الإرهاب وكورونا: غلو، مثالية، تجاهل

الإرهاب وكورونا: غلو، مثالية، تجاهل

ما بين المثالية والغلو والتجاهل، تلخصت نظرة المجموعات المتطرفة والإرهابية الإسلاموية لوباء كورونا، والتحضير لاستغلاله عالمياً، في محاولة لعمل مزيد من الدعاية وكسب مجندين جدد، أو تنفيذ المزيد من العمليات الإرهابية، أو الحصول على مساحة سياسية جديدة. ومع ذلك، يتخذ كل من تنظيم “داعش” “والقاعدة” – وهما مجموعتان إرهابيتان كبيرتان –مسارات مختلفة في مقاربتهما لما يرونه على أنه “دروس مستفادة” من تفشى وباء فيروس كورونا. ففي حين يتفق الطرفان على أن الفيروس هو بمثابة عقاب من الله، فإن مسألة الاستفادة من نظريات المؤامرة وتمجيد انتشار الوباء يشير إلى وجود اختلاف في الرسائل التي يحاول بثها كلا الطرفين.

بعد الهزائم المتكررة التي لحقت بتنظيم “داعش ” في سوريا والعراق وما تلاها من تخبط داخل التنظيم عقب مقتل زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، أدى تحول تركيز العالم على مكافحة تفشى وباء كورونا، إلى توفير مساحات جديدة لتنظيم “داعش” للاستفادة من تفشى الوباء. فعلى الرغم من أن التنظيم لم يهزم بشكل كامل واضطُر أعضائه في معظم المناطق للاختباء تحت الأرض، إلا انه عاد مرة أخرى مستغلاً تفشى الوباء، لعمل دعاية له ولفت الأنظار.

ومنذ بداية تفشى الوباء، أظهرت منشورات “داعش” اهتمامًا كبيرا به وبالتطورات الناتجة عنها، ففي مقال افتتاحي في جريدة النبأ، وجه تنظيم الدولة رسالة لأعضائه مفادها أن حربهم الشاملة ستستمر، حتى مع انتشار الفيروس. علاوة على ذلك، أفاد التنظيم أنه في ظل انتشار وباء كورونا فان أنظمة الأمن الوطنية والدولية التي تكتلت لمواجهة التنظيم ستتراجع، ومن ثم يجب أن يعمل التنظيم على تعظيم استفادته من تلك الظروف. وبالفعل، دفع انتشار فيروس كورونا إلى إعلان التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية في العشرين من أذار/مارس الماضي إلى سحب بعض من قواته في العراق وإعادة تمركزها خوفاً من تفشي فيروس كورونا.

وقد فسر التنظيم انتشار وباء كورونا على انه غضب من الله، حيث نشر التنظيم في العدد 220 من الصحيفة مقالاً حمل الآية الثانية عشر من سورة البروج بالقرآن الكريم “إن بطش ربك لشديد” وفي العنوان دلالة على أن انتشار الوباء هو عقاب من الله لمن خالفوا النبي وتعاليمه. وبرر المقال انتشار الوباء بالصين على أنه عقوبة إلهية على ما ارتكبته الصين بحق المسلمين من الإيغور .ونحو دفع الأتباع والتأكيد أن الوباء هو ابتلاء ومعاونة من الله ، انكر التنظيم في افتتاحية العدد 227 من صحيفة النبأ، أن يكون الفيروس مختلق ومصنع من دولة ضد أخرى.

في افتتاحية العدد 228 لصحيفة النبأ، نشر التنظيم مقال بعنوان “أسوء كوابيس الصليبيين”، ناقش فيه حظر التجوال في الدول الغربية وبقاء المواطنين بالمنازل ما يعرض تلك البلدان لخسائر اقتصادية، مؤكدا على أن الدول الغربية “الصليبية ” تأمل في أن يتوقف أتباع التنظيم ونظراءهم عن القيام بعمليات تستهدفهم أو تستهدف حلفاءهم بالخارج. كما دعي التنظيم إلى إطلاق سراح السجناء من التنظيم القابعين في سجون المشركين ومخيمات الذل.

