كان يوم الأربعاء هو اليوم الذي يفترض أن يصوت فيه الناخبون الروس على تغيير الدستور بما يسمح للرئيس فلاديمير بوتين بالبقاء في الحكم حتى عام 2036.
غير أن بوتين أمضى ذلك اليوم وهو يفكر في سبل احتواء تداعيات فيروس كورونا التي أصبحت من أكبر الأزمات خلال سنواته في الحكم.
وبسبب الجائحة، تأجل التصويت على تعديلات الدستور التي وصفها خصومه بأنها بمثابة تشديد لقبضته على السلطة، إلى أجل غير مسمى.
وتأجل كذلك استعراض عسكري في ذكرى مرور 75 عاما على الانتصار على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، وهو حدث تاريخي طالما استغله بوتين ضابط المخابرات السابق لدعم ما يردده عن صحوة روسيا بفضله.
وسبق أن خرج بوتين سالما من أزمات عديدة، وما من مؤشرات على أنه في سبيله للخروج من المشهد. غير أن المشاكل تتراكم على كاهل الرجل الذي هيمن على الساحة السياسية في روسيا منذ عام 2000.
فقد بلغ سعر النفط، شريان الحياة للاقتصاد الروسي، أدنى مستوياته منذ ما يقرب من عقدين من الزمان، كما أن العملة الروسية الروبل أصبحت الآن من أسوأ العملات العالمية أداء. ويقول أكبر البنوك الروسية إن الناتج المحلي الإجمالي قد ينكمش بنسبة 15 في المئة إذا ما هبطت أسعار النفط دون عشرة دولارات للبرميل.
وقال سيرغي غوريف الاقتصادي المرموق الذي رحل عن روسيا عام 2013: “لن يحدث انهيار على مستوى الاقتصاد الكلي لكنني أشعر بالقلق على السكان خشية أن يفقدوا مصادر رزقهم”.
ويقول وزير المالية السابق أليكسي كودرين، إن عدد الروس العاطلين عن العمل قد يرتفع لثلاثة أمثاله ليصل إلى ثمانية ملايين عاطل هذا العام.
وقالت تاتيانا إيفدوكيموفا كبيرة الاقتصاديين بشركة نورديا روسيا، إن إيرادات النفط والغاز قد تنخفض بمقدار 165 مليار دولار، الأمر الذي سيجبر الحكومة على سحب مبالغ ضخمة من احتياطياتها الدولية لتمويل ميزانية الدولة التي تواجه بالفعل الآن عجزا كبيرا.
ويبدو الآن أن الفرص تضاءلت أكثر من أي وقت مضى لرفع مستويات المعيشة وتحسين البنية التحتية من خلال برنامج هدفه الإسهام فيما سيخلفه بوتين من إنجازات بإنفاق قرابة 26 تريليون روبل (338 مليار دولار).
وقال البروفسور سيرغي ميدفيديف، الأستاذ بكلية الاقتصاد العليا في موسكو: “كل هذه الأشياء مجتمعة تعادل أكبر تحد يواجهه بوتين خلال أعوامه العشرين في السلطة”.
وأضاف: “المشهد تغير تغيرا جذريا. الاستقرار أصابه الدمار وتراجعت بشدة شرعية بوتين وربما كانت المعارضة توشك على التفجر بين النخبة (على الصعيد السياسي والأعمال)”.
الاستقرار أصابه الدمار وتراجعت بشدة شرعية بوتين وربما كانت المعارضة توشك على التفجر بين النخبة
* تراجع الشعبية
أعلنت روسيا اكتشاف قرابة 58 ألف إصابة بفيروس كورونا و513 وفاة، كما أن بوتين يؤدي مهامه من مقر إقامة رسمي خارج موسكو، حيث يعقد اجتماعاته عبر مؤتمرات الفيديو.
ووصلت شعبيته إلى أدنى مستوياتها منذ 2013 فبلغت 63 في المئة وفقا لاستطلاعات مؤسسة ليفادا.
