أزمة فيروس كورونا في إيران: التداعيات على السياسة الأمريكية

أزمة فيروس كورونا في إيران: التداعيات على السياسة الأمريكية

في 13 نيسان/أبريل، خاطب أمير أفخامي، مهدي خلجي، پاتريك كلاوسون، وكاثرين باور منتدى سياسي افتراضي في معهد واشنطن. وأفخامي هو مدير [الطب] الوقائي في “كلية الطب بجامعة جورج واشنطن” ومؤلف كتاب “العدوى الحديثة: الإمبريالية والصحة العامة في عصر الكوليرا في إيران (2019)”. وخلجي هو عالم لاهوت شيعي تلقى تدريبه في قم، وزميل “ليبتسكي فاميلي” في المعهد. وكلاوسون هو زميل أقدم في زمالة “مورنينغستار” ومدير الأبحاث في المعهد. وباور هي زميلة “بلومنستين كاتس فاميلي” في المعهد ومسؤولة سابقة في وزارة الخزانة الأمريكية. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهم.

أمير أفخامي

يمكن إلقاء اللوم على مجموعة من العوامل الاقتصادية والسياسية والأيديولوجية في التفشي السريع والواسع النطاق لفيروس كورونا. وكان التعرض الأولي للوباء في إيران متوقعاً نظراً لمكانة الصين كشريك تجاري رئيسي للجمهورية الإسلامية، لكن عجز الحكومة الإيرانية عن اتخاذ تدابير وقائية سمح للفيروس بالوصول في وقت مبكر والانتشار بصورة أسرع من نفاذه إلى الدول الأخرى في الشرق الأوسط.

وفي البداية، كان المسؤولون غير مستعدين لتقييد الصادرات الإيرانية إلى الصين، أو فرض قيود على السفر، أو تنفيذ إجراءات الحجر الصحي اللازمة خوفاً من الإضرار بالاقتصاد الإيراني. وقد لعبت السياسة دوراً أيضاً – وربما تكون القيادة الإيرانية قد تأخّرت في اتخاذ بعض الإجراءات من أجل ضمان مشاركة أكبر في الانتخابات البرلمانية الإيرانية في شباط/فبراير، تلك الانتخابات التي اعتُبرت بمثابة اختبار شرعي لشرعيتها بعد فضيحة [حادثة إسقاط طائرة تابعة] للخطوط الجوية الأوكرانية في كانون الثاني/يناير، والاحتجاجات الجماهيرية التي بدأت في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي .

وتاريخياً، نجحت إيران للغاية في مكافحة الأوبئة. فعندما تحرك وباء كوليرا الطور في عام 1964، ردت البلاد بسرعة وشفافية، باعتمادها على قيادة المتخصصين في الرعاية الصحية، والاقتران بالتعاون الدولي مع القدرات المحلية لتطوير اللقاحات ونهج مكافحة مضادات الميكروبات. وفي المقابل، حجب الاتحاد السوفيتي المجاور الإبلاغ عن الحالات، ووضع المسؤولية على مكافحة الوباء على الأجهزة الأمنية، وحافظ على حالة الإنكار. وكانت النتيجة متوقعة: تمكُّن إيران من السيطرة على الوضع في غضون أشهر، واحتدام الوباء في الاتحاد السوفيتي لمدة خمس سنوات أخرى.

وللأسف، تلجأ إيران اليوم إلى أسلوب المقاربة السرية والعسكرية على غرار الطراز السوفيتي. ويهيمن غياب المساءلة وحالة الارتياب على سياسات الحكومة، والتي تشمل تجنب التعاون متعدد الجنسيات، ورفض المساعدة، ومنع دخول المنظمات الدولية مثل “أطباء بلا حدود”. ويدّعي الرئيس حسن روحاني أن إيران “سوّت المنحنى”، لكن حتى النماذج المتحفظة الصادرة عن جامعة “ساوث ويلز” و “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا-فرجينيا التقنية” تتوقّع أن لا يبلغ وباء “كوفيد-19” ذروته في إيران قبل فصل الصيف.

