منطقة شرق الفرات السورية: تنافس ثلاثي لفرض النفوذ

منطقة شرق الفرات السورية: تنافس ثلاثي لفرض النفوذ

لم تغب منطقة شرقي نهر الفرات السورية عن صدارة المشهد منذ أواخر العام الماضي، حيث خلطت العملية العسكرية التركية الأوراق، وفتحت الباب أمام تنافس متعدد الأطراف للهيمنة على المنطقة الأهم في سورية، حيث ينشط الروس والأتراك والأميركيون من أجل تعزيز حضورهم العسكري في المنطقة التي تشكل نحو ثلث مساحة سورية، وتسيطر على أغلبها “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، المدعومة من التحالف الدولي، والساعية إلى تعزيز التفاهم مع الروس للحيلولة دون تدخل تركي جديد في المنطقة.

وقالت مصادر محلية، لـ”العربي الجديد”، إن القوات الروسية استقدمت تعزيزات أخيراً إلى منطقة منبج في ريف حلب الشمالي الشرقي، غرب نهر الفرات، وإلى منطقة عين العرب (كوباني)، ذات الغالبية الكردية، شرقي النهر. وأشارت المصادر إلى أن هذه التعزيزات تأتي في سياق التفاهم العسكري ما بين الجانب الروسي و”قسد” في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، خلال العملية التي شنها الجيش التركي مع فصائل المعارضة السورية ضد هذه القوات.


تعد منطقة شرقي نهر الفرات الأهم في سورية نظراً لغناها بالثروات النفطية والزراعية والمائية

“وكشفت مصادر مطلعة في “قسد”، لـ”العربي الجديد”، أن التعزيزات الروسية، التي جاءت عقب طلب من “قوات سورية الديمقراطية”، تأتي في سياق محاولات للحيلولة دون قيام الجيش التركي بعمل عسكري واسع النطاق باتجاه منبج أو عين العرب، حيث ساد قلق في المنطقتين أخيراً مع بروز معطيات تشير إلى اقتراب الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية المرتبطة به من شن عمل عسكري للسيطرة عليهما. وكانت القوات الروسية قد أنشأت بالتفاهم مع “قسد”، أواخر العام الماضي، قاعدتين في محيط مدينة عين العرب في منطقتي صرين ومشتى نور.

ولا يزال اتفاق روسي تركي أبرم في مدينة سوتشي الروسية في 22 أكتوبر الماضي، يحكم التوازنات العسكرية في منطقة شرقي نهر الفرات التي تسيطر “قسد” على معظمها. ونصّ الاتفاق على أن الشرطة العسكرية الروسية ستُخرج عناصر “قوات سورية الديمقراطية” مع أسلحتهم حتى مسافة 30 كيلومتراً من الحدود التركية، شرق الفرات، بالإضافة إلى إخراج جميع عناصر “وحدات حماية الشعب” الكردية مع أسلحتهم من منطقتي منبج وتل رفعت في ريف محافظة حلب. لكن الاتفاق، كما أغلب الاتفاقات الخاصة بالملف السوري، لم ينفذ بحذافيره، بسبب تعقيدات الموقف على الأرض، حيث لا تزال “الوحدات” الكردية، التي تشكل العمود الفقري لـ”قسد”، تسيطر على منطقة تل رفعت في ريف حلب الشمالي، وعلى منطقة منبج، فيما سحبت قواتها إلى عمق 30 كيلومتراً في بعض مناطق شرقي نهر الفرات.

وكانت “قوات سورية الديمقراطية” قد لجأت إلى الروس من أجل الضغط على الجانب التركي لعدم توسيع نطاق عمليته في شرق نهر الفرات، مقابل السماح لموسكو والنظام السوري بنقل قوات إلى المنطقة، ما يعني عودة الأخير لاعباً رئيسياً في الأحداث. وسيّر الجانبان، الروسي والتركي، منذ ذلك الحين عدة دوريات مشتركة، سواء في منطقة عين العرب أو ريف الحسكة في الشمال الشرقي من سورية. ومنذ أواخر العام الماضي تحولت منطقة شرقي نهر الفرات إلى ميدان صراع بين كل أطراف الصراع على سورية، خصوصاً أنها تعد المنطقة الأهم في سورية نظراً لغناها بالثروات النفطية والزراعية والمائية، فضلاً عن موقع جغرافي متميز. ويشكل العرب غالبية السكان في شرق الفرات، لكنهم بلا سطوة عسكرية تُرجح كفتهم بسبب هيمنة “الوحدات” الكردية، المدعومة من الأميركيين، على “قوات سورية الديمقراطية”، التي يعتبرها الجانب التركي غطاء لأحزاب كردية تطمح لإنشاء إقليم ذي صبغة كردية في شمال شرقي سورية، تعتبره أنقرة خطراً على أمنها القومي.