كذلك ظهرت بعض البوادر المبكرة على الاضطرابات الاجتماعية بسبب الوضع، فشهد جنوب روسيا احتجاجا على القيود المفروضة لاحتواء الفيروس، وشهد الانترنت بعض الاحتجاجات والشكاوى المتنامية من جانب الشركات من أن السلطات لا تبذل جهدا كافيا لمساعدتها على تجاوز الأزمة.
ووصف الكرملين الاحتجاج الذي شهده جنوب البلاد بأنه مخالف للقانون، لكنه قال إنه من الضروري الإنصات لمخاوف الناس. وقال أيضا إن الحكومة ستبذل جهدا أكبر لمساعدة الشركات إذا اقتضى الأمر.
وكانت السلطات طالبت أصحاب الأعمال في القطاع الخاص بوقف نشاطهم ومواصلة صرف مرتبات العاملين.
قالت داريا كامينسكايا التي تملك ورشة لإصلاح السيارات توقف العمل فيها، إنها دفعت مرتبات السبعة العاملين لديها من مالها الخاص.
وأضافت: “هكذا كانت الثورات تقوم في الماضي بادئة بالطبقة الكادحة”.
وقال رجل أعمال روسي كبير طلب عدم نشر اسمه خوفا من التداعيات، إنه يتوقع موجة من الإفلاسات بين الشركات الصغيرة.
وأضاف: “ربما لا تكون من السوء بمثل ما حدث عام 1991 (انهيار الاتحاد السوفيتي). لكنها ستكون صعبة. وربما لا يحدث عنف ومظاهرات كبيرة لكن الناس سيكونون على شفا الغليان”.
* انتقاد بوتين
سلطت الأضواء على دور بوتين واتهمه منتقدوه بالتغيب في البداية عن الخط الأمامي في معركة احتواء كورونا.
ورفض الكرملين هذه الانتقادات وقال إنه من الصواب السماح للقيادات الإقليمية بالتعامل مع الأوضاع على المستوى المحلي.
لكن قرار بوتين إرسال إمدادات طبية إلى الولايات المتحدة ودول أخرى لم يستسغه بعض الروس الذين يشعرون بالقلق على الإمدادات المحلية.
وسُمع عن امرأة عجزت عن شراء أقنعة وجه أو دواء باراسيتامول في صيدلية هذا الشهر، وهي تقول: “على الأرجح أهديناها كلها للأمريكيين. لماذا فعلنا ذلك؟”.
ولن تنتهي فترة رئاسة بوتين الرابعة حتى عام 2024. والتلفزيون الحكومي يقف معه، كما أن الشرطة مدربة جيدا على منع المظاهرات، وأبدى القضاء استعداده لاستخدام القوانين الصارمة لمعاقبة المتظاهرين.
ولموسكو احتياطيات دولية تتجاوز 550 مليار دولار، كما أن وزارة المالية تقول إن بإمكان روسيا أن تتحمل أسعار النفط المنخفضة لفترة طويلة.
ولا يواجه بوتين أي خطر فوري ظاهر من المعارضة التي نجح في تحجيمها باستخدام أدوات رسمية. وقد تفرق المتظاهرون في النهاية في الاحتجاجات الضخمة التي شهدتها البلاد عامي 2011 و2012.
غير أن بعض المنتقدين يقولون إن الاضرابات الاقتصادية ومشاعر الاستياء الشعبي من أسلوب إدارة أزمة كورونا قد تخرج عن السيطرة.
وكتب السياسي المعارض فلاديمير ميلوف يقول هذا الشهر: “القمع والحرس الوطني لن يتمكن من تحقيق الكثير في مواجهة استياء شعبي حقيقي” مضيفا أن وضعا ثوريا يتشكل.
لكن آخرين لا يتوقعون أن يتعثر بوتين.
فقد قال الأستاذ الجامعي ميدفيديف: “قد تزداد معاناة الناس وربما يحدث شغب أو اضطرابات لكن مثل هذه الأمور لن تؤدي إلى تغييرات على الفور في النظام السياسي”.