لا حديث في العالم وبين الناس، بغض النظر عن الفئة الاجتماعية التي ينتمون إليها، سوى عن وباء كورونا وكم ستدوم أزمة كورونا، ومعها القيود التي فُرضت على مئات ملايين البشر. سيتغيّر العالم بعد الانتهاء من وباء كورونا. هذا أكيد. ستتغيّر مفاهيم كثيرة، بما في ذلك العلاقة بين الناس الذين يعملون في المؤسسة ذاتها. سيزداد حتما العمل من البيت. ستزدهر شركات وتفلس شركات. ليس معروفا بعد من سيفلس، لكنّ الطلب سيزداد على الشراء والبيع عن طريق الإنترنت وإيصال الأغراض إلى المنزل. من الصعب التكهنّ بما سيكون عليه العالم الجديد، لكنّ هذا العالم سيولد من رحم وباء اجتاح العالم انطلاقا من الصين.
لكنّ اللافت أن ما تسبب به كورونا من هبوط في سعر النفط، في ضوء تراجع الطلب عليه والجمود الاقتصادي، ستكون له نتائج أخطر بكثير من تلك التي ستترتب على كورونا. سيكون هناك عصر ما بعد كورونا، وعصر ما بعد هبوط سعر النفط والغاز.
عاجلا أم آجلا، سيكون هناك دواء يعالج كورونا. المرجح العثور على لقاح يجعل الإنسان محصنا في وجه الوباء. ولكن ماذا عن النتائج التي ستترتب على الهبوط المريع لسعر برميل النفط، وهو هبوط مرشح لأن يستمرّ طويلا؟
الأكيد أن دولا عدّة ستجد نفسها مهدّدة. بين هذه الدول إيران والعراق وسوريا. لن تجد سوريا من يُعيدُ الاستثمار في إعادة بناء ما هدمته الحرب المستمرّة منذ تسع سنوات فيها. تراوح هذه التكاليف بين مئتي مليار دولار، وما يزيد على 500 مليار دولار. لا وجود لأرقام محدّدة في ظلّ حرب مستمرة والعجز عن مسح للأضرار. هناك مدن سورية تغيّرت معالمها. البلد كلّه تفتت. حتّى لو وُجد من يستطيع فرض حلّ سياسي، ستبقى المشكلة الأكبر تلك المرتبطة بإعادة إعمار سوريا والاستثمار في عملية الإعمار هذه.
لمن هذا المنطلق، لا تقدّم الزيارة التي قام بها لدمشق أخيرا وزير الخارجية الإيراني محمّد جواد ظريف في شيء. إنّها زيارة من النوع الاستعراضي لمسؤول إيراني جاء إلى دمشق ليستقبله بشّار الأسد وكي يقول إن “الجمهورية الإسلامية” ما زالت حاضرة في سوريا. في وجه من هي حاضرة، هل هي حاضرة في الحرب التي تشنّ على الشعب السوري؟ كانت الزيارة إعادة اعتبار لإيران في وقت بدأت تظهر فيه شكوك روسية حقيقية في قدرة بشّار الأسد على البقاء في السلطة… بل هي ردّ اعتبار لظريف، نفسه، الذي لا يكن ودّا لرئيس النظام في سوريا؟
ما لا بدّ من الإشارة إليه أنّ ظريف قدم استقالته في أواخر شباط – فبراير من العام 2019 عندما زار بشّار الأسد طهران من دون علمه، لكنّه ما لبث أن تراجع عن هذه الاستقالة تلبية لرغبة الرئيس الإيراني حسن روحاني. ذهب بشّار الأسد إلى طهران قبل أكثر من سنة بمعية قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني الذي اغتاله الأميركيون مطلع السنة بعيد وصوله إلى مطار بغداد من دمشق.