وتشير الإحصاءات الرسمية الإيرانية حتى 19 نيسان/أبريل 2019 إلى وجود 55,000 حالة إصابة بالفيروس في البلاد وإلى تسجيل 3,500 حالة وفاة. ومع ذلك، ففي الأشهر القليلة الماضية فقط، تمّ الإبلاغ عن 178,000 حالة من المتلازمة التنفسية الحادة هناك إلى جانب 13,000 حالة وفاة مرتبطة بهذه المتلازمة التنفسية – أي أعلى بكثير من متوسط عام 2019 الذي سجل أقل من 5,000 حالة من المتلازمة التنفسية الحادة شهرياً. وتشير هذه الأرقام إلى عدم كفاية الاختبار والإبلاغ عن [الإصابة] بفيروس كورونا؛ ويُقدر بعض الخبراء الإيرانيين أن البلاد قد شهدت بالفعل ما يقرب من 500,000 حالة، بما فيها الحالات بدون أعراض.

وبغض النظر عن العدد الدقيق للمصابين [بمرض “كوفيد-19”]، ستضع الأشهر المقبلة ضغطاً كبيراً على قطاع الرعاية الصحية في إيران، خاصة فيما يتعلق بوحدات العناية المركزة. ولا يوجد في البلاد سوى 2,500 سرير لوحدات العناية المركزة لكل100,000 أو أكثر من الأفراد الذين قد يحتاجون إلى علاج من ضيق التنفس. ولمكافحة مرض “كوفيد-19” بشكل فعال، تحتاج الحكومة إلى إعادة [توجيه] قيادة النظام الصحي نحو القطاع المدني، مما قد يسمح بمزيد من الكفاءة والتعاون مع الكيانات الدولية.

مهدي خلجي

بدأت الجائحة بالتفشي في إيران من مدينة قم، حيث أفادت بعض التقارير إنّ الفيروس انتقل إليها عبر أي عدد من الطلاب الصينيين الذين يدرسون في حوزة المدينة أو يعملون فيها، والذين يفوق عددهم عن 700 مواطن. وعلى غرار الأوبئة عبر التاريخ، أثار فيروس كورونا صراعاً بين العلم والدين في إيران، مما أضرّ في النهاية بصورة رجال الدين الشيعة الذين فشلوا في الاستجابة للتحذيرات الصحية الحكومية واتخاذ الاحتياطات اللازمة.

كما أضعف الفيروس التاجي المجتمع المدني الإيراني وقلّل من المقاومة الشعبية ضد ضغط النظام. وسابقاً، كانت القيادة تخشى من اندلاع المزيد من الاحتجاجات بسبب الصعوبات الاقتصادية المستمرة، لكن الوباء خفف من هذه المخاوف.

وفي الموازاة، اكتسب «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني المزيد من السيطرة على نظام الرعاية الصحية خلال انتشار الوباء، بما في ذلك بعض أفضل مستشفياته وأطبائه الأكثر تدريباً. وأمر خامنئي القوات المسلحة بإنشاء قاعدة طبية لمكافحة الفيروس، وقد تُسبب هذه الجهود ذات الطابع العسكري صراعات كبيرة بين «الحرس الثوري» ووزارة الصحة المدنية حول كيفية التعامل مع الأزمة.

ويبدو أن «الحرس الثوري» قد انتصر حتى الآن في تلك المعركة. ولا يزال بعض المسؤولين المدنيين ينتقدون النهج العسكري، لكن يبدو أن اتجاه زيادة تدخل «الحرس الثوري» في سياسة الحكومة سيستمر بعد [القضاء على] الوباء بوقت طويل – خاصة الآن بعد أن أصبح “مجلس الشورى الإسلامي” القادم تحت تأثيره بشكل كبير.

