رفض وزير شؤون مجلس الوزراء البريطاني مايكل غوف الرد على سؤال “بي بي سي”، عما إذا كان رئيس الوزراء بوريس جونسون أعطى وزير الخارجية دومينيك راب الزر النووي حين طلب منه أن يقوم بمهماته، إثر حجزه في المستشفى لعلاجه من الإصابة بفيروس كورونا (كوفيد-19).
وكان رد غوف أنه ليس مخولاً الحديث في مسائل الأمن القومي. لكن السؤال أثار الاهتمام بالسلاح النووي، كون بريطانيا واحدة من مجموعة دول في العالم بعدد أصابع اليد الواحدة المعروفة رسمياً بأنها قوة نووية.
ويقدر أن لدى بريطانيا 215 صاروخاً باليستياً محملاً برأس نووي من نوع ترايدنت، يعتقد أن 120 منها فقط جاهزة للاستخدام. وعلى الرغم من أن هذه الصواريخ النووية مستأجرة من الولايات المتحدة، إلا أن لبريطانيا السلطة الكاملة عليها ويمكنها استخدامها بحسب إرادتها السياسية، أي بقرار من رئيس الوزراء أو من ينوب عنه.
ليس لدى بريطانيا قوة نووية جوية، إنما لديها أربع غواصات، كل واحدة منها مسلحة بـ 16 صاروخ ترايدنت، ومنها غواصة واحدة على الأقل تقوم بدورية في أي وقت. وقوة بريطانية النووية هي قوة ردع، أي للاستخدام في حال تعرض بريطانيا لهجوم.
وهناك مشروع قديم لتحديث قوة الردع النووي البريطانية، لكنه يتأجل بسبب الكلفة التي تبلغ مليارات الجنيهات الإسترلينية. وكان آخر مقترح لتحديث قوة الردع النووي في فترة رئاسة ديفيد كاميرون للحكومة، لكن المشروع أرجئ مجدداً. فعلى الرغم من “العلاقة الخاصة” بين بريطانيا والولايات المتحدة إلا أن هناك في لندن من يريد ألا تكون الصواريخ مستأجرة وتحتاج كل فترة إلى الصيانة والإصلاح في الولايات المتحدة. علماً أن ليس هناك أي سيطرة أميركية على قوة بريطانيا النووية، كما ذكرت تقارير صحافية في السابق.
الشيء الوحيد الذي قد تستخدمه بريطانيا هو الأقمار الصناعية الأميركية لتحديد الأهداف. وهذه يمكن الاستعاضة عنها ولا تشكل أي سلطة لأميركا على استخدام السلاح النووي البريطاني.
الزر الأكبر
يتذكر الناس قبل عامين التصريحات الحادة المتبادلة بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب وزعيم كوريا الشمالية كيم يونغ أون في شأن من لديه زر نووي أكبر من الآخر. طبعاً، ليس القصد زراً حقيقياً كالذي قد نشاهده في السينما، يضغطه الزعيم فينطلق الصاروخ النووي من قاعدة أو غواصة أو طائرة. هي مسألة رمزية تماماً. وبما أن لدى الولايات المتحدة نحو 6800 صاروخ نووي بينما كوريا الشمالية لا يُعتقد أن لديها أكثر من 20 رأساً نووياً، فبالتأكيد “الزر” الأميركي أكبر.
تعتمد عملية إطلاق السلاح النووي على تسلسل قيادة، وتتضمن شيفرات من حروف وأرقام، وفي الأخير “مفتاح” مادي في موقع الإطلاق، في الأرض أو الجو أو البحر. وفي الولايات المتحدة، مثلاً، من يملك سلطة إطلاق سلاح نووي هو الرئيس.
وحين يقرر الرئيس مع قادته العسكريين إطلاق السلاح النووي، يسمع من رئيس الأركان أو وزير الدفاع أو أعلى قائد عسكري من مساعديه شفرة حروف (غالباً من حرفين، مثل دلتا ألفا– أي حرف دي وحرف إيه بالإنجليزية). حينئذ، يخرج الرئيس “البسكوتة”، وهي بطاقة مثل بطاقات الائتمان البنكية لكنها أكثر صلابة وعليها شفرة من أرقام وحروف يرد بها على شفرة الحرفين. هنا، يقدم شخص (غالباً ما يكون مرافقاً للرئيس دوماً) “كرة القدم” وهي عبارة عن حقيبة تحتوي على “نظام التوثيق المغلق”، وهو عبارة عن شفرات إطلاق الصواريخ.
