من المنتظر أن تشهد الولايات المتحدة في عام 2020 ركوداً تاريخياً ناجماً عن تأثير فيروس كورونا المستجد، بعد عشر سنوات من النمو المستمر، وسيُستشف حجمه مع نشر قيمة الناتج المحلي الإجمالي للربع الأول وتوقعات البنك المركزي.
ويتوقع المحللون انخفاضاً سنوياً بنسبة 4.3 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام، ويبدو “مكتب الموازنة في الكونغرس”، وهو هيئة مستقلة، أقل تشاؤماً، إذ يتوقع انخفاضاً 0.9 في المئة للفترة نفسها.
تحذير من تراجع غير مسبوق
وحذّر كيفن هاسيت، المستشار الاقتصادي للرئيس الأميركي، دونالد ترمب، أخيراً على شبكة “سي إن إن” من أن هذا التراجع ليس على أي حال “سوى نزر يسير من مشكلة أكبر”، وأضاف أن الأشهر المقبلة ستشهد تقهقراً “لا يشبه أي شيء رأيتموه من قبل على الإطلاق”.
وسيظهر، اعتبارا من شهر أبريل (نيسان)، حجم الضرر الذي ألحقه فيروس كورونا المستجد بالاقتصاد الأميركي. إذ اتخذت تدابير العزل واسعة النطاق لمنع انتشار الفيروس في النصف الثاني من مارس (آذار) المنصرم، وتوقف النشاط الاقتصادي في البلاد مع انتشار الفيروس خلال الشهر ذاته، وتم فرض تدابير تهدف إلى احتوائه، حيث أغلقت المدارس والمقاهي والمطاعم وكذلك معظم المتاجر غير الأساسية، في حين أرغمت شركات عديدة على تعليق نشاطها أو خفضه إلى حد كبير. وخلال خمسة أسابيع، قدّم أكثر من 26 مليون شخص طلبات للحصول على إعانة بطالة، وهو أمر غير مسبوق في الولايات المتحدة.
أما في الفصل الثاني، فقد ينخفض إجمالي الناتج المحلي 11.8 في المئة، ما سيمثل تراجعاً بنسبة 39.6 في المئة عن مستواه في الفصل الثاني من عام 2019، بحسب ما ذكرت هيئة الموازنة المستقلة.
ومن غير المعروف بعد سرعة ومدى انتعاش النشاط الاقتصادي، لكن سيتم تخفيف تدابير الاحتواء في كل ولاية بحسب ظروفها، وقد سمحت بعضها، مثل جورجيا وتكساس، بإعادة فتح المحال التجارية.
ى 2019 بالنسبة إلى بعض القطاعات المتأثرة بشكل خاص بتوقف الاقتصاد، مثل النقل الجوي، عدة سنوات.
ويعود آخر أكبر انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي إلى الربع الرابع من عام 2008، عندما انخفض بنسبة 8.4 في المئة. وبعد عام ونصف العام من الركود، عاد النمو في أواخر عام 2009. وتنتظر الأسواق بلهفة ما سيصدره مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي اليوم، في نهاية جلسة لجنة النقد، من توقعات للاقتصاد العالمي الأول.
وقال كبير الاقتصاديين لدى مجموعة “جي بي مورغان”، مايكل فيرولي، “أعتقد أنهم سيقولون إن الاقتصاد يتدهور بسرعة فائقة والآفاق غير واضحة بتاتاً”. ويخشى ألا يغامر أعضاء لجنة النقد “باتخاذ موقف حازم من التوقعات الاقتصادية، التي تتوقف بشكل ما على عناصر الصحة العامة الخارجة عن سيطرتهم”.
ولن يتطرق البنك المركزي الأميركي، الذي تجتمع لجنته النقدية كل ستة أسابيع، إلى أسعار الفائدة هذه المرة، وكان قد خفضها إلى الصفر في منتصف مارس، أمام انتشار الفيروس في البلاد، وهو إجراء لم يتخذه منذ الركود الأخير في عام 2009.
تدابير لطمأنة الأسواق
كما أطلق الاحتياطي الفيدرالي سلسلة من التدابير، سواء كانت أدوات معتادة أو مبتكرة، لطمأنة الأسواق وإعطاء نفحة جديدة للشركات والأسر.