ويحتفظ أطراف الصراع بوجود عسكري فعال في المنطقة، حيث سمح التفاهم العسكري بين موسكو والأكراد بانتشار قوات روسية، وأخرى للنظام في المنطقة، التي كان يسيطر فيها فقط على مربعين أمنيين في الحسكة والقامشلي، وأجزاء من ريف المحافظة، بالإضافة إلى مطار القامشلي المدني. كما يملك النظام حضوراً عسكرياً في منطقة طرطب في ريف الحسكة، حيث لا يزال يحتفظ بفوج يضم عدداً غير معلوم من العناصر، بالإضافة إلى وجود حوامات عسكرية داخل مطار القامشلي. ونتيجة الاتفاق، نشر النظام السوري عناصر على عدة حواجز غير بعيد عن الحدود التركية في ريف الحسكة، وفي منطقة عين عيسى. بينما تنتشر قوات روسية في عدة مناطق في محافظة الحسكة، وفق مصادر محلية، أشارت إلى وجود روسي عسكري في مدينة عامودا وبلدة تل تمر في ريف الحسكة الشمالي.

ولا يقتصر النفوذ الروسي في الحسكة على عدة بلدات، إذ تؤكد مصادر محلية أن القوات الروسية استحوذت على النادي الزراعي بالقرب من القامشلي لإقامة قاعدة داخله. وكانت وسائل إعلام روسية قد أشارت إلى احتمال قيام موسكو باستئجار مطار القامشلي المدني، الذي يقع على بعد كيلومترات عدة من الحدود مع تركيا، لمدة 49 سنة. وفي منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها نقلت منظومات من الدفاع الجوي وطائرات حربية من قاعدة حميميم العسكرية في ريف اللاذقية إلى مطار القامشلي في الحسكة. وبثت قناة “زفيزدا”، التابعة لوزارة الدفاع الروسية، لقطات لوصول ثلاث مروحيات إلى القامشلي. كما ظهر في اللقطات أيضاً النظام الدفاعي المضاد للطائرات “بانتسير”. وأكدت مصادر مطلعة أن الروس استقدموا أخيراً تعزيزات إلى مطار القامشلي، وأقاموا نقاطاً في ريف الرقة الشمالي وفي تل تمر وفي قرية زركان (أبو راسين)، في ريف رأس العين الشرقي.


أنشأت القوات الأميركية قاعدة في قرية هيمو، غرب القامشلي بنحو 6 كيلومترات

“في المقابل، حوّل الجيش التركي المنطقة ما بين مدينتي تل أبيض، في ريف الرقة الشمالي، ورأس العين، في ريف الحسكة الشمالي الغربي، إلى منطقة نفوذ له. وتمتد المنطقة على طول نحو 100 كيلومتر، وعمق لا يقل عن 30 كيلومتراً. وكان الأتراك يخططون للسيطرة على كامل الحدود السورية شرق نهر الفرات، والبالغة 440 كيلومتراً وبعمق 32 كيلومتراً، إلا أن الرفض الأميركي والروسي حال دون ذلك. لكن الجانب التركي لا يزال يعتبر “قسد” عدواً له، لذا يتحين الفرصة لتوسيع نطاق نفوذه الجغرافي على حساب هذه القوات، التي تسعى إلى تعزيز تفاهمها مع الجانب الروسي لردع الجانب التركي.

ويحتفظ الأميركيون بوجود فاعل في منطقة شرقي نهر الفرات، خصوصاً في محافظة الحسكة وريف دير الزور الشرقي، حيث حقول وآبار النفط. وأشارت مصادر محلية إلى أن الأميركيين يحتفظون بوجود عسكري لهم داخل منطقة القامشلي التابعة إدارياً لمحافظة الحسكة، حيث أنشأوا قاعدة في قرية هيمو، الواقعة إلى الغرب من القامشلي بنحو 6 كيلومترات، بالإضافة إلى قاعدة في حقل السعيدية النفطي في ناحية القحطانية، وأخرى في قاعدة حقل رميلان في ريف القامشلي الشرقي. ولا يقتصر الوجود الأميركي على القامشلي، إذ تنتشر قوات في حي غويران داخل مدينة الحسكة، وفي منطقة الشدادي في ريف الحسكة الجنوبي. وفي حديث مع “العربي الجديد”، أشار الكاتب السوري المقرب من “الإدارة الذاتية” الكردية في شمال شرقي سورية إدريس نعسان، إلى أن “هناك تنافساً روسياً تركياً أميركياً على النفوذ في منطقة شرقي نهر الفرات”، معتبراً أن “التعزيزات الروسية والسورية (التابعة للنظام) في شمال شرقي البلاد جزء من هذا التنافس، وفرض الرؤية الروسية في الحل” السوري.

أمين العاصي

العربي الجديد