“أحسنتِ يا أوبك!” هي جملةٌ ربما تُسبّب استياء الكثيرين، وخاصة أولئك الذين لديهم ذكريات من السبعينيات والثمانينيات عندما بدا أن كارتيل النفط يضغط على الدول الغربية في كثير من الأحيان لكي يتسنّى لشيوخ العرب التنعّم والاحتفال. وبعد مرور ثلاثين عاماً، أحدثت منظمة “أوبك” صدمةً إضافية في اقتصادات الدول الغربية التي أضعفها الفيروس، وذلك عندما أغرقت السوق بالنفط المنخفض السعر، وربما تكون قد تصرّفت بشكل مسؤول من خلال موافقتها على العمل لإرساء الاستقرار في السوق.
ويُعد النفط منخفض السعر مناسباً لمعظمنا، على الرغم من أنه بقدرٍ أقل عندما نكون عالقين في منازلنا بدلاً من قيادة سياراتنا للذهاب إلى العمل أو الخروج لقضاء وقت ممتع في عطلة نهاية الأسبوع. ولكن هذا الانخفاض لا يعتبر مناسباً حين يبلغ درجةً تقوّض قطاع النفط الأمريكي، وعلى وجه الخصوص إنتاج الزيت الحجري الذي منح الولايات المتحدة فعلياً استقلاليةً في الطاقة على مدى السنوات الأخيرة.
بعد أربعة أيام من المفاوضات، تم أخيراً التوصل إلى اتفاق من خلال عقد مؤتمر عن بُعد يوم الأحد بين روسيا والمملكة العربية السعودية، لتنتهي بذلك حرب أسعار النفط التي كانت قد بدأتها الدولتان قبل شهر. وكان إنتاج الزيت الحجري في الولايات المتحدة أحد الأهداف التي طمحتا إليها، إذ اعتبرتا أن هذا الإنتاج يستغل مساعيهما في “أوبك بلس” (“أوبك +”) (كارتل “أوبك” بقيادة السعودية بالإضافة إلى روسيا والعديد من المصدّرين الآخرين من خارج “أوبك”) للحفاظ على استقرار الأسعار في سوق متداعية.
وعلى أي حال، تراجع إنتاج الزيت الحجري الأمريكي في الأسابيع القليلة الماضية بسبب فيروس كورونا الذي أثّر على الطلب، ولكن يبدو أن الرئيس ترامب كان العنصر الرئيسي في الاتفاق. وبدلاً من الدور الفخري الذي توقَعْتُهُ له قبل أسبوع، أدّى الرئيس الأمريكي دور البطولة. إذ يبدو أنه تعاطى بصرامةٍ مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، على الرغم من أن المسؤولين لا يصرّحون عن مثل هذه النسخة غير الدبلوماسية على ما يبدو من الأحداث. فقد توصّل حتماً إلى تسوية مزيفة بشأن موقف المكسيك الذي عادة ما يكون متصلب.
لكن السؤال الأكثر أهمية هو إلى متى سيستمر الاتفاق؟ من المفترض أنه لا يبدأ قبل الأول من أيار/مايو حين يقوم تحالف “أوبك بلس” بخفض الإنتاج بنحو 10 ملايين برميل يومياً، أي حوالي 10 بالمائة من الطلب العالمي. وهذا مجموعٌ تساهم فيه، على الورق، كلٌّ من الولايات المتحدة وكندا والبرازيل. لكن هذه التخفيضات تستمر فقط حتى نهاية حزيران/يونيو، حيث سيتم تخفيضها حتى نهاية كانون الأول/ديسمبر. ثم تدعو الاتفاقية إلى مزيد من التسهيلات في التخفيضات، والتي من المفترض أن تستمر حتى نيسان/أبريل 2022.
هل تشككون في الأمر؟ حريٌّ بكم ذلك. فالتداول الأولي بالنفط في مطلع أسبوع العمل لم يكشف سوى عن ارتفاع طفيف في السعر. ويبدو أن تلك القوة البالغة – أي “السوق” – تشكك في نجاح الاتفاق. ولعلها على صواب. فالعالم مليء بالنفط، والخزانات ممتلئة، وحمولة الناقلات غير المُباعة راسيةٌ في مكانٍ ما أو تدور في حلقات بانتظار مَن يشتريها. وفي غضون ذلك، لا تلوح في الأفق أي بوادر بانحسار الانكماش الاقتصادي الناجم عن الفيروس. إن الأمل في أن تساهم الإمدادات الوفيرة من النفط، التي لا تزال بأسعار رخيصة نسبياً، في عملية التعافي حين نبدأ بالتغلب على الفيروس، لا يزال حلماً في الوقت الحالي.
وفي هذه الأثناء، قد نواجه جولة جديدة من أزمة النفط، ومن الممكن أن تكون ناتجة مرة أخرى عن شخصية المعنيين. وفي هذه المرة الأخيرة، اضطلع العاهل السعودي الملك سلمان بدور مثير للاهتمام، حيث أفادت بعض التقارير أنه ناقش القضية مع الرئيس بوتين وانضم أيضاً إلى مناقشة هاتفية رئيسية مع الرئيس ترامب والزعيم الروسي. وهذا الملك البالغ من العمر 84 عاماً ليس بهذا النشاط عادةً. وقد يكون ابنه المفضل، محمد بن سلمان، الذي أدى غضبه مع روسيا إلى إثارة حرب أسعار النفط، قد تجنّب الاضطلاع بدور علني خشية أن يعني ذلك ضمناً تفوُّق الرئيس بوتين عليه. وذكرت “وكالة الأنباء السعودية” الرسمية أن محمد بن سلمان أجرى محادثة هاتفية خاصة به مع ترامب.
إنّ الدينامية بين الملك سلمان ونجله الأمير محمد تُبهر صانعي السياسات، ربما بدرجة أكبر اليوم بسبب التباعد الجسدي بينهما. فوفقاً لبعض التقارير يتواجد العاهل السعودي في جزيرة في البحر الأحمر قبالة مدينة جدة، دون مشاركة مستشار واحد على الأقل من بين أقرب مستشاريه الملكيين الذي أصيب بفيروس [كورونا]. أما محمد بن سلمان فهو على بعد عدة مئات من الأميال شمالاً في مدينة نيوم المستقبلية، في مكان مغلق مع مستشاريه الذين يحاولون العمل على خفض الميزانيات لمواجهة الانخفاض في عائدات النفط.
ومن المرجح أن لا تكون هذه المسرحية الدرامية قد انتهت بعد. فلنستعدّ إذاً للفصل التالي.
سايمون هندرسون
معهد واشنطن