تطلقُ الحكومات برامج تحفيزية لمواجهة التداعيات الاقتصادية لانتشار فيروس كورونا، الذي دخل شهره الخامس. وحتى ظهور لقاح مانع للإصابة أو علاج للمصابين سوف تستمر تداعيات التدابير الاحترازية تفتك بالاقتصاد. كثيرٌ من الدول بدأت تستعد للتعايش مع الوباء بتخفيف الشروط والسماح بالنشاطات الاقتصادية تدريجاً. تابعنا انعكاس ذلك على أسواق الأسهم وأسواق الطاقة خلال هذا الأسبوع. بعد العودة الكاملة للحياة والحركة والإنتاج يتوقع أن يتعافى الاقتصاد. وعلى الرغم من حالة التشاؤم التي تحملها وكالات الأنباء والتحليلات المختلفة، فإنّ الحياة ستعود من جديد.
توقعات صندوق النقد
وتوقّع صندوق النقد الدولي أن ينكمش الاقتصاد العالمي ثلاثة في المئة خلال هذا العام، مقارنة مع نمو 3.3 في المئة لعام 2019. وتوقع أيضاً أن ينكمش الاقتصاد الأميركي ستة في المئة هذا العام، مقارنة بنمو بلغ 2.3 في المئة لعام 2019، وكذلك انكماش اقتصاد منطقة اليورو 7.8 في المئة، مقارنة بنمو بلغ 1.00 في المئة خلال 2019.
بالنسبة إلى الصين يتوقّع أن ينمو الاقتصاد 1.2 في المئة هذا العام مقارنة بنمو بلغ 6.1 في المئة في 2019، ويتوقع أيضاً أن يتباطأ الاقتصاد الهندي لينمو 1.9 في المئة هذا العام، مقارنة بنمو بلغ 4.2 في المئة خلال 2019. ويتوقع الصندوق أن يخسر الاقتصاد العالمي نحو 9 تريليونات دولار خلال عامين.
الأرقام الاقتصادية تعكس تأثير كورونا
مكتب الإحصاء بوزارة التجارة الأميركية أعلن، الأربعاء الماضي، انكماش الاقتصاد في أول ثلاثة أشهر من هذا العام بـ – 4.8 في المئة، متراجعاً من نمو 2.1 + في المئة للفصل الأخير من 2019، وذلك بسبب تداعيات انتشار “كوفيد 19” على النشاطات الاقتصادية. وكما هو معلوم، فإن الإجراءات التي تتبعها السلطات لمجابهة الفيروس التي تستدعي التباعد الاجتماعي والبقاء في المنازل كانت نتيجتها أول انكماش فصلي للاقتصاد منذ 11 عاماً (أعلى معدل انكماش فصلي للاقتصاد الأميركي من الفصل الرابع في 2008).
وأظهرت بيانات نمو الناتج المحلي الإجمالي بكندا عدم نمو الاقتصاد في مارس (آذار) 2020، ويتوقع أن يسجّل انكماشاً بـ2.6 في المئة خلال الفصل الأول من 2020.
هل سيكون التعافي الاقتصادي سريعاً؟
التعافي بعد الأزمة الاقتصادية يعتمدُ على طول فترة الركود، وعلى تأثير الركود في القطاعات الاقتصادية المختلفة، ويأخذ عدة أشكال. لكن النموذج المعتاد هو التعافي السريع الذي يطلق عليه V shaped recovery، وهذا غالباً ما تكون فيه فترة التعافي هي نفسها فترة الركود، ليعود نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى مستوى ما قبل الركود نفسه، وهذا النموذج تكرر حدوثه ست مرات خلال آخر سبع فترات ركود سابقة.
وهناك التعافي البطيء (المتأخّر)، ويطلق على هذا النموذج U shaped recovery، وهذا يلازم سوق العمل بعد الأزمات، ويأخذ سنوات حتى تعود السوق إلى مستوى ما قبل الركود.
لكن في حالة الركود الذي سببه كورونا، يتوقع أن يحدث التعافي بسرعة على نسق النموذج الأول نفسه، والسبب في ذلك أنّ الأرقام الاقتصادية التي تصاحب فترة الإغلاق والتباعد الاجتماعي سرعان ما تتغير بعد عودة النشاط الاقتصادي. فمثلاً الصين الدولة التي انتشر فيها الوباء أولاً، في يناير (كانون الثاني) 2020، هبط مؤشر القطاع الصناعي إلى 35.7، وآخر قراءة له الأسبوع الماضي كانت فوق مستوى الـ50، وهو الحد الفاصل بين الانكماش والنمو في نشاط القطاع الصناعي.
من المتوقع أن تتعافى الصادرات الصينية متأخرة، نسبة لاستمرار العالم متأثراً بتدابير مواجهة كورونا، وتمثل الصادرات الصينية 17 في المئة من نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني في 2019، لذلك يمكن أيضاً أن نشاهد تبايناً بين القطاعات الاقتصادية المختلفة بشأن سرعة التعافي من الركود.
الصين كانت أول دولة ينتشر فيها الوباء، وهي أيضاً أول دولة تخفف شروط الإغلاق، وتعود الحياة تدريجاً إلى شوارعها ومصانعها. وعليه، يتوقع أيضاً أن تكون محط الأنظار في رحلة التعافي التي ستسبق فيها بقية دول العالم، بحكم الخروج المبكر من تدابير السيطرة على الوباء.
عبدالعظيم الأموي
اندبندت عربي