بعد ذلك، ترسل وزارة الدفاع (البنتاغون) شفرات إطلاق الصواريخ إلى القادة العسكريين في موقع الصواريخ، فيفتحون خزنة لديهم ويطابقوا شفرات الإطلاق بالتي لديهم ثم يرفعون مفتاحاً لإطلاق الصاروخ. وإذا كان الإطلاق من قاعدة أرضية، يتطلب الأمر إدارة 5 مفاتيح في مواقع مختلفة في وقت واحد لإطلاق الصاروخ– وذلك بغرض تفادي أي خطأ أو تمرد، إذ إن هناك مفتاحين فقط هما المطلوبان للإطلاق لكن لا يعرف أي من الخمسة هما.
في الأغلب، لا يختلف الأمر كثيراً في النظام البريطاني غير أن القرار الأعلى هو لرئيس الوزراء. وكما يصف محرر الشؤون الخارجية والدبلوماسية السابق لشبكة “سكاي نيوز” تيم مارشال الوضع، فإن أمر الإطلاق غالباً ما سيأتي من خندق محصن أسفل وزارة الدفاع البريطانية في وايتهول. ذلك لأن إطلاق صاروخ نووي بريطاني سيكون رداً على هجوم، ووقتها سيكون أعضاء الحكومة الرئيسيين في ما يسمى “مركز إدارة أزمات الدفاع” في ذاك الخندق المحصن، الذي بُني في تسعينيات القرن الماضي وزاره تيم من قبل وكتب عنه.
وتحتاج كل خطوة من خطوات توثيق الشفرات إلى شخصين أيضاً، لكن قادة الغواصات لديهم “زر” وليس مفتاح مثل الولايات المتحدة، وهو على شكل قاعدة مسدس وفيه زناد يكون الضغط عليه آخر خطوة لإطلاق الصاروخ من غرفة الصواريخ في الغواصة.
رسالة الملاذ الأخير
وما يختلف عن الولايات المتحدة أن هناك حالة واحدة في بريطانيا يكون قرار إطلاق السلاح النووي بغير حاجة إلى السياسيين، ويصبح في يد القائد العسكري المباشر في أي غواصة تحمل صواريخ ترايدنت. وبحسب برنامج وثائقي لـ”بي بي سي” قبل أكثر من عشر سنوات، هناك في كل غواصة من غواصات ترايدنت الأربع خزنة فيها رسالة مغلقة من رئيس الوزراء تسمى “رسالة الملاذ الأخير”.
وعلى كل رئيس للحكومة أن يكتب هذه الرسائل الأربع بخط اليد في بداية توليه السلطة، وترسل إلى الغواصات لتحفظ في خزنة مؤمنة. وعندما يتغير رئيس الحكومة تدمر تلك الرسائل من دون أن تفتح، فتظل لا يعرف محتواها سوى رئيس الوزراء وحده.
الحالة الوحيدة التي تفتح فيها تلك الرسائل هي إذا ما وقع هجوم على بريطانيا أدى إلى تدمير الحكومة، أي رئيس الوزراء ومن ينوب عنه. وتختلف الروايات في شأن تحديد هذه الحالة، فهناك مقولة قديمة بأن قادة الغواصات يعرفون ذلك حين يتوقف (راديو فور) أي الإذاعة الرابعة لـ”بي بي سي” عن البث. وهناك قول آخر بأنه يتعذر على قائد الغواصة التواصل مع القيادة لمدة أربع ساعات. لكن كل ذلك ليس أكيداً، ولا بد من أن هناك بروتوكولاً صارماً لمثل هذه الحالات وربما يتغير من وقت لآخر.
في تلك الرسالة، هناك خيارات أربعة، تختلف الآراء في شأنها أيضاً. لكن هناك إجماعاً على أنها تتضمن: اتخذ القرار المناسب (ولقائد الغواصة أن يحدد ما يفعل)- اطلق الرد النووي الانتقامي (مع تحديد أهداف)– عدم الرد أو إطلاق الصواريخ النووية– ضع غواصتك تحت قيادة الولايات المتحدة أو أستراليا.
وأياً كان الخيار الذي يحدده كل رئيس وزراء يظل غير معروف لغيره طالما لم تصل بريطانيا إلى حال اللجوء إلى رسالة الملاذ الأخير.
أحمد مصطفى
اندبندت العربي