پاتريك كلاوسون

على الرغم من تأثير فيروس كورونا، [تمكّنت] الجمهورية الإسلامية من الخروج من الركود. ووفقاً لـ “المركز الإحصائي الإيراني”، بدأ الاقتصاد غير النفطي في النمو في نهاية عام 2019. وانخفضت البطالة بنسبة 1.7 في المائة (رغم أنها لا تزال مرتفعة وتصل إلى 10.6 في المائة). وترجع هذه التحسينات وغيرها بشكل أساسي إلى الوضع المالي والنقدي التوسعي بشكل غير عادي. ومن الصعب تقييم الإنفاق الحكومي الإيراني لأن البيانات غير موثوقة، ولكن التوسع السريع لـ “البنك المركزي الإيراني” في العرض النقدي يشير إلى أن البلاد تعاني من عجز هائل في الميزانية. وأظهر مؤشر أسعار المستهلك للسنة المنتهية في آذار/مارس أن متوسط معدل التضخم قد وصل إلى 34.8 في المائة، وهو أقل بقليل من هدف الرئيس روحاني البالغ 35 في المائة.

وفيما يتعلق بمساعدة الشعب خلال فترة الوباء، لدى إيران آليات فنية ممتازة لتقديم العون، بما في ذلك برنامج مدفوعات مباشرة لمدة عشر سنوات لكل أسرة وأخرى توفر النقود للمواطنين الأشد فقراً. لكنها تفتقر حالياً إلى الموارد اللازمة لاستخدام تلك البرامج بسبب العجز الضخم في الميزانية الذي تعاني منه أساساً. ومع ذلك، أعلنت الحكومة عن مساعدة قيمتها 750 تريليون ريال، أي ما يعادل 5 مليارات دولار بسعر السوق الحرة. وعلى الرغم من أن رئيس “الجمعية الاقتصادية الإيرانية” قد وصف تلك المساعدة بأنها “غير مهمة”، إلا أنها تعادل أكثر من نصف الإيرادات الضريبية التي جمعتها الدولة خلال العام الماضي. وقد طلبت طهران أيضاً قرضاً من “صندوق النقد الدولي”، ولكن هذا هو مسرح سياسي بحت نظراً لنفاذها الحالي إلى مختلف الاحتياطيات التي من شأنها أن تكون أكثر من كافية لتغطية احتياجاتها.

وفي النهاية، من المرجح أن يؤدي قرار النظام بتخفيض نطاق الإغلاق التجاري وأمده إلى التخفيف من الأثر الاقتصادي للوباء مقارنةً ببعض البلدان الأخرى. يُذكر أن المؤسسات غير الأساسية خارج طهران تفتح أبوابها أساساً، ومن المتوقع أن تحذو حذوها العديد من الأعمال داخل العاصمة في الأيام المقبلة. ومن خلال إعطاء الأولوية للاقتصاد، أدرك النظام أنه سيكون هناك عدد أكبر من الوفيات. ويُقدر الاقتصادي الإيراني سعيد ليلاز أن البلاد ستشهد انخفاضاً بنسبة 2-3 في المائة في “الناتج المحلي الإجمالي” لهذا العام (والذي قد يكون منخفضاً قليلاً). وستكون آثار الوباء أكثر حدة في قطاع الخدمات في المدن وستوجه ضربة موجعة للإيرانيين الأشدّ فقراً. أما بالنسبة لانهيار أسعار النفط، فلن يؤثر ذلك كثيراً على إيران لأن البلاد تُصدّر القليل جداً من النفط الخام – في تناقض حاد مع ما تصدره العراق والمملكة العربية السعودية، اللتين ستواجهان تأثيرات أكبر من إيران.

كاثرين باور

أشار مسؤولون إيرانيون إلى العقوبات الأمريكية كعقبة رئيسية أمام أي رد فعال لـ “كوفيد-19″، مما حفز الدعوات المتجددة لتخفيف العقوبات. ومع ذلك، من الضروري التمييز بين تخفيف العقوبات والتنفيذ الأكثر فعالية لإعفاءات العقوبات الحالية. ورغم أن الحكومة الأمريكية تطبق إعفاءات واسعة على بيع الأدوية والأجهزة الطبية والأغذية والسلع الزراعية، إلّا أن العديد من المؤسسات المالية والكيانات الأخرى لا تزال حذرة من التعاون مع إيران بسبب الارتباك الواسع النطاق بشأن هذه الإمدادات.