وبالفعل بداء تنظيم ” داعش” في تنفيذ تهديداته وشرع في شن هجمات أكثر تواترا لتوسيع نفوذه ، لا سيما في المناطق المتنازع عليها في العراق فبعد مقتل اثنين من مقاتلي البيشمركة وجرح آخر في هجوم نفذه التنظيم على بلدة كولاجو بإقليم كردستان في السابع من أذار/مارس الماضي، قام التنظيم في التاسع من ذات الشهر باستهداف قوات الحشد الشعبي المتمركزة قرب مطار حليوة العسكري غربي قضاء طوزخورماتو مما أدى إلى استشهاد اثنين من قوات الحشد وإصابة ثلاثة أخرون . كما أعلن تنظيم داعش في جريدة النبأ الأسبوعية في التاسع من أبريل الجاري مسؤوليته عن شن 29 هجومًا منفصلاً في العراق في الفترة بين 1 نيسان /أبريل و 8 نيسان /أبريل. كما أعلن عن 11 هجومًا في سوريا خلال نفس الفترة. وفي التاسع من شهر أبريل الجاري ، شن “داعش” هجومًا واسع النطاق على بلدة السخنة في محافظة حمص بشرق سوريا ، مما أسفر عن مقتل 32 جنديًا سوريًا و 26 من مقاتلي (داعش).

نظرا لان العراق وسوريا يمثلان المعقل التاريخية للتنظيم ونقاط قوته، فان ذلك يدفع التنظيم بصورة أكبر لاستمرار تركيزه في المستقبل القريب على هاتان الدولتان. إلا أن تركيزها على العراق سيكون أكبر، خاصة في ظل تخفيض القوات الدولية من ناحية، وفي ظل تجدد الصراع السياسي والعقائدي من ناحية أخرى، وهو ما يمثل أرضا خصبة للتنظيم لاستعادة قواعده هناك. وقد يتجه التنظيم نحو استهداف الدول الغربية من خلال استغلال موقف مجموعات اليمين المتطرف من المهاجرين والأقليات، خاصة في فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وإن كان متوقع أن تكون عمليات محدودة الأثر. ومع ذلك، قد يمثل الإغلاق الحالي للكثير من المدن الغربية بسبب انتشار فيروس كورونا واختفاء التجمعات العامة التي غالبا ما يستهدفها التنظيم عائقا أمام تلك العمليات والتي قد تكون ذات تأثير محدود.

وعلى عكس الخطاب العنيف الذى تنباه تنظيم داعش ، تبنى تنظيم القاعدة خطابا دينيا يهدف إلى كسب تعاطف المسلمين ، حيث اصدر التنظيم بيان بعنوان ” السبيل لخروج البشرية من بطن الحوت: وصايا ومكاشفات بشأن وباء كورونا”، أظهر الخطاب الاستغلالي للتنظيم لمرحلة ما بعد كورونا. وفى حين أقر الخطاب الانتهازي للقاعدة بالتحديات التي يواجهها المسلمون خلال هذه الفترة، إلا انه أشار أيضا إلى رؤية التنظيم لمرحلة ما بعد كورونا.

وعلى عكس نظيره “داعش “، لم يدعو تنظيم القاعدة أتباعه للقيام بعمليات إرهابية، وإنما انتقل لتصوير أحوال أتباعه بالأحوال الحالية للشعوب، من زاوية عدم القدرة على الصلاة بالمساجد أو الحج أو العمرة، وسوء الأوضاع الاقتصادية، ليطالب بعدها رجال الأعمال بالتبرع للتنظيم، وأتباعه.
وعلى خطى داعش، يرى خطاب تنظيم القاعدة أن انتشار وباء كورونا هو غضب من الله، ودعا الدول الغربية إلى التحول إلى الإسلام، وبرر ذلك على سبيل المثال بالقول أن الأثار الاقتصادية الحالية هي نتيجة لاستحلال الربا، مشيراً إلى أن إجراءات المكافحة الحالية هي الإجراءات التي دعا لها نبي الإسلام من قبل وقت انتشار الوباء.

