تسبب وباء كورونا بتغيير الأولويات في جميع أنحاء العالم، وتركّز اهتمام الجميع على الفيروس الذي اجتاح العالم بأسره. ما أدى إلى صرف النظر، بشكل كبير، عن بعض القضايا التي كان الناس يتحدثون عنها ليلًا ونهارًا ولأسابيع عدّة، حتى أنها باتت شبه منسية، وشتّت تركيز الرأي العام، لكن التوترات والصراعات في منطقتنا مستمرة، على الرغم من عدم وجود تغطية إعلامية كبيرة تتعلق بها.
ويأتي على رأس هذه القضايا، الوضع الحرج في إدلب، وموجة الهجرة الجديدة من سوريا، والتوتر في شرق البحر الأبيض المتوسط، ووضع القدس، والتدخل في ليبيا، وأزمة منظومات الـ»إس- 400»، التي تؤثر على العلاقات التركية -الأمريكية والتركية – الروسية. ومع حلول الربيع، باتت هناك إشارات قوية إلى أن المناخ السياسي والعسكري في المنطقة سيزداد سخونة.
من المعلوم لدينا جميعًا أن ما يجري في سوريا، هو انعكاس للتنافس بين الولايات المتحدة وروسيا. وهذا التنافس ليس بمعزل عما يجري في أوروبا والبحر الأبيض المتوسط، والبحر الأسود، وأوكرانيا. إن هدف معسكر روسيا وإيران والأسد، هو الجلوس إلى طاولة المفاوضات، بعد تحقيق التطهير الميداني بشكل سريع. في المقابل، يبدو أن الولايات المتحدة طورت موقفًا يركز على زيادة تكلفة وخسائر روسيا في سوريا، وإطالة الأزمة. أمّا تركيا، فإنها تبذل جهودًا مكثفة جدًا بين هاتين القوتين العظميين، من أجل الجلوس إلى الطاولة لحماية السوريين ومن دون التعرض لخسائر كبيرة مرة أخرى.
التوترات والصراعات في منطقتنا مستمرة، على الرغم من عدم وجود تغطية إعلامية كبيرة تتعلق بها
لا تزال قضية «إس- 400» واحدة من القضايا الساخنة في شهر إبريل. فوفقًا للاتفاق المبرم في وقت سابق، كان من المقرر «تشغيل» منظومة «إس- 400» التي اشترتها تركيا وروسيا، وتم تسليمها في الفترة الماضية، وجعلها جاهزة للاستخدام في إبريل. لكن ذلك تأجل بسبب وباء كورونا، وعدم انتهاء المحادثات بين تركيا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي «ناتو»، حول هذا الموضوع. أمّا وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، فإنه جدّد اقتراحه بشأن تشكيل مجموعة عمل فنية لحل المشاكل في هذا الصدد. وفي ليبيا، تواصل تركيا دعمها العسكري لحكومة طرابلس الشرعية، تلبية لدعوة من الأخيرة. تهدف حكومة طرابلس، التي باتت قريبة من السيطرة على مدينة ترهونة الليبية، إلى إخراج المنظمات الإرهابية المتمردة، التابعة لحفتر من منطقتي أجدابيا والرجمة في شهر رمضان. في هذه الأثناء، تواصل تركيا تحذير الثنائي اليوناني/الرومي الذي يهدد السلام والاستقرار في شرق البحر الأبيض المتوسط. لقد هبطت طائرات «إف-16» التركية على الأسطول البحري جنوب جزيرة كريت. وقال الأدميرال جهاد يايجي، إن «اليونان خرقت اتفاق لوزان، وقد زالت شروط تسليم الجزر الـ23».
خلاصة الكلام، في الوقت الذي تبدي فيه تركيا كفاحًا ناجحًا ضد فيروس كورونا، وترسل المساعدات الطبية/الإنسانية إلى مختلف أنحاء العالم، فإنها تتابع أيضًا تطورات المنطقة عن كثب. ويشكل التصريح الصادر هذا الأسبوع عن الرئيس رجب طيب أردوغان، أهمية كبيرة من حيث إظهار موقع تركيا الحالي. قال الرئيس أردوغان: «تركيا حصلت لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية على فرصة تبؤ موقع مركزي في عملية إعادة الهيكلة العالمية. إن اليأس الذي تعيشه البلدان المتقدمة في مواجهة أزمة شاملة، يستلزم إعادة هيكلة التنبؤات المستقبلية».
توران قشلاجي
القدس العربي