وبالنسبة إلى عام 2020، فقد يبلغ انخفاض الناتج المحلي الإجمالي 6.5 في المئة، بفضل بدء التعافي اعتباراً من الصيف، فيما يتوقع صندوق النقد الدولي، من جهته، انكماشاً بنسبة 5.9 في المئة.
الدولار ينخفض بانتظار فتح الاقتصاد
وعلى صعيد العملات، فقد تراجع الدولار، حيث شجع تباطؤ انتشار فيروس كورونا وتحركات إعادة فتح اقتصادات العالم المستثمرين للإقبال على الأصول الأعلى مخاطرة، لكن الحذر ظل مستمراً قبيل اجتماعات بنوك مركزية في الولايات المتحدة وأوروبا.
ويقتفي الدولار أثر الإقبال على المخاطرة على نحو وثيق طوال أزمة تفشي كورونا، وتراجع قليلاً مقابل بقية العملات الرئيسة اليوم، حيث انخفض على نحو طفيف مقابل اليورو والجنيه الإسترليني، فيما صعد الين الياباني 0.3 في المئة لأعلى مستوى في ستة أسابيع ليسجل 106.55 ين مقابل الدولار.
وفقدت العملة الأميركية معظم مكاسبها مقابل العملات المناظرة. وزاد الدولار الأسترالي نحو 0.6 في المئة إلى أعلى مستوى في سبعة أسابيع ليسجل 0.6533 دولار أميركي في سادس يوم للمكاسب على التوالي، ما يجعله بصدد تحقيق أفضل أداء شهري في أربعة أعوام. وزاد الدولار النيوزيلندي بالهامش نفسه إلى أعلى مستوى في أسبوعين ليجري تداوله مقابل 0.6119 دولار أميركي.
وساد الفتور أسواق العملة مع بدء عطلة عامة في اليابان والحذر قبيل اجتماع مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي يوم الخميس، في وقت يترقب المستثمرون مؤشرات بشأن مسار سياسة المركزي الأميركي المستقبلية بعد استجابته للضرر الاقتصادي الناجم عن جائحة “كوفيد-19” بخفض أسعار الفائدة وشراء سندات وحماية أسواق الائتمان.
وانخفض مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الأميركية مقابل سلة من ست عملات، على نحو طفيف إلى 99.685، واستقر الإسترليني على نحو طفيف عند 1.2469 دولار، فيما جرى تداول اليورو مقابل 1.0846 دولار.
توقعات بعودة التعافي
من جانبه، أكد “ستاندرد تشارترد”، أنه يتوقع أن تقود أسواقه الرئيسة التعافي الاقتصادي العالمي من أزمة كورونا في وقت مبكر لا يتخطى نهاية العام الحالي، ليصدر ملاحظة متفائلة بعد هبوط الأرباح الفصلية نتيجة زيادة مخصصات الديون الرديئة.
وقال البنك “نتوقع تعافياً تدريجياً من الجائحة قبل أن يخرج الاقتصاد العالمي من ركود في الجزء الأخير من 2020، وهو ما ستقوده على الأرجح الأسواق في دائرة نشاطنا”. وأوضح البنك الذي مقره لندن في إفصاح للبورصة، أن الزيادة في انخفاض قيمة الائتمان والمخصصات لارتفاع متوقع في خسائر القروض دفعت الأرباح قبل الضرائب للفترة من يناير (كانون الثاني) إلى مارس، إلى الانخفاض بنسبة 12 في المئة مقارنة مع الفترة نفسها قبل عام إلى 1.22 مليار دولار.
وجاءت النتائج بعد يوم من قول “إتش.إس.بي.سي هولدينجز”، المنافس الأكبر في المواقع ذاتها، إن أرباحه في الربع الأول من العام انخفضت للنصف تقريباً، إذ قفزت مخصصات القروض الرديئة إلى ثلاثة مليارات، في حين جنب “باركليز” 2.6 مليار دولار للغرض نفسه.
واستقبل المستثمرون توقعات “ستاندرد تشارترد” بشكل إيجابي، إذ صعدت أسهمه المدرجة في لندن بنحو سبعة في المئة في التعاملات المبكرة بعد أن ربحت أسهمه المدرجة في هونغ كونغ ما يصل إلى ثمانية في المئة.
اندبندت عربي