تركيا تستهدف تحويل مناطق أكراد سوريا إلى “كانتونات” معزولة

تركيا تستهدف تحويل مناطق أكراد سوريا إلى “كانتونات” معزولة

تركيا تستلهم التجربة الإسرائيلية من خلال التصدي للطموحات الكردية في إقامة إقليم حكم ذاتي، وذلك باعتماد سياسة عسكرية مدروسة تقوم على تقطيع أوصال المناطق الكردية في شمال سوريا وتحويلها إلى شبه جزر معزولة.

دمشق- ترصد قوات سوريا الديمقراطية تحركات مريبة للقوات التركية والموالين لها في شمال شرق سوريا، وسط قلق متزايد من إمكانية استغلال أنقرة انشغال المجتمع الدولي بأزمة تفشي فايروس كورونا والقيام بعملية عسكرية جديدة تستهدفها.

وشنت تركيا بدعم من الفصائل السورية الموالية لها في أكتوبر الماضي عملية عسكرية نجحت خلالها في اقتطاع أجزاء مهمة في شمال شرق سوريا حيث سيطرت على المنطقة الرابطة بين رأس العين (محافظة الحسكة) وتل أبيض (محافظة الرقة) لتدشن بها قاعدة عسكرية ضخمة أعلنت قبل أيام عن استكمال إنجازها.

ويعد ذلك ثالث تدخل عسكري تركي منذ العام 2016 يستهدف سكان الشمال السوري ومعظمهم من الأكراد، في سياق مساعيها للحيلولة دون تشكيل هذا المكون إقليم حكم ذاتي تعتبر أنه يشكل تهديدا مستقبليا لها، والاستعاضة عن الوجود الكردي في المناطق التي تسيطر عليها بنازحين من العرب السنة، وهو ما يسمح لأنقرة بتشكيل حزام موال على طول الشريط الحدودي. وقال القيادي في قوات سوريا الديمقراطية أردال كوباني مؤخرا إنهم يملكون معطيات بشأن تحضير تركيا لشن هجوم واسع على شمال وشرق سوريا. وأضاف القيادي في تصريحات لوكالة “هاوار” الكردية إن “المحتلين (الأتراك) يستفيدون من الوضع القائم، لاحتلال المزيد من المناطق، ويستهدفون المدنيين عن عمد”.

ويرى محللون أن تركيا لن تستكين ما لم تنه أي إمكانية لقيام حكم ذاتي كردي، وهي تعتمد استراتيجية القضم التدريجي، حيث تحرص في كل عملية تطلقها على قضم ما أمكن من المناطق وبشكل ممنهج بما يحوّل المناطق الكردية إلى أشبه بجزر أو كانتونات معزولة.

ويقول المحللون إن تركيا تستلهم هذه الخطة من إسرائيل التي سعت عبر تشييد المئات من المستوطنات إلى تحويل الأراضي الفلسطينية لاسيما في الضفة الغربية إلى كانتونات، الأمر الذي يستحيل معه على الفلسطينيين تشييد دولتهم المستقبلية.

وتبدو الظروف ملائمة أمام أنقرة للإقدام على عملية جديدة في المنطقة لاسيما مع انشغال العالم بمحاربة فايروس كورونا، بما فيه الأكراد أنفسهم، وما يخدم الهدف التركي هو الموقف الروسي الذي بدا منذ التوصل إلى اتفاق هدنة في شمال غرب سوريا في مارس الماضي متناغما وإلى حد كبير مع أنقرة.

ولا يستبعد الأكراد أن تمنح موسكو ضوءا أخضر لتركيا خاصة وأن المتابعين يرصدون تغيرا في السياسات الروسية في سوريا، ومن ذلك ما برز في الآونة الأخيرة من مؤشرات على إمكانية التخلي عن الرئيس بشار الأسد.

ولا يستطيع الأكراد الرهان على الولايات المتحدة رغم أن قواتها منتشرة في المنطقة، ذلك أن واشنطن حاليا منشغلة بالتعاطي مع وباء كورونا وتداعياته الاقتصادية وليست بوارد فتح أي جبهات جانبية.

وسبق وأن سمحت واشنطن لأنقرة بشن عملية عسكرية في أكتوبر الماضي حينما سحبت قواتها من مناطق التماس بين القوات التركية ووحدات حماية الشعب الكردي، وبالتالي فإن فرضية تكرار هذا السيناريو واردة في حال قررت تركيا السير في مغامرة عسكرية جديدة.

وفي خضم الهواجس الكردية تستمر عملية تهجير هذا المكون من المناطق التي سيطرت عليها تركيا في عملياتها العسكرية الثلاث السابقة، لعل أشدها وقعا في عفرين التي بسطت الميليشيات السورية الموالية لها نفوذها عليها في مارس 2018.

الظروف تبدو ملائمة أمام أنقرة للإقدام على عملية جديدة في شمال سوريا لاسيما مع انشغال العالم بمحاربة فايروس كورونا

وكشف المرصد السوري لحقوق الإنسان الأربعاء عن تصاعد عمليات السلب والنهب وتضييق الخناق على أهالي عفرين وريفها، بغرض الضغط عليهم لإجبارهم على الخروج من المنطقة.

ونقل المرصد السوري عن مصادر وصفها بالموثوقة قولها إن لواء “سمرقند”، يبتز الأهالي بدفع مبالغ مالية مقابل حماية ممتلكاتهم، فيما تعمد فصائل أخرى على غرار “السلطان مراد”، ومجموعة “شهداء السفيرة”، إلى فرض قرار بمنع أهالي بعض القرى من حراثة الأراضي وحقول الزيتون العائدة لأقربائهم المهجرين قسرا.

وكشفت منظمة حقوق الإنسان في عفرين مؤخرا عن تراجع عدد السكان الأكراد في عفرين ومحيطها، مقابل تضاعف عدد النازحين الذين استقدمتهم تركيا بغرض توطينهم. وقالت المنظمة إن “مجموع السكان الأصليين من الأكراد يبلغ حاليا 298.700 بينما عدد المستوطنين هو 458.100”.

ولفتت المنظمة في بيان لها إلى أنه “مع استمرار الفوضى والفلتان الأمني في منطقة عفرين نتيجة انتشار العناصر المسلحة المنضوية تحت ‘الجيش الوطني السوري’ بشكل فوضوي حاملة السلاح دون تمييزها عن اللصوص وقطّاع الطرق وبالرغم من مغادرة مجموعة من القادمين من أرياف إدلب عائدين إلى مناطقهم فإنه ما زالت هناك نسبة لا بأس بها إضافة إلى المستوطنين من الغوطة الشرقية وحمص ودير الزور”.

العرب