هل انتقل ملفّ سوريا من “فيلق القدس” إلى الخارجية الإيرانية؟ السؤال يطرح نفسه. لكنّ ما يطرح نفسه أكثر من السؤال ما الذي تستطيع إيران عمله لسوريا في ظلّ هبوط سعر برميل النفط والغاز، وفي ظلّ العقوبات الأميركية التي أثرت في الاقتصاد الإيراني أكثر بكثير مما يعتقد.
هناك دولة أقلّ من عادية يعيش نصف شعبها تحت خط الفقر تريد لعب دور القوّة الإقليمية المهيمنة. لا تستطيع إيران المرفوضة من الشعب السوري تقديم شيء لبشّار الأسد في مرحلة ما بعد هبوط سعر برميل النفط. روسيا نفسها في صدد إعادة النظر في إستراتيجيتها السورية، هذا إذا كانت تمتلك أصلا أيّ إستراتيجية من أيّ نوع. روسيا تعرف أن عالم ما بعد كورونا وهبوط سعر النفط لا يشبه العالم الذي كان قائما في الأمس القريب، في السنة 2019 تحديدا. تجد روسيا نفسها مضطرة إلى التفكير في ما تستطيع عمله في سوريا، وإلى إيجاد قواسم مشتركة مع تركيا التي باتت تحتلّ جزءا من الشمال السوري…
إيران مهدّدة وسوريا مهدّدة. يترافق ذلك مع الأزمة العميقة التي يجد العراق نفسه غارقا فيها. هناك مئات مليارات الدولارات دخلت خزينة الدولة العراقية بعد العام 2003. تبخرت هذه الأموال في ظلّ نظام قائم على الفساد والمحسوبية… والمحاصصة المذهبية. أصبح العراق بلدا مفلسا. ما لم ينهبه زعماء الأحزاب المذهبية العراقية والتابعون لهم وواجهاتهم المعلنة وغير المعلنة، نهبته إيران. تحوّل العراق إلى بلد مفلس في غياب العائدات النفطية التي تمثل نسبة 90 في المئة من دخل العراق. شكّل مصطفى الكاظمي حكومة أم لم يشكّل مثل هذه الحكومة. المهم في العراق من أين سيأتي بالمال لتغطية رواتب نحو سبعة ملايين عراقيّ يعملون في القطاع العام؟ هناك فشل عراقي على كل صعيد لنظام ما بعد 2003 الذي يتبيّن كلّ يوم أنّه ليس نظاما قابلا للحياة، خصوصا في ظل الهيمنة الإيرانية وإصرار الأحزاب الطائفية على تناتش ما بقي من البلد… هذا إذا بقي منه شيء.
في ظلّ هبوط سعر النفط، لا أمل بأي مستقبل من أي نوع لبلد، مثل لبنان، وضع نفسه في “محور الممانعة”، وصار بلدا مفلسا مثله مثل هذا المحور الذي ليس لديه ما يقدمه ويتباهى به سوى ميليشيات مذهبية وشعارات فارغة. من سيساعد لبنان الذي عزل نفسه عن العرب وليس فيه رجل يمتلك ما يكفي من الشجاعة للقول إنّ لا خيار آخر أمام البلد سوى صندوق النقد الدولي؟
في عالم ما بعد كورونا وهبوط سعر النفط، لا مفرّ من توقّع انهيارات كبيرة في الشرق الأوسط. من الواضح أن إسرائيل التي تراقب ما يدور حولها أخذت علما بذلك. وهذا يفسّر اتفاق بنيامين نتنياهو ومنافسه زعيم حزب أزرق وأبيض بيني غانتس، فجأة على تشكيل ما سمي حكومة طوارئ في بلد شهد ثلاث انتخابات نيابية في غضون سنة.
أيّ شرق أوسط بعد كورونا وبعد هبوط سعر برميل النفط. هل في العالم من لا يزال مهتما بالاستقرار في تلك المنطقة؟ أسئلة كثيرة تطرح نفسها في غياب المؤسسات الفعالة للدولة في إيران أو العراق أو سوريا أو لبنان… وفي غياب المال خصوصا.
العرب