلس النواب العراقي بسحب قواتها من العراق.
وقبل فترة هدد تنظيم شيعي يحمل اسم «عصبة الثائرين» بقصف السفارة الأمريكية في بغداد، ونشر فيديو مصوّرا من مسافات قريبة عبر طائرة مسيّرة يرصد منشآت السفارة بالكامل. وقال في بيان إن «هذه السفارة باتت الآن تحت أنظارنا وفي رحمة صواريخنا لو شئنا لجعلناها هباءً منثورا» .
هذا الاعتداء المتكرر على المصالح الأمريكية في العراق من قبل المليشيات، هو أشبه بمسلسل درامي فاشل من حيث الأداء والتصوير والإخراج، حتى أن المشاهد لهذا المسلسل سئم من متابعته، وأقصد هنا بالمشاهد بالشعب العراقي.
عراق اليوم ، شئنا أم أبينا، يتصدر مشهده الأمني والسياسي مليشيات منفلتة كل غاياتها السيطرة على العراق، لإحكام قبضة النفوذ الإيراني عليه ، وتكون ممثلة ايران بالعراق على غرار حزب الله في لبنان والحوثيون في اليمن.
فهي ليست مليشيات وطنية وأنها ورقة تسخدمها طهران ضد الولايات المتحدة في العراق، والدليل على ذلك، إذا حصل أي انفراج في العلاقات الايرانية الأمريكية، فإن ذلك سينعكس على الساحة العراقية وستلزم إيران مليشياتها بالعراق بعدم الاعتداء على المصالح الأمريكية فيه، ونسيان القرار الذي صدر عن مجلس النواب العراقي في كانون الثاني/ يناير ، الذي دعا إلى اخراج القوات الأمريكية من العراق.
فالمليشيات تاريخيا في جوهرها ظاهرة تعمل ضد الدولة والقانون، لذلك لم يخبرنا التاريخ الإنساني القديم والحديث والمعاصر أن دولة ما ازدهرت وأصبحت في مراتب الدول المتقدمة وهي تحكم من قبل المليشيات، بل على العكس سيكون مآلها الفشل.
أن بروز المليشيات كمرض في المشهد العراقي السياسي والأمني يعود إلى ضعف مناعة الدولة العراقية ولهذا الضعف أسبابه، لكن نقول هذا المرض يجب أن يزول لكي يستعيد العراق مناعته، وإن لم يزل فأنه سيجهز على العراق كدولة ومجتمع وهوية وطنية ، ويعود به إلى مرحلة ما قبل الدولة حيث الانتماء على أسس الهوية الفرعية كالطائفة والمذهب والعشائرية والعرقية، وتمضي كل هوية من تلك الهويات في تأسيس مكونها المليشياوي للدفاع عن مصالحها والحفاظ على بقائها، ليصبح الحديث عن العراق كدولة طوائف أو الدولة الوطنية أو الدولة المدنية مسألة عفا عليها الزمن، ليستقر المقام نحو دولة المليشيات. وهذا ما لا نرجوه ، لكن ما نرجوه شيىء والواقع المعاش شيىء آخر.
وحدة الدراسات العراقية