موقف تنظيم القاعدة، يمكن قراءته من زاويتين، الأولى أن التنظيم ليس لديه قدرة فعلية في تلك الأوقات على إحداث فارق والقيام بعملية تتناسب مع حجم عمليات التنظيم في الغرب، والثانية أن التنظيم يحاول كسب أكبر قدر من المتعاطفين، في مرحلة ما بعد كورونا، بتوجيه خطاب تسامحي مقابل خطابات كراهية من بعض مجموعات اليمين المتطرف، ما يسهل عملية التجنيد. ويبدو أن هذا الخطاب امتداد للنهج الذي اتبعه بن لادن قبل أحداث الحادي عشر من أيلول /سبتمبر، والذي كان يركز في المقام الأول على كسب التعاطف بين المجندين المحتملين والمجتمعات المحلية. ومع ذلك، أصبحت تلك الاستراتيجية غير ملائمة وفقدت مصداقيتها بشكل أساسي خاصة بعد أن قامت القاعدة بتنفيذ هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر.

وفى حين تنبت القاعدة وداعش استراتيجيات تحمل رسائل مختلفة، فمن الواضح أن كلا المجموعتين تعملان وفقًا لبمبدأ “استغلال الظروف”، وهو مبدأ مرهون بأفكار التنظيم والفئة التي يخاطبها ويسعى لتجنيدها. أي أن استغلال الظرف لدى التنظيمات مرتبط دون انفصال بقاعدة توزان المصالح، فمنهم من يرى أن كسب المتعاطفين يأتي بصورة أكبر بتجنب القيام بعمليات إرهابية وتبني خطاب مثالي، وبرز هذا في موقف تنظيم القاعدة وسعيه فقط للحصول على تمويل والتأكيد على أنه تنظيم هدفه نشر الدين الإسلامي، ومنهم من رأى أنه فرصة لمهاجمة السجون والإفراج عن أتباعه والعودة إلى طريق الجهاد مثل موقف تنظيم داعش.
وفي جميع الأحوال، فإن تلك الجهود المبذولة من قبل المجموعات المتطرفة للاستفادة من تفشى الوباء لاستعادة قوتها، يجب ألا تمر مرور الكرام دون ردود من قبل المجتمع الدولي حتى في تلك اللحظة الحاسمة.

إن الخطاب الإعلامي القاعدي الذي يحاول التحلي بالمثالية وكسب التعاطف بهدف تجنيد لمزيد من المتطرفين في التنظيم، يجب أن يتم مواجهته بخطاب إعلامي موازي يبرز التناقض ما بين المثاليات التي تحتويها بيانات التنظيم وبين تصرفاته على الأرض. فمثلا، لم تبرز بيانات القاعدة موقف التنظيمات الموالية لها والتي تبنت خطابا عنيفا يتناقض مع الخطاب المثالي للتنظيم. ومن أبرز الأمثلة على ذلك إعلان حركة الشباب المجاهدين الصومالية استمرار عملها وتكثيف هجماتها. ومن ثم، وفى مواجهة خطاب القاعدة، يجب أن يكون هناك خطاب إعلامي متماسك يدعوا إلى نبذ العنف، ويساهم في مناهضة الخطاب العنيف الذي يستهدف استقطاب، واستمالة المزيد من الأفراد نحو التنظيم.

في حين يركز المجتمع الدولي على مواجهة تفشى خطر كورونا وإعلان بعض الدول المنضوية في التحالف الدولي لمواجهة تنظيم “داعش” عن انسحابها من العراق أو إعادة تمركز قواتها، إلا أنه ينبغي على تلك الدول أن تعمل على توفير مساعدات عسكرية ولوجستية للقوات والحكومات المحلية التي لعبت دورا كبيرا في دحر التنظيم وهزيمته في العراق وسوريا. كما يجب أيضا على الخصوم مثل الولايات المتحدة وإيران الذين تجمعهم عداوة مع تلك التنظيمات المتطرفة أن ينحوا خلافاتهم جانبا، وان يستمروا في التعاون لمواجهة خطر عودة تلك التنظيمات التي لا تمثل تهديدا فقط على امن المنطقة بل على العالم اجمع. وغير ذلك، قد يتمكن التنظيم من إعادة تنظيم صفوفه واستغلال الأزمة الحالية لاجتذاب العديد من المتطوعين خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي سيشهدها العالم في الفترة المقبلة والناتجة عن تفشى وباء كورونا.

محمد مختار قنديل

معهد واشنطن