يشهد العراق منذ أسابيع انخفاضا في التوتر الإيراني الأميركي على أراضيه، مع توقف للهجمات الصاروخية والغارات الثأرية، غير أن خبراء يحذرون من أن يكون هذا الهدوء تحضيرا لجولة مواجهات جديدة.
عندما قتل جنديان أميركيان وبريطانية في هجوم صاروخي في منتصف مارس/آذار الماضي، وضعت وزارة الدفاع الأميركية تصورا لرد الفعل الأميركي المحتمل الأكثر تدميرا تواجه به الفصائل العراقية المسلحة.
وقال فيليب سميث من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى “حتى لو لم يكن هناك إطلاق للصواريخ، فإن الإيرانيين يعيدون تنظيم صفوفهم”، مشددا على أن “القوات الأميركية تأخذ التهديدات على محمل الجد في الوقت الحالي”.
بدأت وزارة الدفاع الأميركية الشهر الماضي وضع خطة شاملة ترمي إلى تنفيذ ضربات على أكثر من مئة موقع في توقيت متزامن ضد فصائل مسلحة عراقية، وخصوصا كتائب حزب الله، الفصيل الذي تتهمه واشنطن بشن الهجوم الأكثر دموية على جنود غربيين خلال سنوات في العراق.
وقال مسؤول عراقي كبير في وقت سابق إن “الأميركيين قالوا لنا إنهم سيضربون في وقت متزامن 122 هدفا في العراق إذا ما قتل المزيد من مواطنيهم”.
وتعمل كتائب حزب الله في العراق الموالية لإيران تحت مظلة الحشد الشعبي، الذي دُمج في القوات الأمنية.
عواقب وخيمة
لكن ضرب تلك الأهداف الكثيرة في دولة تواصل اتهام واشنطن بانتهاك سيادتها وصوّت نوابها على إنهاء الوجود العسكري الأميركي في البلاد، قد تكون له عواقب وخيمة، بحسب ما يقول القائد الأميركي للتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية الجنرال بات وايت.
وأبدى الجنرال وايت خشيته من أن تخرج الأمور عن السيطرة، عندما أعرب في برقية للقيادة المركزية الأميركية في مارس/آذار الماضي عن “مخاوف” من أن الجماعات المستهدَفة سترد وتعرض الآلاف من قوات التحالف إلى خطر “جدي”، بحسب مسؤول عسكري أميركي اطلع على مذكرة وايت.
وأكد دبلوماسيان من بلدين عضوين في التحالف الدولي أن الأعضاء الآخرين في التحالف أعربوا عن مخاوفهم من أن تؤدي الهجمات الأميركية إلى نتائج عكسية.
خطر كورونا
لكن مع تفشي جائحة كورونا، تغيّر شكل التحالف أصلا، وغادر العراق 2500 مدرب عسكري من مختلف الجنسيات ضمن التحالف الدولي من دون أجل للعودة، في حين تجمع الجنود الباقون -وغالبيتهم من الأميركيين- في عدد محدود من القواعد، اثنتان منها محميتان الآن بمنظومة صواريخ الباتريوت للدفاع الجوي التي نشرتها واشنطن أخيرا.
وقال أحد الدبلوماسيين إن “التحالف كما نعرفه لم يعد قائما”. لكن رغم مغادرة الجنود، فإن الموالين لطهران يبعثون رسائل متناقضة.
فقد تعهدت كتائب حزب الله بأنه “لا قتل لهذه القوات إذا استمرّ انسحابها حتى مغادرة العراق مغادرة كاملة”. لكن بعيد ذلك، اتهم رئيس تكتل شيعي نافذ في البرلمان الولايات المتحدة بأنها “غير جادة”، وأنها تعمل “لإعادة الانتشار لأسباب تكتيكية من أجل حماية جنودها”.
في الوقت نفسه، ظهرت جهات فاعلة جديدة يلفها الغموض، يراها دبلوماسيون وخبراء وضباط أنها مجرد مجموعات وهمية صورية لأنصار إيران في العراق.
فقد تبنت جماعة تطلق على نفسها اسم “عصبة الثائرين”، هجمات صاروخية، ونشرت صورا التقطت بطائرة مسيّرة لمواقع حساسة في السفارة الأميركية ببغداد، وقاعدة عين الأسد في غربي البلاد، رغم حظر الطيران.
كما دعا فصيل آخر يطلق على نفسه اسم “فصائل المقاومة الإسلامية العراق-قبضة الهدى”، إلى اغتيال السفيرين الأميركي والبريطاني إذا لم يغادرا البلاد.
حد السيف
وأشار سميث إلى أن الإيرانيين “يمكنهم إشعال الفتيل بمجرد أن تكون الظروف أكثر ملاءمة لهم” للثأر من الضربة القاسية باغتيال واشنطن قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني.
وسترسل الولايات المتحدة، التي تراجعت علاقاتها مع بغداد إلى أدنى مستوياتها منذ عملية الاغتيال، وفدا إلى العراق في يونيو/حزيران المقبل لإعادة التفاوض بشأن علاقاتهما العسكرية والاقتصادية.
وقد يشهد العراق ولادة حكومة جديدة بعد خمسة أشهر من الشغور، مع تكليف رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي، المعروف بمهاراته التفاوضية من واشنطن إلى طهران مرورا بالرياض وبيروت.
وقال مسؤول عراقي قريب من المحادثات “إنها علاقة على حد السيف، ولا يجب أن تكون كذلك”.
لكن الباحث ريناد منصور من معهد تشاتام هاوس البريطاني، يعتبر أن الولايات المتحدة تمارس ضغوطا على بغداد “لاختيار طرف، وهو أمر محفوف بالمخاطر. وكأنهم يقولون لهم هل أنتم معنا أم ضدنا؟”.
الجزيرة