اعتبر مراقبون تحرك المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني بتحييد فصائل موالية له عن هيئة الحشد الشعبي ضربة قوية للقوى المسلحة الموالية لإيران، وكونه يمهد لتصنيف الحشد تنظيما إرهابيا، الأمر الذي سيقوّض تدريجيا الهيمنة الإيرانية على العراق خلال الفترة المقبلة.
بغداد – تخشى إيران من خطة عراقية يتابعها المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني لإبعاد بعض الفصائل المسلحة القوية عن هيئة الحشد الشعبي، تمهيدا لتصنيفها منظمة إرهابية.
وتقول مصادر ملمة بتفاصيل هذا الملف الحساس، إن مقرّبين من السيستاني يعملون على نقل ارتباط بعض الألوية القتالية المؤثرة من هيئة الحشد الشعبي إلى القيادة العامة للقوات المسلحة، مؤكدة أن إيران تراقب هذه التحركات بقلق.
ونجم عن هذه الخطة نقل ارتباط أربع مجموعات قتالية، فيما تنتظر سبع مجموعات أخرى إنجاز المعاملات الورقية لاستكمال عملية النقل.
والفصائل الأربعة، التي أعلنت انشقاقها عن الحشد الجمعة الماضي، هي فرقتا الإمام علي والعباس القتاليتين ولواءا على الأكبر وأنصار المرجعية، وتشكّلت في عام 2014 إثر فتوى الجهاد الكفائي الشهيرة التي أطلقها السيستاني بعد اجتياح تنظيم داعش المتطرف لنحو ثلث أراضي العراق.
وقالت تلك الفصائل في بيان مشترك حينها إن سبب انسحابها من قوات الحشد الشعبي والانضمام للقوات المسلحة الحكومية “هو تصحيح بعض المسارات وضمان السير برؤى وطنية”.
وأوضحت أنها “لا تحمل أي توجهات أو مشاعر سلبية تجاه أي طرف أو جهة مهما بلغت تصرفاته، لكنها تسعى إلى تصحيح بعض المسارات، والمحافظة على مشروع الدفاع عن العراقيين”.
وأشارت الفصائل إلى أنها تدرس انضمام بقية القوات والألوية الراغبة بذلك على وفق المعايير الوطنية والضوابط القانونية، والالتزامات الدستورية، مبينة أن “هذا الانتقال لن يؤثر في مستوى التنسيق مع ألوية الحشد”.
ويعكف مقرّبون من السيستاني على مشاورة زعماء مجموعات منتخبة عرفت باحترامها للمرجع الأعلى للانخراط في هذه العملية، التي تستهدف تذويب مجاميع مسلحة شبه رسمية في تنظيم هيكلي مطابق لمعايير الانتساب في القوات العراقية المسلحة، ويخضع لقوانينها وسلسلة مراجعها.
واللافت، أن بعض المجموعات التي وافقت على هذه الانخراط في هذه الخطة، يرتبط بعلاقات مباشرة ووثيقة مع إيران، ما يرجح فرضية تراخي قبضة طهران على هذه الفصائل، بسبب الأزمة المالية الناجمة عن العقوبات الأميركية وتداعيات تفشي فايروس كورونا.
وتوضح المصادر أن هيئة الحشد الشعبي، التي تضع إيران يدها على قيادتها، قد تقتصر العضوية فيها على الميليشيات المارقة أو التي يقودها مطلوبون دوليون، على غرار قيس الخزعلي وأكرم الكعبي، ما يسهل وضعها على لوائح الإرهاب الأميركية، كما حدث مع الحرس الثوري الإيراني.
وقالت المصادر إن القلق الإيراني بلغ ذروته، عندما طلبت طهران من رئيس الحكومة المستقيلة عادل عبدالمهدي أن يتدخل بصفته قائدا عاما للقوات المسلحة، لمنع مغادرة المزيد من الفصائل لهيئة الحشد الشعبي.
وخرج عبدالمهدي بموقف غريب للتعليق على إعلان انتقال بعض الفصائل من هيئة الحشد إلى القيادة العامة للقوات المسلحة، مؤكدا أنه لم يشاور أحدا في هذا الأمر، ولم يوافق عليه، وقال إن “ارتباط هذه الفصائل المجاهدة بالقائد العام هو ارتباط إداري وعملياتي فقط”.
وأكد عبدالمهدي “أهمية الحفاظ على وحدة الحشد وخضوع جميع ألويته للسياقات الانضباطية والعسكرية وأوامر القيادات العليا، شأنها شأن بقية القوات المسلحة”.
ويقول مراقبون إن عبدالمهدي حاول في آخر أيامه تقديم صك براءته من تحريض هذه الأولية على مغادرة هيئة الحشد، وهو ما دعاه إلى هذا الموقف، الذي يعكس خوفه وخشيته.
ولم تتوقف إيران عند هذا الحدّ فحسب، بل حركت زعيم منظمة بدر هادي العامري لمحاولة فهم نبض المرجعية الشيعية في العراق.
وقالت المصادر إن العامري أمضى مؤخرا يومين في كربلاء والنجف، لمحاولة فهم دوافع هذا التوجه، وحقيقة صلته بالمرجعية الدينية، من دون نتيجة واضحة.
ولا يستبعد مراقبون وجود تنسيق ثلاثي بين محمد رضا نجل المرجع الأعلى علي السيستاني وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ورئيس الوزراء المكلّف مصطفى الكاظمي، لاحتواء فصائل مسلحة موالية لإيران تحاول جرّ الولايات المتحدة إلى حرب داخل العراق، من خلال التحرش الصاروخي المستمر بمصالحها.
وتقول مصادر إن التحدي الإيراني المستمر للولايات المتحدة باستخدام ميليشيات عراقية، لم يعد مقبولا في الأوساط الشيعية المحيطة بالسيستاني والصدر.
ويعتقد مراقبون أن تكليف الكاظمي بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، عزز الشعور داخل الخط الشيعي المعتدل بضرورة وضع حدّ للتجاوزات التي تتورط فيها ميليشيات عراقية موالية لإيران.
ووفقا لآخر المعلومات، فإن حكومة الكاظمي قد تنال ثقة البرلمان في موعد أقصاه الاثنين القادم بعد أن اقترب رئيس الوزراء المكلّف من وضع اللمسات الأخيرة على تشكيلة حكومته.
ويمكن أن تكون حكومة الكاظمي، بوابة لمواجهة الأذرع الإيرانية التي تهين السيادة العراقية وتتحدى مؤسسات الدولة الرسمية، ولا تعترف بحق الحكومة في بغداد باحتكار العنف.
لكن التوقعات تذهب إلى أن الكاظمي ربما يبدأ عملية حصر السلاح المنفلت بيد الدولة عبر الحوار والإقناع أولا، إذ يصعب على العراق المنهك اقتصادية تحمل أعباء مواجهة داخلية.
العرب