وبناءً على ذلك، يتعين على إدارة ترامب أن تشير إلى أنها لا تنوي منع الشركات والمؤسسات المالية من مساعدة طهران على تلبية احتياجاتها الإنسانية المتعلقة بالوباء. كما عليها اتخاذ خطوات أخرى تسهّل المساعدة دون تغيير بنية العقوبات الأمريكية بشكل أساسي، مثل توفير قدر أكبر من الوضوح بشأن التجارة ذات الأغراض الإنسانية المسموح بها، وتوسيع الحد الأقصى المفروض على إنفاق المنظمات غير الحكومية بالدولار، والنظر في التفويضات المحدودة المدة التي تدعم بدء التدخلات الطبية (بما في ذلك اللقاح بمجرد توفره).

وفي الوقت نفسه، يتعين على جميع الأطراف أن تضع في اعتبارها أن إيران لديها إمكانية الوصول إلى أموال وفيرة في الخارج تدعم المشتريات ذات الأغراض الإنسانية. وقد أصدر “مكتب مراقبة الأصول الأجنبية” التابع لوزارة الخزانة الأمريكية ترخيصاً في آذار/مارس يسمح لـ “البنك المركزي الإيراني” باستخدام أمواله في حسابات أجنبية لغرض ضيّق يتمثل في شراء الإمدادات الطبية وغيرها من السلع المسموح بها. ووفقاً لـ “خدمة أبحاث الكونغرس”، قد تحتوي هذه الحسابات على ما يصل إلى ما مجموعه 90 مليار دولار. وفي 6 نيسان/أبريل، أعلنت حكومة كوريا الجنوبية أنها ستستأنف التجارة ذات الأغراض الإنسانية مع إيران بموجب هذا الترخيص.

ويمكن توفير مساعدة إضافية ضمن إطار العمل الذي استحدثته إدارة ترامب في تشرين الأول/أكتوبر الماضي لمساعدة الحكومات والمؤسسات الأجنبية على وضع آليات دفع لقاء تجارة السلع الإنسانية. ومع ذلك، تدّعي العديد من المصارف أن العناية اللازمة التي يتطلبها هذا الإطار من العمل مرهقة للغاية. وحتى الآن، لم تستفد أي دولة من ذلك سوى سويسرا، بافتتاحها ما يسمى بـ “القناة السويسرية” في شباط/فبراير.

ولمعالجة هذه المخاوف، على الإدارة الأمريكية تقديم توضيح خطي بشأن الإعفاءات القائمة من أجل طمأنة المؤسسات المالية بأنه بإمكانها المشاركة بشكل قانوني في تجارة السلع الإنسانية مع إيران. ولن تكون هذه هي المرة الأولى التي يُصدر فيها “مكتب مراقبة الأصول الأجنبية” ترخيصاً جديداً يدمج التراخيص الحالية ويوضح كيفية تطبيقها خلال الأزمة الراهنة. وفي غضون ذلك، يتعين على مسؤولي وزارة الخزانة الأمريكية الإيضاح بأنه بالإمكان النفاذ الآن إلى أموال “البنك المركزي الإيراني” في الخارج، بما في ذلك أموال الضمان التي كانت محتجزة في البلدان المستوردة للنفط بعد أن أوقفت واشنطن سياسة الإعفاء الخاصة بتجارة النفط في أيار/مايو 2019. ومثل هذه الخطوات لا تتوافق مع سياسة إدارة ترامب لمساعدة إيران خلال هذه الأزمة فحسب، بل تُكرر أيضاً الإجراءات الأمريكية السابقة التي سهلت الانتشار السريع للإغاثة إلى الجمهورية الإسلامية في حالات الكوارث في أعقاب الزلازل الكبرى في عامي 2003 و 2012.

أمير أفخامي, مهدي خلجي, پاتريك كلاوسون, و كاثرين باور

معهد واشنطن