توصلت منظمة أوبك وروسيا ودول أخرى في العاشر من شهر أبريل/نيسان الجاري، إلى اتفاق جديد لخفض إنتاج النفط بشكل مؤقت، وجاء الاتفاق بعد عقد مؤتمر فيديو استمر تسع ساعات جمع بين وزراء طاقة الدول المنتجة للنفط، فما تأثير هذا الاتفاق على روسيا أحد أكبر أطراف هذا الاتفاق؟
مسار الاتفاق
يقول الكاتب مكسيم أ.سوشكوف في تقرير بموقع “المونيتور” الأميركي، إن الاتفاق الجديد، الذي وضعت صيغته النهائية في 12 أبريل/نيسان الجاري ينص على إجراء تخفيضات في إنتاج النفط تبلغ 9.7 ملايين برميل يوميا في شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران.
وقد وافقت 22 دولة من بين 23 دولة مشاركة على خفض الإنتاج بنسبة 23%، مقارنة بمستوى الإنتاج خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وستُخفض كل من السعودية وروسيا الإنتاج من 11 مليون برميل يوميا إلى 8.5 ملايين برميل يوميا، بينما رفضت المكسيك مقترح تخفيض الإنتاج بمقدار أربعمئة ألف برميل في اليوم، ووافقت على خفضه بمقدار مئة ألف برميل فقط.
وفي 12 أبريل/نيسان الجاري، أجرى الرئيس الأميركي دونالد ترامب مكالمة ثلاثية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز آل سعود لتهنئتهما بالتوصل إلى اتفاق.
وقبل ذلك، كانت السعودية قد عقدت مكالمة هاتفية ثلاثية بين سلمان وترامب وبوتين استمرت حوالي ساعة ونصف الساعة، وأكد الكرملين في بيان صحفي “أن الأطراف التزامت بتنسيق الجهود من أجل استقرار سوق النفط وتقليل التأثير السلبي لتقلب الأسعار على الاقتصاد العالمي”.
وذكر الكاتب أنه بعد إبرام اتفاق أوبك بلس المؤقت، اتصل ترامب بنظيره الروسي لإجراء محادثة منفصلة، وتبادل الرئيسان وجهات النظر حول التطورات الحالية في سوق النفط العالمي، وأوضح بيان للكرملين أن الرئيسين اتفقا على مواصلة المشاورات الروسية الأميركية بشأن هذه القضية، مضيفا أنهما تطرقا بالحديث عن جائحة “كوفيد-19” ومسار التعاون في هذا الشأن.
كما أجرى بوتين اتصالا مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لمناقشة الخطوات الروسية السعودية المقبلة بشأن هذه القضية، وكانت تلك أول محادثة بين بوتين وبن سلمان منذ اندلاع حرب أسعار النفط بين موسكو والرياض.
وحسب المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف، “مثّل إجماع 22 دولة من بين 23 على معايير معينة لخفض إنتاج الخام نجاحا مبهرا لجهود وزراء دول أوبك بلس”.
تكلفة الصفقة الجديدة
نقل الكاتب ما جاء على لسان نائب رئيس شركة لوك أويل، ليونيد فيدون، وهو من بين القلائل الذين انتقدوا فكرة انفصال روسيا عن أوبك، حيث أوضح للصحفيين أنه “لو لم يقع إبرام الصفقة الجديدة، لكانت مخازن النفط العالمية امتلأت خلال 40 إلى 45 يوما، ولكان على روسيا تجميد العمل في حقولها النفطية وبيع النفط بأسعار تتراوح بين 15-20 دولارا للبرميل”.
وحسب لوك أويل، التي تعد أحد أقطاب صناع النفط في روسيا، “من المتوقع أن تُبقي الصفقة الجديدة الأسعار في حدود ثلاثين إلى أربعين دولارا للبرميل، وتساهم في ربح لروسيا بين سبعين مليون دولار إلى ثمانين مليون دولار يوميا، وهذا ما يجعل الصفقة خيارا معقولا بالنسبة لروسيا”.
وعندما سُئل فيدون عن التكلفة التي ستدفعها موسكو لخفض إنتاجها بمقدار 2.5 مليون برميل يوميا، قال “أنا أعتبر الصفقة الحالية مشابهة لمعاهدة بريست للسلام، التي وقع إبرامها خلال عام 1918 عندما كان على البلاشفة أن يعقدوا اتفاقية مع ألمانيا، وكان هذا الأمر مهينا وغير مقبول”.
يشار إلى أن معاهدة بريست، المعروفة أكثر باسم معاهدة بريست ليتوفسك، وقع إبرامها في الثالث من مارس/آذار 1918، من قبل الحكومة البلشفية الجديدة آنذاك في روسيا ووضعت حدّا لمشاركة روسيا في الحرب العالمية الأولى، وساهمت في تنازلها عن السيطرة على دول البلطيق إلى ألمانيا.
في المقابل، رأت بعض وسائل الإعلام الأخرى أن الصفقة تخدم بالأساس مصالح ترامب، وفي هذا السياق، كتب أليكسي إلياشفيتش، الكاتب في الصحيفة الروسية اليمينية الشعبية سفوبودنايا بريسا، “إن الفائز الرئيسي في الصفقة الجديدة هو دونالد ترامب، وقد سارت قمة الدول المصدرة للنفط وفق السيناريو الذي وضعه”.
وأردف إلياشفيتش “لقد كان الرئيس الأميركي هو المسؤول عن عودة بوتين وولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى طاولة المفاوضات وإبداء استعدادهما لتقديم تنازلات”.
وعلى الرغم من أن روسيا رفضت خلال شهر مارس/آذار الماضي إطالة أمد الصفقة التي تقضي بخفض إنتاج موسكو 1.5 مليون برميل يوميا، فإنه بات عليها الآن أن تُخفض إنتاجها بحوالي 2.5 مليون إلى 2.8 مليون برميل في اليوم.
لكن هل كان الأمر يستحق الانفصال عن أوبك بلس في مارس/آذار، فقط لتحمل التزام بإجراء تخفيضات أكبر؟
في الوقت الحالي، سيتعين على موسكو والرياض سحب ملايين البراميل من السوق، بينما واشنطن مئات الآلاف فحسب، وبذلك تكون الولايات المتحدة لاعبا يمكن أن يتكيّف بسهولة مع تغير الأسعار”.
تداعيات خفض الإنتاج الروسي
أشار الكاتب إلى أن بعض المحللين في سوق النفط الروسي كانوا أكثر تشاؤما بشأن التداعيات النهائية للصفقة الجديدة بالنسبة لموسكو.
وفي هذا الإطار، قال ميخائيل كروتيخين الشريك في شركة إينرجي الروسية للاستشارات، إن “الصفقة الجديدة ستكون لها عواقب وخيمة على الاقتصاد الروسي”.
وحسب كروتيخين، هناك حوالي 180 ألف بئر نفط عاملة في روسيا، ومن أجل خفض الإنتاج بنسبة 23%، يتعين على السلطات إغلاق حوالي 14 ألف بئر.
ومن أجل إغلاقها، يتوجب على الشركات قطع الكهرباء عن آبار النفط، ووقف غمرها بالمياه، وما إلى ذلك، ومن الناحية الفنية، ليس الأمر معقدا للغاية ولكن سيكون من الصعب استئناف الإنتاج في هذه الآبار بعد ذلك.
وتابع كروتيخين “في حال ظلت هذه الآبار خارج الخدمة لمدة شهرين تقريبا، ستتشكل رواسب البارافين والستارين التي يجب تنظيفها، وتتجمد الآبار وتتشكل هيدرات غازات الهيدروكربون التي ينبغي على الشركات استخدام المواد المذيبة وإخراج آلات الضخ لتنظيفها، وكل ذلك سيكون ذو تكلفة باهظة الثمن”.
وأضاف كروتيخين “سيكون هناك نقص في الإيرادات، ومن أجل تلبية الاستهلاك المحلي، سيتعيّن على روسيا خفض الصادرات، وهذا يعني أنه حتى لو ارتفعت أسعار النفط بشكل طفيف وفق ما جاء في صفقة أوبك بلس، فسيظل هناك عجز في ميزانية الدولة جراء تراجع معدل الصادرات، وسيكون ذلك بمثابة كارثة مالية ذات عواقب رهيبة على الناس العاديين”.
الكاتب أشار إلى أن وزارة الطاقة الروسية شددت على أن الصفقة مبدئية ويمكن تعديلها لتجنب هذه الآثار الخطيرة.
ونقل عن وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك قوله “وقع تحديد الإطار الزمني للاتفاق بسنتين، تعدان الفترة الزمنية الأكثر فعالية للسوق من أجل إرسال إشارة بأن الدول جادة في اتخاذ تدابير تهدف لاستقرار السوق واستعادة توازن قاعدتي العرض والطلب”.
الجزيرة